Rasail
رسائل ابن حزم الأندلسي
Bincike
إحسان عباس
Mai Buga Littafi
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
وهو ديوان عجيب جدًا، وكان أحسن الناس خلقًا وخلقًا، وهو والد أبي الجعد الذي كان ساكنًا بالجانب الغربي من قرطبة.
وأنا اعلم جارية كانت لبعض الرؤساء فعزف عنها لشيء بلغه في جهتها لم يكن يوجب السخط، فباعها، فجزعت لذلك جزعًا شديدًا وما فارقها النحول والأسف، ولا بان عن عينها الدمع إلى ان سلت، وكان ذلك سبب موتها؛ ولم تعش بعد خروجها عنه إلا أشهرًا ليست بالكثيرة. ولقد أخبرتني عنها امرأة أثق بها أنها لقيتها وهي قد صارت كالخيال نحولًا ورقة فقالت لها: أحسب هذا الذي بك من محبتك لفلان، فتنفست الصعداء وقالت: والله لا نسيته أبدًا، وإن كان جفاني بلا سبب. وما عاشت بعد هذا القول إلا يسيرًا.
وأنا أخبرك عن أبي بكر أخي ﵀، وكان متزوجًا بعاتكة بنت قند (١)، صاحب الثغر الأعلى أيام المنصور أبي عامر محمد ابن عامر، وكانت التي لا مرمى وراءها في جمالها وكريم خلالها، ولا تأتي الدنيا بمثلها في فضائلها، وكانا في حد الصبا وتمكن سلطانه تغضب كل واحد منهما الكلمة التي لا قدر لها، فكانا لم يزالا في تغاضب وتعاتب مدة ثمانية أعوام، وكانت قد شفها حبه وأضناها الوجد فيه وأنحلها شدة كلفها به، حتى صارت كالخيال المتوهم (٢) دنفًا، لا يلهيها من الدنيا شيء، ولا تسر من أموالها - على عرضها وتكاثرها - بقليل ولا كثير إذ فاتها اتفاقه معها وسلامته لها، إلى ان توفي أخي ﵀ في الطاعون الواقع بقرطبة في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعمائة، وهو ابن اثنين وعشرين سنة، فما انفكت منذ
(١) انظر ليفي بروفنسال: (Histoire de l'Espagne Musulmane، Vol.ll، p.٦٤،n٣.) . وقند هذا (ويكتبه بروفنسال Kand وأحسبه خطأ) هو الذي استرد مدينة سالم في أيام الناصر (سنة ٣٣٦/ ٩٤٧) ويقول بروفنسال في تعليقه: " علينا ألا نخلط بين قند هذا وبين شخص آخر اسمه " قند الأكبر " وكان أيضًا مولى لعبد الرحمن الناصر ". (٢) بتروف: المتوسم؛ وتابعه على ذلك آخرون.
1 / 259