وما أنظف الأحرار في كل مشرب
وقال في صفة العدو والصديق: احرص ألا يراك صديقك إلا أنظف ما تكون، ولا يراك عدوك إلا أحصن ما تكون؛ فأما الصديق؛ فإن كان الذي أعجبه منك خلقك أو خلقك، ولهما كان يحبك فكلما ازددت حسنا كان حبه لك أكثر، ورغبته فيك أوفر وأكثرك عنده وأكبر لك في صدره، وأدوم على عهدك، وأما العدو فليس شيء أعجب إليه من دمامتك وخساستك، فاحترس منه وأظهر الجميل فليس شيء أعجب إليه من التمكن منك، فانظر ألا يكون شيء أعجب إليك من التحصن منه.
وقال في العقل والأدب: اعلم أن العقل أمير، وأن الأدب وزير؛ فإن لم يكن وزير ضعف الأمير، وإن لم يكن أمير بطل الوزير، وإنما مثل العقل والأدب كمثل الصيقل والسيف؛ فإن الصيقل إذا أعطي السيف أخذه فصقله فعاد جمالا ومالا وعضدا يعتمد عليه ويلتجأ إليه، فالصيقل الأدب والسيف العقل، فإذا وجد الأدب عقلا نفقه ووفقه وقواه وسدده كما يصنع الصيقل بالسيف، وإذا لم يجد عقلا لم يعمل شيئا؛ لأنه لا يصلح إلا ما وجد.
وإن من السيوف لما يصقل ويسقى ويخدم ثم يباع بأدنى الثمن، ومنها ما يباع بزنته درا وزبرجدا، وذلك على نحو الحديد وجودته أو رداءته، وكذلك الرجلان يتأدبان بأدب واحد ثم يكون أحدهما أنفذ من الآخر أضعافا مضاعفة، وإنما ذلك على قدر العقل وقوته في الأصل، وفي ذلك قلت شعرا:
وقد يصلح التأديب من كان عاقلا
وإن لم يكن عقل فلا ينفع الأدب
وقال في المراء: إذا اجتمع أهل نوع فتذاكروا على نوعهم ذلك، فلم يكن أصل كل واحد منهم أن ينفع بما أسمع وينتفع بما سمع؛ فاعلم أن تذاكرهم ذلك من أول المراء يصدع العلم، ويوهن الود، ويورث الجمود، وينشئ الشحناء، وينغل القلب، وفي ذلك أقول شعرا:
تجنب صديق السوء واصرم حباله
فإن لم تجد عنه محيطا فداره
وأحبب صديق الخير واحذر مراءه
Shafi da ba'a sani ba