وي! من ذا الذي يستطيع أن يمنع الله من أن ينقل إلى أعضائنا، وهي أكثر دقة هذه الخاصية في الإحساس والشعور والتفكير التي نسميها عقلا بشريا؟ ومهما يكن من أمر الجهة التي تولون وجهكم شطرها، فإنه لا بد لكم من الاعتراف بجهلكم وبقدرة الخالق الواسعة؛ ولذا فلا تثوروا على فلسفة لوك الحكيمة المتواضعة، على هذه الفلسفة البعيدة من مباينة الدين والتي تصلح دليلا له إذا ما احتاج إليه، وذلك: أية فلسفة تكون أكثر دينا من التي لا توكد غير ما تتمثله بوضوح وتعرف أن تقر بضعفها فتقول لكم إنه يجب أن يلتجأ إلى الله فور البحث في الأصول الأولى؟
وفضلا عن ذلك فإنه لا ينبغي أن يخشى إمكان أي شعور فلسفي أن يضر دين أي بلد كان، ومن العبث أن تكون أسرارنا مناقضة لبراهيننا وهي ليست أقل توقيرا من قبل فلاسفة النصارى الذين يعرفون أن موضوعات العقل والإيمان مختلفة طبيعة، وما كان الفلاسفة ليجعلوا من الدين فرقة مطلقا، ولماذا؟ ذلك لأنهم لا يكتبون للشعب أبدا؛ ولأنهم خالون من الحماسة.
وقسموا الجنس البشري إلى عشرين جزءا؛ لتروا أن تسعة عشر جزءا من هؤلاء مؤلف ممن يعملون بأيديهم، ولا يعرفون وجود رجل في العالم يدعى لوك، وما أقل مقدار من يقرءون في الجزء العشرين الباقي! وتجد بين من يقرءون عشرين يطالعون روايات في مقابل واحد يدرس الفلسفة، فعدد من يفكرون قليل إلى الغاية، ولا يعن لهؤلاء أن يكدروا صفو العالم.
وليس منتين، ولا لوك، ولا نيل، ولا سبينوزا، ولا هوبز، ولا اللورد شافتسبري، ولا مستر كولنس، ولا مستر تولند، إلخ، هم الذين حملوا مشعل الشقاق في وطنهم، بل هم - في الغالب - علماء اللاهوت الذين ساورهم طموح ظهورهم رؤساء فرقة في البداءة، فلم يلبثوا أن صاروا رؤساء حزب، وما أقول؛ إذا ما جمعت جميع كتب الفلاسفة في الأزمنة الحديثة لم تجدها قد أحدثت من الضوضاء في العالم ما أحدثه جدال الكردليه فيما مضى حول شكل كمهم وغطاء رأسهم.
الرسالة الرابعة عشرة
حول ديكارت ونيوتن
إذا ما وصل الفرنسي إلى لندن وجد تبدل الأمور في الفلسفة وفي كل ما في سواها، ولا غرو، فقد ترك العالم زاخرا، ووجده فارغا، ففي باريس يرى الكون مؤلفا من زوابع من المادة الدقيقة، ولا يرى شيء من هذا بلندن، وعندنا أن ضغط القمر هو الذي يوجب مد البحر، وعند الإنكليز أن البحر هو الذي ينجذب نحو القمر، وذلك بينا تعتقدون أن القمر هو الذي يجب أن يمنحنا المد، يعتقد أولئك السادة أن الجزر هو الذي يجب أن يكون، وهذا ما لا يمكن تحقيقه مع الأسف؛ وذلك لأنه كان يجب لاستجلاء ذلك أن يفحص القمر والمد والجزر في الساعة الأولى من التكوين.
ومما تلاحظون أيضا أن الشمس التي لا دخل لها في هذا الأمر في فرنسة تساعد على هذا هنا بنحو ربعها، ويقع كل شيء عند ديكارتبيكم بدفع لا يدرك أمره مطلقا، ويقع هذا عند مستر نيوتن بجذب لا تعرف علته بأحسن مما تعرف علة ذلك، وفي باريس تصورون الأرض مصنوعة كالشمامة، وفي لندن تصور مسطحة من الطرفين، وعند الديكارتي يوجد النور في الهواء، وعند النيوتني يأتي النور من الشمس في ست دقائق ونصف دقيقة، وتستعين كيمياؤكم في جميع أعمالها بالحوامض والقلي والمادة والمادة اللطيفة، وتسيطر الجاذبية حتى على الكيمياء الإنكليزية.
وقد تغير جوهر الأمور تماما، وأنتم لا تتفقون على تعريف الروح، ولا على تعريف المادة، فيوكد ديكارت أن النفس هي الفكر عينه، ويثبت لوك له العكس.
ويوكد ديكارت أيضا أن الاتساع وحده يفعل المادة، ويضيف نيوتن الصلابة إلى هذا، فهذه مباينات بالغة:
Shafi da ba'a sani ba