وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما، قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: جعلنا الله وإياك على النعم شاكرين، وعند المحن والبلوى صابرين، وبالقسم من عطائه راضين، وأعاذنا من فتنة العصبية وحمية الجاهلية وتحامل الشعوبية؛ فإنه بفرط الحسد وبغل الصدر تدفع العرب عن كل فضيلة، وتلحق بها كل رذيلة، وتغلو في القول، وتسرف في الذم، وتبهت بالكذب وتكابر العيان، وتكاد تكفر ثم يمنعها خوف السيف وتغص من النبي
صلى الله عليه وسلم
إذا ذكر بالشجا، وتطرف منه على القذى، وتبعد من الله بقدر بعدها ممن قرب واصطفى.
وفي الإفراط الهلكة، وفي الغلو البوار، والحسد هو الداء العياء، أول ذنب عصي الله به في الأرض والسماء، ومن تبين أمر الحسد بعدل النظر أوجب سخطه على واهب النعمة وعداوته لمؤتي الفضيلة؛ لأن الله تعالى يقول:
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا (الزخرف: 32) فهو - تبارك وتعالى - باسط الرزق وقاسم الحظوظ والمبتدي بالعطا، والمحسود آخذ ما أعطي وجار إلى غاية ما أجري.
وقال ابن مسعود: لا تعادوا نعم الله! قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: حاسد الناس وفي بعض الكتب يقول الله: الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي، غير راض بقسمي.
قال ابن المقفع: الحاسد لا يبرح زاريا على نعمة الله لا يجد لها مزالا، ويكدر على نفسه ما به، فلا يجد لها طعما، ولا يزال ساخطا على من لا يتراضاه، ومتسخطا لما لا ينال فوقه، فهو مكظوم هلع جزوع، ظالم أشبه شيء بمظلوم، محروم الطلبة منغص المعيشة دائم السخطة، لا بما قسم له يقنع، ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلب في فضل الله مباشر للسرور، ممهلا فيه إلى مدة لا يقدر الناس لها على قطع وانتقاض، ولو صبر الحسود على ما به وضمر لجرنه كان خيرا له؛ لأنه كلما هر خسأه الله، وكلما نبح قذف بحجره، وكلما أراد أن يطفئ نور الله أعلاه الله
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (التوبة: 32)، ولله در القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
يوما أتاح لها لسان حسود
Shafi da ba'a sani ba