Wasiku na Bakin Ciki
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
Nau'ikan
هذا هم الحب ولكن مجيئه هم آخر؛ لأنه يتهكم بالناس فلا يأتيهم بكنهه وحقيقته إلا في أسلوب الحظ والسعادة ثم لا يأتي إلا اتفاقا ومصادفة في ساعة ترتجف كأنها وقعت إلى هذا الزمن خطأ، أو كأنها تحس بما فيها من الجور والقتل، أو كأنها خلقت مرتجفة متزلزلة ليتأتى لها أن تزحزح الطبيعة الإنسانية وتطيش بها حتى في جبابرة العقول الذين رسخت طباعهم بجبال من الأخلاق الراسية تمنعها أن تميد أو تتزحزح، السرور والحب كلاهما يأتي اتفاقا؛ ولعلك لا تجد في كل ما عرفوا به السعادة أصح ولا أوفى من أن تقول: إن السعادة هي نفس هذا الاتفاق حين يتفق السرور أو الحب. •••
والجناح الكبير إنما خلق كبيرا ليأكل الأجنحة الصغيرة، ولما لقيتها كانت ألحاظها تقول لي بفصاحة أوضح من نور الصبح: أنت فريستي؛ وكانت ترفرف علي فأتنسم منها هواء يذهلني كما تذهل العصافير الصغيرة للجارح المنقض عليها، وتحولت أسرع مما أرادت بي وكنت ذا عزيمة قوية مضيئة كالنهار الذي يتغذى من دم الشمس؛ فما أسرع ما فتح هذا القمر باب سمائه وطلع علي من سحره بمثل ما يطلع قمر الأرض على الأرض فيبدلها من نهارها ذلك الصبح الرطب المريض الذي تتخايل فيه الظلال والنسمات حتى يأذن الله فتمحى آية الليل الأسود وتطوى آية القمر الأبيض.
كنت كذلك البطل الذي أكدى مرة في قتال خصمه ورجع كما يرجع الجبان فيعيروه فقال: والله ما كنت جبانا ولكني زاولت أمرا مؤجلا،
5
وتالله ما كنت ضعيفا ولكني دفعت قدرا معجلا لا يدفع. •••
وحاولت أيها العزيز أن أكتب إليك وأنا في هذا الموت فصنفت كلمات ثم خشيت أن أرتاد أحدا لسري فحفظته فيها وتركتها بين أوراقي؛ وكان قلبي يحدثني أنه يستروح من هذه الصحيفة رائحة صفحات كثيرة سأكتبها؛ وقلت: إنه حب أبيض لا ينبغي إلا أن يكون منسيا أو سرا مضمرا أو على الأقل شيئا غير ظاهر، أما الآن فإني مرسل إليك ما كتبت؛ ولتجدن هذه الأسطر وما فيها إلا قلب يتمزق ونفس مضعضعة وكأنما هي من بكاء أعصابي المتألمة، وإذا رأيت بلدا سال بها السيل أو مدينة جاش بها البحر فاعلم أن لهما ثالثا في معنى الخراب وهو العاشق الذي يغمره الدمع، وهاهي الرسالة:
أكتب إليك وأنا في حال هي من شدة الوضوح قد صارت في شدة الغموض وأية حال تظنها؟ سيذهب بك الظن إلى الموت فهو أخفى ما ظهر من أسرار الإنسانية، ولكن هناك موتا لا ينقل من الدنيا إلى الآخرة، بل من نصف الدنيا إلى نصفها الآخر ... وهو في أسرار الإنسانية عكس ذلك؛ لأنه أظهر ما خفي، وهو الحب.
علامة هذا الموت الصغير أن يقع كل شيء منك في غير موقعه حتى لو جاءك اليقين لانقلب شكا، ولو لمست الحقيقة لاستحالت شبهة، ثم تجد في أسباب الحياة ما يجد المريض في أصناف الطعام؛ لأن العلة المستقرة فيه تجعل في كل شيء له علة منها، وترى كل ما أنت ناظره يوسوس في نفسك بلغة ما ولمعنى ما حتى لا يترامى أمرك إلا إلى الوساوس والأباطيل كأن جماعة من الشياطين ارتجت في صدرك فلا يهدأ أبدا، وتحسب الأرض قد نبت بك وثقلت عليها كأنها لا تستطيع أن تحملك أنت واعتقادك الجديد ... وما اعتقادك هذا إلا أنك ترى الناس جميعا قد تغيروا فلا تصيب بينهم موضعا تكون نفسك فيه هي نفسك إلا ذلك الموضع الذي يضم من تهواها؛ أما سائر الأمكنة وأما سائر الناس فأنت منهم في رأي نفسك كالمصحف في بيت الزنديق الملحد، يظلم في كل شيء في الوضع وفي الاستعمال وفي الاعتقاد وحتى في النظر إليه ... وتستحيل فيهم بشخصك الواحد إلى اثنين معهما خيال شخص ثالث ... فلا ترى إلا أن نصفك يتحزن للنصف الآخر في كل ما تراه، وهذا النصف الآخر يكون في بلائه كالطائر الذي وقع من الجو بسهم فلما أحس الأرض جعل يهم ويدارك الضرب بجناحيه ويكد ويعنف على نفسه، ولكنه لا يطير؛ وكلما أراد أن يثب إلى السماء وجد آلتها فيه مختلة ترجف وتضطرب، ولكنها لا تعلو؛ وقصر جناحه فلصق بالأرض وجاءه الموت من كل مكان وما هو بميت.
تبغض العيش وتبغض الحياة وتبغض الناس؛ تبغض ثلاث مرات؛ لأنك أحببت مرة واحدة، وهذا كله إذا كانت من تحبها لا تدري بهواك أو كانت تدري ولكنها لا تستطيع أو كانت تستطيع ولكن ... آه يا عزيزي لا بد في لغة الحب من «لكن» إذا كانت المرأة تعرف لغة الحب.
يا ويلتا لقد انتبهت إلى أني أخاطبك كأنك أنت المبتلى ... فلعلك عاذري فإن هذه طبيعة النفس الحزينة تريد أن تكون مصائبها في سواها ولو على ورقة ... لم يبق مني إلا جزء قليل من شخصيتي القديمة أما أكثرها فضاع ضياعه أو أصبحت لا أملكه، ولكن هذا الجزء الباقي يفسح لي مذاهب النفس فأراني كأنما أستقبل السموات وأحويها في صدري، وأرى بعيني مجموعي الإنساني كله واضحا يتسامى، وأشعر أني عقل من هذه العقول التي تشرف على الدنيا وتعمل في نظامها.
Shafi da ba'a sani ba