Wasiku na 'Yan'uwan Tsarki da Abokan Amana
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Nau'ikan
قال موسى: يا رب قد شوقتني إليها ، فأرني يا رب لأنظر إليها، قال: يا موسى، لا يهنئك العيش في الدنيا بعد النظر إليها؛ لأنك من أبناء الدنيا إلى وقت معلوم، فإذا فارق الروح الجسد رأيتها، ووصلت إليها ودخلتها، وتكون فيها ما دامت السماوات والأرض، فلا تعجل يا موسى، واعمل كما أمرت، وبشر بني إسرائيل بالذي بشرتك به، وادعهم إليها، ورغبهم فيها، وزهدهم في الدنيا.
فصل
واعلم يا أخي بأن الرغبة في الدنيا مع طلب الآخرة لا يجتمعان، فمن زهد في الآخرة رغب في الدنيا ومن رغب في الآخرة زهد في الدنيا، وقال المسيح - عليه السلام - في بعض مواعظه لبني إسرائيل: اعلموا أن مثل دنياكم مع الآخرة كمثل مشرقكم ومغربكم، كلما أقبلتم إلى الغرب ازددتم من المشرق بعدا، وكلما أقبلتم إلى المشرق ازددتم من المغرب بعدا.
وقيل في بعض كتب بني إسرائيل: رغبناكم في الآخرة فلم ترغبوا، وزهدناكم في الدنيا فلم تزهدوا، وخوفناكم من النار فلم تخافوا، وشوقناكم إلى الجنة فلم تشتاقوا، ووبخناكم فلم تبكوا، بشر القائلين بأن لله سيفا لا ينام، وهو نار جهنم.
ويقول الله تعالى: يا ابن آدم خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد، أتحبب إليك بالغنى، وأنت تتبغض إلي بالمعاصي، لا يزال يأتيني كل يوم ملك كريم بقبيح أفعالك، يا ابن آدم، أما تراقبني؟ أما تعلم أنك بعيني؟ يا ابن آدم، اذكرني عند خلواتك وعند حضور الشهوات الحرام، واسألني أن أنزعها من قلبك وأعصمك عن معصيتي وأبغضها إليك وأيسر لك طاعتي وأحببها إليك وأزينها في عينيك، يا ابن آدم، إنما أمرتك ونهيتك؛ لتستعين بي وتعتصم بحبلي؛ لئلا تستغني وتتولى عني، فأعرض عنك، وأنا الغني عنك وأنت الفقير إلي، إنما خلقتك في الدنيا وسخرتها لك لتستعد للقائي وتتزود منها للقدوم علي؛ لئلا تعرض عني وتخلد إلى الأرض، واعلم يا ابن آدم بأن الدار الآخرة خير لك من الدنيا، فلا تختر غير ما اخترت لك ولا تكره لقائي، فإنه من كره لقائي كرهت لقاءه، ومن أحب لقائي أحببت لقاءه.
(20) فصل في عظات مختلفة
تأمل يا أخي ، أيدك الله وإيانا بروح منه، ما ترى من الأمور الدنيوية واعتبر بما تشاهد فيها من تصاريفها بأهلها حالا بعد حال، وتفكر فيما ذكرنا في هذه الرسالة من هذه الحكايات عن أنبياء الله وأوليائه وعباده الصالحين، وما وصفنا من أخلاقهم الحسنة وسيرتهم العادلة وأفعالهم الجميلة، فاجتهد أن تقتدي بهم وتسلك طريقهم، واستعن بالله واسأله التوفيق، وانظر إن استوى لك أن تكون في أعلى المراتب، فلا ترض لنفسك بأدونها، واحذر مخالفتهم وترك الاقتداء بهم، فإنهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى والدعاة والهداة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهم حجج الله على خلقه وصفوته من عباده، فالمفلح من اتبعهم، والخاسر من خالف طريقهم، هم صفوة الله وخيرته من خلقه.
واعلم يا أخي بأنه ليس بين الله - عز وجل - وبين أحد من خلقه من قرابة، وأن أكرم عباده عنده أتقاهم، وأحبهم إليه أطوعهم له، وأكثرهم له ذكرا، وأكيسهم في الأمور وأشدهم اجتهادا وأشدهم استعدادا للرحلة من الدنيا إلى الآخرة وأكثرهم زادا للمعاد.
واعلم أن أخفهم مؤنة في الدنيا وأروحهم قلبا من زهد فيها، فبادر يا أخي وتزود من الدنيا لطريق الآخرة، فإن خير الزاد التقوى، فسارع إلى الخيرات، ونافس في الدرجات قبل فناء العمر ونفاد الأجل وقرب الفوت.
واعلم يا أخي بأن خير مناقب الإنسان العقل، وأفضل خصاله العلم، ولكل شيء خاصية، وخاصية العقل صحة التمييز ومعرفة الحقائق والسيرة العادلة وحسن الاختيار، فانظر الآن إن كنت عاقلا، واختر من الأمور أفضلها ومن الأخلاق أجملها ومن الأعمال خيرها ومن المراتب أشرفها ومن المنافع أعمها وأدومها.
Shafi da ba'a sani ba