لنقل بادئ ذي بدء ان الزهرة يحتوي فصولًا لا تربطها وحدة في المنهج، وان كل فصل لا يتجاوز رواية شعر متصل بموضوعه، وتعليقات على بعض ذلك الشعر، وان في بعض تلك التعليقات نظرات ذاتية نافذة؛ هذه المواقف كفيلة باظهار تأثر ابن حزم بكتاب الزهرة، فانعدام المنهج أو اضطرابه أوحى لابن حزم بتتبع منهج دقيق، ورواية الشعر دفعته إلى ان لا يستأنس بالموروث الشعري في موضوع الحب، وتلك النظرات النافذة هي ما استغله ابن حزم على نحو يتفق وطريقته ومنهجه، وتلك النماذج الشعرية هي التي قررت لديه " انسانية " تجربة الحب سواء أكانت تلك التجربة أندلسية أم غير ذلك.
ولابد لدارس كتاب الزهرة من أن يتجاوز تلك العنوانات الشعرية المسجوعة إلى الحقائق القائمة تحتها، ليستطيع المقارنة بينه وبين كتاب الطرق، وأن تجاوز أيضًا تبدد الموضوع الواحد في عدة فصول، لكي يرد ما تبدد إلى حيز واحد، يقتضيه المنهج الحزمي الدقيق. وسوف يكتشف أن الكتابين يعالجان موضوعات واحدة من مثل الرقيب، القنوع، الرسول، الواشي، الهجر، السلو الخ وأن كثيرًا من الحقائق في هذه الفصول، وضعه ابن داود، وتابعه فيه ابن حزم، مستعملًا كثيرًا من لباقته التأليفية، وعقليته المنطقية.
وخير ما يصور هذا الذي نقوله أن نعرض للمقارنات، بين الكتابين في بعض المواضع:
١ - يقول ابن داود (٥١): والهجر الذي يتولد عن الثقة بالوداد خير من الوصال الذي يقع من غير اعتماد؛ ويقول ابن حزم: ثم هجر يوجبه التدلل وهو ألذ من كثير من الوصال، ولذلك لا يكون إلا عن ثقة كل واحد من المتحابين بصاحبه.
٢ - ويقول ابن داود (١٣٦) " الهجر على أربعة أضرب: هجر ملال وهجر دلال وهجر مكافأة على الذنوب وهجر يوجبه البغض
1 / 46