143

الزفاف الكاذب

وكان عبد الله قد لحظ من إبطاء أبي خولة في غرفتها أنه يستدعيها فأصبح مشتاقا إلى رؤيتها وهو لا يطمع أن يرى وجهها دفعة واحدة لما كان يتوقعه من حيائها ولكنه قنع بأن يرى قامتها ومجمل حالها. فلما أشرفت على الغرفة وتبين جمالها واعتدال قوامها انفتح قلبه لها وحمد الله لتوفقه إلى مثلها بعد نجاته من الموت. فدخلت وحيت بما يجدر بمثلها في مثل هذا المقام وجلست على وسادة بجانب والدها. وكان عبد الله يسارق اللحظ إليها فلا يزداد إلا إعجابا. ولم تمض تلك الليلة حتى علق بها ووقعت من نفسه موقعا ساميا لما آنسه من جمالها مع ما بدا له من ذكائها وتعقلها في أثناء الحديث مما يندر مثاله في أمثالها من ربات الخدور فخرج بعد العشاء وقلبه منشغل بخولة وقد ندم لتأجيل الاقتران.

قضى عبد الله في مثل ذلك بقية الأسبوع وهو يتردد على بيت خولة ويزداد تعلقا بها. ولم يصدق أن آن يوم الزفاف. فدعاه عمرو إليه وقال «أريد أن أعقد لك عليها في داري وتقيمان عندنا حتى يتراءى لكما مفارقتنا» فعل عمرو ذلك التماسا لما عزم عليه من استجلاب عبد الله إلى جانبه. فسر عبد الله بذلك وأثنى على الأمير ولما كان الوقت المعين زفت خولة إلى عبد الله وكتب كتابها عليه على جاري العادة يومئذ وعبد الله أكثر الناس سرورا بهذا النصيب ولولا ما يجول في خاطره من أمر سعيد وغيابه مع قلقه على حال الإمام علي لعد نفسه من أسعد خلق الله لأنه آنس في خولة ما طالما تاقت إليه نفسه في النساء من التعقل والرزانة مع الجمال والذكاء.

ولما فرغوا من العرس وانفض الاجتماع أدخلوا العروسين إلى غرفة خاصة بهما.

الفصل الثامن والثمانون

كشف النقاب

فلما خلا عبد الله بخولة تقدم لنزع الغطاء عن وجهها فأمسك النقاب ورفعه فإذا بها قد أعادته إلى ما كان عليه. فظنها تداعبه على سبيل المزاح فضحك وقال لها «يظهر أنك لا تحبين عبد الله».

قالت وهي مطرقة «يعلم الله أني لا أكرهه».

فمد يده إلى النقاب ثانية وحاول رفعه فمنعته. فاشتبه في أمرها فأمسك يدها وقال لها بلهجة الجد ونغمة المحب العاتب «ما بال خولة تمنعنا مما أحله لنا الشرع ودعانا إليه القلب».

وكانت خولة واقفة بجانب الفراش فابتعدت عنه وأسندت ظهرها إلى الحائط وهي تبالغ في إرسال النقاب وظلت مطرقة ولم تبد جوابا.

Shafi da ba'a sani ba