Wasiku na 'Yan'uwan Tsarki da Abokan Amana
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Nau'ikan
فصل
وإذ قد فرغنا من ذكر صورة الأرض ووصف البحار والبراري والجبال واختلاف ترب البلاد ومياهها، فنريد أن نذكر ها هنا طرفا من أسرار المعادن فنقول إنه ليس من جبل من الجبال ولا بحر ولا تربة ولا جزيرة ولا نهر ولا بقعة ولا بلد من بقاع الأرض ولا صغيرة ولا كبيرة لا ظاهرها ولا باطنها إلا ولها خاصية ليست لأخرى أو عدة خواص، فمن خاصية بلد بلد أو بقعة بقعة أنه تتكون هناك ضروب من الجواهر المعدنية أو عدة ضروب أو ينبت نوع من النبات أو يتولد جنس من الحيوان لا يتكون في بلد آخر، ولا ينبت في بقعة أخرى، ولا يتولد إلا هناك، مثال ذلك: أنه لا تتولد الفيلة إلا في جزائر البحار الجنوبية تحت مدار برج الحمل، وكذلك الزرافة لا تولد إلا في بلدان الحبشة، والسمور والسنجاب وغزال المسك لا يتولد إلا في البراري الشرقية الشمالية، وأما الصقور والبزاة والنسور وما شاكلها من أنواع الطيور، فإنها لا تفرخ إلا في رءوس الجبال الشاهقة، والقطا والنعام لا يفرخ إلا في البراري والفلوات، والبطوط والطيطوى وأمثالهما لا تفرخ إلا على الشطوط وسواحل البحار والبطايح والآجام، والعصافير والفواخت والقماري وأمثالها من الطيور لا تفرخ إلا بين الأشجار والدغال والقرى والبساتين، وعلى هذا المثال حكم النبات؛ فإن النخل والموز لا ينبتان إلا في البلاد الحارة والأراضي اللينة، والجوز واللوز والفستق والبندق وأمثالها لا تنبت إلا في البلاد الباردة، والحلبة والدلب وأم غيلان في البراري والقفار، والقصب والصفصاف على شطوط الأنهار، وعلى هذا حكم سائر النبات، وهكذا أيضا حكم الجواهر المعدنية لكل نوع منها بقعة مخصوصة وتربة معروفة لا تتكون إلا هناك كالذهب، فإنه لا تتكون إلا في البراري الرملية والجبال والأحجار الرخوة، والفضة والنحاس والحديد وأمثالها لا يتكون إلا في جوف الجبال والأحجار المختلطة بالتربة اللينة، والكبريت لا يتكون إلا في الأراضي الندية والترب اللينة والرطوبات الدهنية، والقلقطار والأكحال لا ينعقد إلا في الأرض السبخة والبقاع المشروجة، والجص والإسفيذاج لا يتكونان إلا في الأرض الرملية المختلطة ترابها بالحصى، والزاجات والشبوب لا تتكون إلا في الترب العفصة القشفة، وعلى هذا القياس حكم سائر أنواع الجواهر المعدنية.
