Wasiku na Bakin Ciki
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
Nau'ikan
4
ثم مدت عينيها الذابلتين في شواطئ ذلك البحر الأخضر وقالت: ألا تظن يا آدم الصغير أن إدراك الجمال الطبيعي في الأرض هو بقية فينا من نفسية آدم الكبير لدن كان في السماء وقد ورثناها عنه، قلت: لا أظن ظنا بل أنا مستيقن فإننا طردنا من الجنة ولكنا استرقنا منها قدر ما وسع خيالنا؛ فإدراك الجمال في أي أشكاله وبأي طرقه إنما هو متاع الروح الإنسانية على طريقها الأولى في عهدها الأول، إن هذا الجمال لم يخلق إلا للحس والتخيل فهو كلام بين السماء وباطن الإنسان، قالت: فأنت الساعة تكلمك السماء؟ قلت وتقول لي ... قالت: يا وحي ماذا تقول لك السماء؟ قلت: فإنها تقول ما لك منصرفا عني بملك من ملائكتي ونسيت حتى الشمس فلم تنظر إليها، قالت: وجوابك؟ قلت: جوابي هو أن بعض الأسرار الإلهية يبحث في العلم عنها، وبعضها يكون من الجلال والإشراق والسمو بحيث يبحث فيها هي عن العلم؛ فالسر الكامن في هاتين العينين وفي هذا التكوين وفي هذه الطلعة هو الذي أبحث فيه عن علم قلبي، قالت: أنت شاعر يعد قلبك شيئا عجيبا، وكثيرا ما أحاول الابتعاد عن ألفاظك، قلت: ولمه؟ أيكون فيها أحيانا صوت شفة يمسك؟ فسكتت وجعلت تنكت الأرض، ومضيت أقول: إن الجمل يستروح الماء
5
مسيرة ميل، وإن بعض الحيوان يحمل إليه الهواء رائحة ما يخشاه أو يحبه فكيف لا تحمل إلي ألفاظك عطر خديك وشفتيك فتستحيل ألفاظي كلها قبلات؟ إن السائل المسكين حين يدعو لمن يحسن إليه يقبل يده بألفاظ الدعاء؛ لأن كلماته لا ترتفع إلى السماء إلا بعد أن تمس هذه اليد الكريمة المحسنة من كل لفظة دعاء بقبلة شكر؛ والمحب حين ينظر في وجه من يهوى نظرات كالألفاظ وحين يتكلم بألفاظ كالنظرات ... وهنا لمست كتفي وانتهضت وقد أشارت إلى زهرة حمراء كوجه المستحيي ثم مشت إليها فاقتطفتها ورجعت؛ فعملت أن الكلام كان سقطة منى فتداركته وأردت أن أقلبه عن جهته، ولكنها تنهدت ثم قالت: ما أحببتك شخصا بل شعرا ولا إنسانا بل فكرا، ولولا أسباب القدر التي باعدت ذات بيننا ... وأخذ كلامها يرق ثم يرق حتى خرج من معانيه كلام لا يتلقى إلا بالشفاه، وخيل إلي أن نسيم الروضة يرتمي عليها ليتخطف تنهدها فجعلت أتخطف هذا النسيم وكأني لا أتنفسه، بل أشربه شربا. •••
في تلك الساعة ذكرت هي الشعر وقالت: إنه يخرجنا الآن من حدود العمر الأرضي؛ فإن في هذا العمر ساعات لا تحسب منه إما لأنها أبدع وأجمل فلا يلائمها، وإما لأنها أقبح وأسخف فلا تلائمه؛ أفتراها أقبح وأسخف ...؟ قلت: يا شاعرتي العزيزة إن اللغة أيضا تخرج من حدود الأرض أحيانا فهي في مثل هذه الساعة في مثل هذه الروضة في مثل هذه الجميلة لا تؤدي إلا معنى الجمال والحب، أما الأقبح والأسخف فلا يدخلان هنا إلا بعد أن نخرج نحن ويدخل غيرنا ...
قالت: يا لك من «عقل جميل» كما يسمي الفرنسيون ظرفاءهم، ثم تناولت من المثبنة
6
في يدها أنبوب قلمها الرصاصي المصنوع من الذهب وأخرجت دفترا صغيرا، وغمست سن القلم في ثناياها وفكرت لحظة ثم غمسته ثانية، ثم كتبت في طرة الصفحة هذه الكلمة «الشعر»، ونظرت إلي باسمة وقالت: خذ هذا القلم واكتب كلمة صغيرة في الشعر؛ لأنقلها إلى الفرنسية في مقالة لي ...
آه لو أن الكهرباء اجتذبت القلم من يدها ما كانت أسرع مني في اختطافه، وجعلت أغمسه في شفتي مرة بعد مرة بعد مرة ولا اكتب شيئا، وهي تضحك وتقول: ما لك لا تكتب؟ فأقول: هكذا اعتدت في المدرسة وكنت بليدا ...
ثم كتبت ولكن بعد أن خالط فمي طعم الرصاص من كثرة ما غمست القلم ... وكتبت وأنا أشعر بأنفاسها وعطرها ومعاني لحظها يتحولن في نفسي إلى كلمات:
Shafi da ba'a sani ba