264

Wasikun Masana

رسائل البلغاء

Nau'ikan

ولا ينبغي للملك أن يعتقد أن تعظيم الناس له هو بترك كلامه، ولا أن إجلالهم له هو بالتباعد عنه، ولا أن محبتهم هي بموافقته على جميع ما يحبه، وإنما تعظيمهم له بتعظيم عقله وصواب سياسته، وإجلالهم له إجلال منزلته من الله، بما يجريه على يده ولسانه من العدل، ومحبتهم له بما يتألفهم بكريم خلقه، وصادق المحبة هو الذي يعينه على العدل، وحسن التدبير بمحض النصيحة.

إن في الرعية وحملة السلاح من الأهواء الغالة والفجور، ما لا بد للملك معه من أن يقرن بباب الرأفة باب الغلظة، وباب الإنعام بباب الانتقام؛ فإن القصاص من المفسدين حياة لبقية الأمة، ومن لم يقم حدود الله تعالى فيمن له فيه هوى لم تثبت هيبته في قلوب الخاصة والعامة، ولن يستطيع الملك أن يقوم العامة حتى يقوم الخاصة.

وإن من كان من الملوك قبلنا قد رتبوا الناس أربع طبقات، فالأمراء والجند صنف والعباد والفقهاء صنف، والكتاب والحكماء صنف، والتجار والفلاحون صنف، فلم يمكنوا صنفا منها أن يدخل في الصنف الآخر، لتتفرغ كل طبقة للقيام بما يلزمها.

وليس أضر على الملك من رأس صار ذنبا، أو يد مشغولة وجدت فراغا من شغلها.

وخير الملوك من بعث العيون على نفسه؛ ليعلم عيوبها، فيكون أعلم بعيوب نفسه من غيره، ثم يجتهد في مداواة عيب بعد عيب، حتى لا يجد أحد فيه مطعنا، فهذا الذي تمت سيادته.

وإن ابتهاج الملك المسدد الرأي القاهر لهواه بوفور عقله، وشرف نفسه بارتفاعها من النقائص أعظم من سروره بملكه.

ومن الرعية من يقارب الملك في مأكله وملبسه وشهوته. وليس فيهم من يقدر كقدرته على اجتناء المحامد وإصلاح الرعية بالعدل عليها، وتأمين السبل وصيانة الحريم وكف أيدي الظالمين، فاجتهدوا معشر الملوك في بسط العدل الذي لا تقدر عليه الرعية، وتنافسوا في اقتناء الذكر الجميل.

وليس للملك أن يبخل؛ فإنه لا يخاف الفقر، وإذا عرف بالبخل انقطع الرجاء من خيره، فانسلت الأيدي من طاعته ولا يجتهد أحد في خدمته، وانحلت النيات عن مناصحته.

ولا ينبغي له أن يغضب؛ لأن الغضب مع القدرة يوجب السرف في العقوبة، ثم يعقب الندامة مع ما فيه من الطيش والخفة وقبح السمعة.

ولا ينبغي له أن يلعب؛ لأن اللعب والعبث من أعمال الفراغ، والفراغ من عمل السوقة، وفي ذلك من ذهاب الوقار وإسقاط الهيبة ما ينافي جلال السيادة.

Shafi da ba'a sani ba