فصل
واعلم أن الجواهر المعدنية كثيرة الأنواع لا يحصي عددها إلا الله تعالى، ولكن منها ما يعرفه الناس، ومنها ما لا يعرفونه، وقد ذكر بعض الحكماء ممن كانت له عناية بالنظر في هذا العلم والبحث عن هذه الأشياء، وأنه قد عرف وعد منها نحو تسعمائة نوع، كلها مختلفة الطباع والشكل واللون والطعم والرائحة والثقل والخفة والمضرة والنفع، ونريد أن نذكر منها طرفا ليكون دلالة على الباقية وقياسا عليها فنقول: إن من الجواهر المعدنية ما هو حجري صلب، لكن يذوب بالنار ويجمد إذا برد مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والأسرب والرصاص والزجاج وما شاكلها، ومنها ما هي صلبة حجرية لا تذوب إلا بالنار الشديدة، ولا تنكسر إلا بالماس كالياقوت والعقيق، ومنها ترابي رخو لا يذوب، ولكن ينفرك كالأملاح والزاجات والطلق، ومنها مائية رطبة تفر من النار كالزئبق، ومنها هوائي دهني تأكله النا كالكباريت والزرانيخ، ومنها نباتي كالمرجان الأبيض والأحمر، ومنها حيواني كالدر، ومنها طل منعقد كالعنبر والبازهرات، وذلك أن العنبر إنما هو طل يقع على سطح ماء البحر فينعقد في مواضع مخصوصة في زمان معلوم، وكذلك البازهرات أيضا، فإنه طل يقع على بعض الأحجار، ثم يرسخ في خللها وينعقد هناك في بقاع مخصوصة في زمان معلوم، كما أن الزنجبيل إنما هو طل يقع على نوع من الشوك بخراسان، وهكذا اللك إنما هو طل يقع على نبت مخصوص في زمان معلوم وينعقد عليه، وكذلك الدر، فإنه طل يرسخ في أصداف نوع من الحيوان البحري، ثم يغلظ ويجمد وينعقد فيه، وكذلك الموميأ طل يرشح في خلل صخور ثم يغلظ هناك ثم يصير ماء ثم يبرز من مسام ضيقة ويجمد وينعقد، والطل هو رطوبة هوائية تجمد من برد الليل، وتقع على النبات والحجر والشجر والصخور، وعلى هذا القياس حكم جميع الجواهر المعدنية؛ فإن مادتها إنما هي رطوبات ومياه وأندية وبخارات تنعقد بطول الوقوف وممر الزمان في البقاع المخصوصة لها، فقد تبين بما ذكرنا أن الجواهر المعدنية مركبة كلها مع اختلاف أنواعها وطبائعها وألوانها وطعومها وروائحها وثقلها وخفتها وصلابتها ورخاوتها ولينها وخشونتها وخواصها ومنافعها ومضارها، مركبة كلها ومؤلفة من أجزاء ترابية صلبة ثقيلة مظلمة مشفة، ومن أجزاء مائية رطبة سيالة صافية بين الثقل والخفة، ومن أجزاء هوائية خفيفة لينة دهنية صافية نيرة، ومن حرارة قوية أو ضعيفة منضجة أو مقصرة، ومن تأليف على نسبة فاضلة أو دون ذلك من النسب التأليفية، وهي اثنتا عشرة مرتبة مضروبة في أربع طبائع، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، جملتها ثمان وأربعون مرتبة، هذا هو الطول مضروبا في نفسه، يكون ألفين وثلاثمائة وأربعة، هذا هو العرض مضروبا في جذره 111072، هذا هو المكعب آحاد، ونحتاج أن نشرح هذا الباب؛ لأنه أصل في معرفة كيفية تكوين المعادن.
فصل
اعلم يا أخي أن تلك الرطوبات المختنقة في باطن الأرض والبخارات المحتبسة هناك إذا احتوت عليها حرارة المعدن تحللت ولطفت وخفت وتصاعدت علوا إلى سقوف تلك الأهوية والمغارات، ومكثت هناك زمانا.
وإذا برد باطن الأرض في الصيف جمدت وغلظت وتقاطرت راجعة إلى أسفل تلك الأهوية والمغارات، واختلطت بتربة تلك البقاع وطينها، ومكثت هناك زمانا، وحرارة المعدن دائما في نضجها وطبخها وهي تصفو بطول وقوفها وتزداد ثقلا وغلظا، وتصير تلك الرطوبات بما يخالطها من الأجزاء الترابية، وما يأخذ من ثقلها وغلظها وإنضاج الحرارة وطبخها إياه زئبقا رجراجا، وتصير تلك الأجزاء الهوائية الدهنية وما يتعلق بها من الأجزاء الترابية بطبخ الحرارة لها بطول الزمان كبريتا محترقا.
