صلى الله عليه وسلم : «من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي.»
وروى حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن المؤمل، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «إذا اختلف الناس فالحق في مضر.»
وروى أبو نعيم، عن الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن أبي وداعة والمطلب بن ربيعة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقا فجعلني في خيرهم فرقة، وخلق قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا.»
ثم يتلو العرب في شرف الطرفين أهل خراسان أهل الدعوة وأنصار الدولة؛ فإنهم لم يزالوا في أكثر ملك العجم لقاحا لا يؤدون إلى أحد إتاوة ولا خراجا. وكانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ، ثم نزلوا بابل ثم نزل «أزدشير بابك» فارس، فصارت دار ملكهم وصار بخراسان ملوك الهياطلة، وهم الذين قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بهرام ملك فارس. وكان غزاهم فكادوه في طريقه بمكيدة، حتى سلك سبيلا معطشة مهلكة، ثم خرجوا إليه فأسروه وأكثر أصحابه، فسألهم أن يمنوا عليه وعلى من أسر معه وأعطاهم موثقا من الله ألا يغزوهم، ولا يجوز حدودهم ونصب حجرا بينه وبين بلدهم جعله الحد الذي حلف عليه وأطلقوه. فلما عاد إلى مملكته أخذته الأنفة والحمية بما أصابه، فعاد لغزوهم ناكثا لأيمانه غادرا بذمته، وحمل الحجر الذي كان نصب أمامه في مسيره بتأول أنه ما تقدم الحجر فإنه لم يجزه، فلما سار إليهم ناشدوه الله وأذكروه ما جعل على نفسه من عهده وذمته، فأبى إلا لجاجا ونكثا فواقعوه فقتلوه وقتلوا حماته وكماته، واستباحوا عسكره، وأسروا ضعفته ولبثوا في أيديهم أسرى، ثم أعتقوهم وأطلقوهم وغبروا بعد ذلك زمانا طويلا، وقتلوا كسرى بن فيروز وهذا شيء يخبر به عن فارس، فيما دونوا في سير ملوكهم من أخبارهم، ومن أقر بهذا على نفسه لعدوه وأباحه لخصمه، فما ظنك بما ستر ورين من أمره.
وكان فيما حكوا من الكلام الدائر بين ملك الهياطلة، وبين فيروز؛ كلام أحببت أن أذكره في هذا الموضع، لأدل به على حكمة القوم وحزمهم في الأمور، وعلمهم بمكايد الحروب، قالوا: لما التقى الفريقان، ثم تصافوا للقتال أرسل أخشنوار ملك الهياطلة إلى فيروز أن يسأله أن يبرز فيما بين الصفين ليكلمه فخرج إليه. فقال أخشنوار: قد ظننت أنه لم يدعك إلى مقامك هذا إلا الأنف، مما أصابك.
ولعمري لئن كنا احتلنا لك بما رأيت لقد كنت التمست منا أعظم منه، وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم، ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وحريمنا، ولقد كنت جديرا أن تكون من سوء مكافأتنا عليك، وعلى من معك. ونقض العهد والميثاق الذي أكدت على نفسك؛ أعظم أنفا وأشد امتعاضا مما نالك منا؛ فإنا أطلقناكم وأنتم أسارى، ومننا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكة وحقنا دماءكم وبنا على سفكها قدرة، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا، بل كنت الراغب إلينا فيه والمريد لنا عليه.
ففكر في ذلك ومثل بين هذين الأمرين، فانظر أيهما أشد عارا وأقبح سماعا، أن طلب رجل أمرا فلم يتح له، وسلك سبيلا فلم يظفر فيها ببغية، واستمكن منه عدوه على حال جهد منه وضيقه ممن معه، فمن عليهم وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه، فاصطبر لمكروه القضاء، واستحيا من الغدر والنكث، أم أن يقال: نقض العهد وختر بالميثاق؟
Shafi da ba'a sani ba