يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ ١.
فإذا تدبرت ٢ هذا الأمر العظيم، وعرفت أن الكفار يقرّون بهذا كله لله وحده لا شريك له، وأنهم إنما اعتقدوا في آلهتهم لطلب الشفاعة والتقرب إلى الله، كما قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ ٣، وفي الآية الأخرى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ ٤.
فإذا تبين لك هذا وعرفته معرفة جيدة، بقي للمشركين حجة أخرى؛ وهي أنهم يقولون: هذا حق، ولكن الكفار يعتقدون في الأصنام ٥، فالجواب القاطع أن يقال لهم: إن الكفار في زمانه ﷺ، منهم من يعتقد في الأصنام، ومنهم من يعتقد في قبر رجل صالح مثل اللات، ومنهم من يعتقد في الصالحين، وهم الذين ذكر الله في قوله ﷿: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ ٦. يقول تعالى: هؤلاء الذين يدْعونهم الكفار ويدّعون محبتهم، قوم صالحون يفعلون طاعة الله ومع هذا راجون خائفون. فإذا تحققت أن العلي الأعلى ﵎ ذكر في كتابه أنهم يعتقدون في الصالحين وأنهم لم يريدوا إلا الشفاعة عند الله والتقرب إليه بالاعتقاد في الصالحين، وعرفت أن محمدًا ﷺ لم يفرق بين من اعتقد في الأصنام ومن اعتقد في الصالحين، بل قاتلهم كلهم وحكم بكفرهم، تبين لك حقيقة دين الإسلام وعرفت
١ سورة يونس آية: ٣١.
٢ في المخطوطة قبل (فإذا تدبرت) (وقوله قل لمن الأرض ومن فيها إلى قوله فأنى تسحرون) .
٣ سورة يونس آية: ١٨.
٤ سورة الزمر آية: ٣.
٥ في المخطوطة: (ونحن نعتقد في الصالحين، وكيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟) .
٦ سورة الإسراء آية: ٥٧.