فإذا اختلطت أجزاء الكبريت والزئبق مرة ثانية تمازجت واختلطت واتحدت، والحرارة دائمة في نضجها وطبخها، فتنعقد عند ذلك ضروب الجواهر المعدنية المختلفة، وذلك أنه إذا كان الزئبق صافيا والكبريت نقيا، واختلطت أجزاؤهما، وكانت مقاديرهما على النسبة الأفضل، واتحدت وامتصت الكبريتية رطوبة الزئبق ونشفت نداوته، وكانت حرارة المعدن على الاعتدال في طبخها ونضجها، ولم يعرض لها عارض من البرد واليبس قبل إنضاجها انعقد من ذلك على طول الزمان الذهب الإبريز، وإن عرض لها البرد قبل النضج انعقدت وصارت فضة بيضاء، وإن عرض لها اليبس من فرط الحرارة وزيادة الأجزاء الأرضية انعقدت فصارت نحاسا أحمر يابسا، وإن عرض لها البرد قبل أن تتحد أجزاء الكبريت والزئبق قبل النضج انعقد منها رصاص قلعي، وإن عرض لها البرد قبل النضج وكانت الأجزاء الترابية أكثر صارت حديدا أسود، وإن كان الزئبق أكثر والكبريت أقل والحرارة ضعيفة انعقد منها الأسرب، وإن انفرطت الحرارة فأحرقته صار كحلا، وعلى هذا القياس تختلف الجواهر المعدنية بأسباب عارضة خارجة عن الاعتدال وعن النسبة الأفضل من زيادة الكبريت والزئبق ونقصانهما وإفراط الحرارة أو نقصانها أو برد المعدن قبل نضجها أو خروجها عن الاعتدال، فعلى هذا القياس حكم الجواهر المعدنية الترابية.
وأما الجواهر الحجرية مثل البلور والياقوت والزبرجد والعقيق وما شاكلها من التي لا تذوب بالنار، فإنها تنعقد من مياه الأمطار والأنداء التي ترشح في تلك المغارات والكهوف والأودية التي من الجبال الصلدة والأحجار الصلبة، ولا يخالطها شيء من الأجزاء الترابية والطين، بل بطول الزمان، كلما طال وقوفها هناك ازدادت المياه بقاء وثقلا وغلظا وحرارة المعدن دائما في نضجها وطبخها حتى تنعقد وتصير حجارة صلبة صافية، وتكون ألوانها وصفاؤها ورزانتها بحسب أنوار تلك الكواكب المتولية لذلك الجنس من الجواهر ومطارح شعاعاتها على تلك البقاع المختصة كما سنبين في رسالة النبات؛ وذلك أن لون الياقوت الأصفر والذهب الإبريز ولون الزعفران وما شاكلها من النبات منسوبة إلى نور الشمس وبريق شعاعاتها، وكذلك بياض الفضة والملح والبلور والقطن والثلوج وما شاكلها من ألوان النبات منسوب إلى نور القمر وبريق شعاعه، وعلى هذا القياس سائر الألوان كل نوع منسوبة إلى كوكب من الكواكب السيارة والثابتة، مذكور ذلك في كتب أحكام النجوم، كما قيل إن السواد لزحل، والحمرة للمريخ، والخضرة للمشتري، والزرقة للزهرة، والصفرة للشمس، والبياض للقمر، والمتلون الألوان لعطارد.
وأما حكم الجواهر الترابية في كيفية تكوينها، فهي أن تلك المياه إذا اختلطت بتربة البقاع وعملت فيها حرارة المعدن تحل أكثر تلك الرطوبات وتصير بخارا يرتفع في الهواء كما ذكرنا قبل، وما بقي منه يكون محبوسا ملازما للأجزاء الأرضية متحدا بها عملت فيها الحرارة ونضجتها وطبختها، حتى تغلظ وتنعقد فإن تكن تربة تلك البقاع مشورجة سبخة تكونت منها ضروب الأملاح والبوارق والشبوب، وإن تكن تربة البقاع عفصة انعقدت منها ضروب الزاجات الخضر والصفر والقلقطار، وهو جنس من الزاج وما شاكلها، وإن تكن تربة البقاع حصاة وترابا ورمالا مختلطة انعقد منها الجص والإسفيذاج وما شاكلها، وإن تكن تربة البقاع تربة لينة وطينا حرا انعقدت منها الكمأة، ونبتت منها ضروب العشب والحشائش والكلأ والأشجار والزروع.
Shafi da ba'a sani ba