275

Wasikun Masana

رسائل البلغاء

Nau'ikan

تنل منه صفو الود ما لم تماره

وقال في الحكمة: أما ما يسمع من كثير من الحكمة؛ فإن أوله شيء يخطر على الأفئدة إذا خطر، وهو أصغر من الخردلة، وأدق من الشعرة، وأوهن من البعوضة، ثم تحركه الألسنة، وتنبذه الأفئدة كما يحاك البرد، وكما يمد النهر فيعود أكثر من الكثير، وأوثق من الحديد، وأثمن من الجوهر، وأحسن من الذهب، وأنفع من كليهما؛ لأنه يزيد في المنطق، ويذكي الذهن، ويعين على الإبلاغ، ويتجمل به القائل، ويتقلب فيه كيف يشاء، ويختار منه ما يشاء فينتفع به اللطيف، وينبل به السخيف، ويتزيد به الكثيف، ويتأبد به الضعيف، ويزداد به الأيد قوة في منطقه وبلاغة في كتبه؛ فيكون في حفظه منفعة للخطباء في خطبهم، وللبلغاء في بلاغتهم وكتبهم، وللكرماء في بشاشتهم، وللشعراء في قصائدهم، فإذا كنت ممن يؤلف حكمة، أو يضع رسالة، أو يذكر في مهمة فلا تكمه قلبك، ولا تكره ذهنك؛ فإنه إذا أكره كل ووقف ولكن إن كنت في شيء من ذلك فاستعن بالتفرغ منه على التفرغ له، والتأخر عنه على التقدم فيه؛ فإن الذهن يجم كما يجم البئر ويصفو كما يصفو الماء.

وقال في الكلام وإخراجه: اعلم أن مثل الكلام كمثل الحجارة فمنها ما هو أعز من الذهب والفضة، ومنها ما لا يعطى في الصخرة العظيمة منه درهم، وفي ذلك أقول شعرا:

وما الحجر الكبير أعز فيما

ظفرت به من الحجر الصغير

وكم أبصرت من حجر خفيف

صغير بيع بالثمن الكثير

وقال في طلاقة الوجه وحسن الخلق: كن أسهل ما تكون وجها، وأظهر ما تكون بشرا، وأقصر ما تكون أمدا، وأحسن ما تكون خلقا، وألين ما تكون كنفا ، وأوسع ما تكون أخلاقا فإن الأيام والأشياء عقب ودول؛ فإن أنكرت منها شيئا يوما ما، كان ما أنكرت منها شيئا خفيفا على أهل الشماتة، وعلى أهل الصفاء، واحذر أن تحزن من يحبك، وتفرح من يحسدك فلم أر في مصاب الدهر مصيبة أوحش من تغيير النعمة، وإن أنت لم تنكر منها شيئا ودامت لك بما تريد فما من الدنيا شيء تناله بدعة ورفق إلا وهو أهنا مما نيل بتعب ونصب، فأما من كفي وعوفي فما يصنع بالغضب والتضايق وإنهما هم العمر ونكد الدهر، وفي ذلك أقول شعرا:

ما تم شيء من الدنيا علمت به

إلا استحق عليه النقض والغير

Shafi da ba'a sani ba