Wasiku na 'Yan'uwan Tsarki da Abokan Amana
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Nau'ikan
فإن كان المراد بالقديم أنه قد أتى عليه زمان طويل فالقول صحيح، وإن كان المراد به أنه لم يزل ثابت العين على ما هو عليه الآن فلا؛ لأن العالم ليس بثابت العين على حالة واحدة طرفة عين، فضلا عن أن يكون لم يزل على ما هو عليه الآن، وذلك أن قول الحكماء في تسميتهم العالم إنما يعنون به عالم الأجسام، وهو نوعان فلكي وطبيعي، فأما الأجسام الطبيعية التي دون فلك القمر، فهي نوعان الأركان الكليات والمولدات الجزئيات، فالمولدات دائما في الكون والفساد، وأما الأركان الكليات فهي دائما في التغير والاستحالة لا يخفى هذا على الناظرين في الأمور الطبيعية، وأما الأجسام الفلكية فهي دائما في الحركة والنقلة والتبدل في المحاذيات، فأين ثباتها على حالة واحدة.
وأما أن يكون يراد بالثبات الصورة والشكل الكري الذي هو عليه في دائم الأوقات، فليعلم بأن الشكل الكري والحركة الدورية ليسا للجسم من حيث هو جسم، ولا مقومين لذاته، بل هما صورتان متممتان بقصد قاصد كما بينا في رسالة الهيولى والصورة، وكل صورة من المصور بقصد قاصد لا تكون ثابتة العين أبدية الوجود، وإنما يكون الشيء ثابت العين أبدي الوجود بالصورة المقومة.
واعلم يا أخي بأن الحافظ للعالم على هذه الصورة، هو سرعة حركة الفلك المحيط، والمحرك للفلك هو غير الفلك، وأن تسكين الفلك عن الحركة بطلان العالم، وإنما يكون طرفة عين كما قال - عز وجل: @QUR09 وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب.
واعلم بأنه إن وقف الفلك عن الدوران وقفت الكواكب عن مسيرها والبروج عن طلوعها وغروبها، وعند ذلك تبطل صورة العالم وقوامه وتقوم القيامة الكبرى، وهذا لا محالة كائن؛ لأن كل شيء في الإمكان إذا فرض له زمان بلا نهاية، فلا بد أن يخرج إلى الفعل، ووقوف الفلك عن الدوران من الممكن؛ لأن الذي يحركه يمكنه أن يسكنه، وهو أهون عليه وله المثل الأعلى، وقد بينا في رسالة المبادئ ما العلة في حدوث عالم الأجسام، وفي رسالة البعث والقيامة ما علة فناء عالم الأجسام.
(18) فصل في أن الإنسان إذا ارتقى نفسا صار ملكا
واعلم يا أخي أن الإنسان إذا سلك في مذهب نفسه، وتصرف في أحوالها مثل ما سلك به في خلق جسده وصورة بدنه؛ فإنه سيبلغ أقصى نهاية الإنسانية مما يلي رتبة الملائكة، ويقرب من باريه - عز وجل - ويجازى بأحسن الجزاء، مما يقصر الوصف عنه، كما وصف الله - عز وجل - فقال: @QUR013 فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون، وأما ما سلك به في خلقه فهو أنه ابتدئ من نطفة من ماء مهين، ثم كان علقة جامدة في قرار مكين، ثم كان مضغة ثم كان جنينا مصورا تاما، ثم كان طفلا متحركا حساسا، ثم كان صبيا ذكيا فهما، ثم كان شابا متصرفا قويا نشيطا، ثم كان كهلا مجربا عالما عارفا، ثم كان شيخا حكيما فيلسوفا ربانيا، ثم بعد الموت تكون نفسه ملكا سماويا روحانيا أبدي الوجود ملتذا مسرورا فرحا باقيا سرمدا أبدا.
واعلم يا أخي بأنك لم تنقل رتبة من هذه المراتب إلا وقد خلع عنك أعراض وأوصاف ناقصة، وألبست ما هو أجود منها وأشرف، فهكذا ينبغي أن لا ترتقي في درجة العلوم والمعارف إلا وتخلع عن نفسك أخلاقا وعادات وآراء ومذاهب وأعمالا مما كنت معتادا لها منذ الصبا من غير بصيرة ولا روية، حتى يمكنك أن تفارق الصورة الإنسانية وتلبس الصورة الملكية، ويمكنك الصعود إلى ملكوت السماوات وسعة عالم الأفلاك، وتجازى هناك بأحسن الجزاء وأوفر الثواب، وتعيش بألذ عيش مع أبناء جنسك الذين سبقوك إليها من الحكماء والأخيار المؤمنين الأبرار، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
واعلم يا أخي بأن الإنسان مطبوع على استعمال القياس منذ الصبا، كما هو مجبول على استعمال الحواس بلا فكر ولا روية، كما بينا قبل، ولكن قوانين القياسات مختلفة، كما قد تبين في كتب المنطق وشرائط الجدل بشرح طويل، ولكن نذكر منها طرفا ليكون مثالا على سائرها، فمن ذلك أن الصبيان يجعلون قوانين القياسات مختلفة، كما يجعلون قياساتهم أحوال أنفسهم وآبائهم وإخوانهم وتصرفهم في الأمور وما يجدون في منازلهم من الأشياء أصولا على سائر أحوال الصبيان وتصرف آبائهم، وما يكون في منازلهم وإن لم يروهم ولم يشاهدوا أحوالهم قياسا على ما عرفوا من أحوال أنفسهم.
وأما العقلاء البالغون من الناس فإنهم يجعلون قوانين قياساتهم ما عرفوه من الأمور في متصرفاتهم وما قد جربوه من الأحوال أصولا يقيسون بها سائر الأشياء مما لم يشاهدوه ولا جربوه، بل قياسا إلى ما عرفوه حسب، وأما العلماء الذين يتعاطون الجدل ودقيق النظر؛ فإنهم يجعلون قوانين قياساتهم ما قد اتفقوا عليه هم وخصماؤهم أصولا ومقدمات يقيسون عليها ما هم فيه مختلفون، سواء كان ما اتفقوا عليه حقا أو باطلا، صوابا أو خطأ، وأما المرتاضون بالبراهين الهندسية أو المنطقية فإنهم يجعلون قوانين قياساتهم الأشياء التي هي في أوائل العقول أصولا ومقدمات، ويستخرجون من نتائجها معلومات أخرى ليست بمحسوسات ولا معلومات بأوائل العقول، بل مكتسبة بالبراهين الضرورية ثم يجعلون تلك المعلومات المكتسبة مقدمات وقياسات، ويستخرجون من نتائجها معلومات أخرى هي ألطف وأدق مما قبلها، وهكذا يفعلون دائما طول أعمارهم، ولو عاش الإنسان عمر الدنيا لكان له في ذلك متسع.
(19) فصل في أن الحيوانات تتفاوت في الحواس ومعلوماتها
Shafi da ba'a sani ba