قال موسى بن عقبة: فلما كان بعد ثلاث سنين تلاوم رجال من بنى عبد مناف، ومن بنى قصى ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من هاشم ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستحقوا بالحق واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من العذر والبراءة منه، وبعث الله ﷿ على صحيفتهم التى المكر فيها برسول الله ﷺ الأرضة «١» فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق فلم تترك اسما لله ﷿ إلا لحسته وبقى ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، وأطلع الله ﷿ رسوله ﷺ على الذى صنع بصيحيفتهم فذكر ذلك رسول الله ﷺ لأبى طالب، فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبنى، وانطلق يمشى بعصابة من بنى المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل «٢» من قريش، فلما رأوهم عامدين جماعتهم ليعطوهم رسول الله ﷺ فتكلم أبو طالب فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فأتوا بصحيفتكم التى تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها، لا يشكون أن الرسول مدفوع إليهم فوضوعوها بينهم وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطعه بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه حظرا لهلكة قومكم وعشيرتكم.
فقال أبو طالب: ما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، إن ابن أخى قد أخبرنى ولم يكذبنى أن الله ﷿ برىء من هذه الصحيفة التى في أيديكم، ومحا كل اسم له فيها، وترك فيها عدوكم وقطيعتكم إيانا، وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث الذى قال ابن أخى كما قال فأفيقوا، فو الله لا نسلّمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان ما قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم، قالوا: رضينا بالذى تقول، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق الصدوق قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذى قال أبو طالب قالوا: والله إن كان هذا قط إلا سحر من صاحبكم، فارتكسوا «٣» وعادوا أشّر مما كانوا عليه من كفرهم والشدة
1 / 41