ولو أنه يحس موسيقى روح لغتها تحلق الآن، تملأ الكهف غناء صامتا ...
ولو أنه يتلمسه الآن بنبض قلبه.
لماذا لم يصبح شخصا متصوفا بصورة جادة قاطعة كوالده؟
النار كانت شهية دافئة، هدأ، شاء أن يرتب أفكاره بصورة منتظمة، عندما يقضي مدة سجنه سيذهب مباشرة إلى بحيرة التماسيح، كم من الوقت سيقضيه هناك؟
يريد أن يعود للمدينة الآن.
وطواط يزعجه ضوء النار يخرج مندفعا نحو الخارج. لم يستطع سلطان تيه أن يتبين أن رائحة جسده أصبحت سيئة ولا تطاق، ربما لأن رائحته توحدت برائحة الكهف، برائحة الذئب، لحمه المجفف، رائحة الخوف ...
قالت له نفسه: هنا وضع أهل الكهف رءوسهم المتعبة قبل أن يخطوا نحو نومتهم الطويلة، لا بد أن كلبهم كان آخر النائمين، لا بد أنه نبح كثيرا قبل أن ينام، لا بد أنه أكل عدة أرانب كبيرة في طريقه إلى النوم، لا بد أنه تذكر كلبة حاول أن يلتصق بها، كلبة سيلتصق بها غدا، كلبة أخرى وكلبة، لا بد أنه قبل أن يرقد واضعا رأسه بين قائمتيه الأماميتين محنيا إياه جهة اليسار قليلا وفوق عينيه تحوم ذبابتان ...
ماذا لو كانت رنا الآن معه؟
نعم، رنا الصبية بنت الجيران التي كان يحبها في سرية. قضم قطعة حلوى خطفها طفل مستغفلا والدته، يقضمها في توحش مصموت، بين الراكوبة وباب الشارع، في سرية ابتلع لعابه الحلو، في سرية مسح شفتيه وجانبي فمه وهو عائد إلى موقع مخطوفته، في سرية انطباع لون الحلوى الأحمر القاني على لسانه كشاهد خبيث على الاختطاف. ما كان الأمر يحتاج لكل هذه السرية لأنه لا يوجد من يغضبه حب سلطان تيه لرنا، ورنا ذاتها كانت ستسعد كثيرا إذا عرفت أنه يحبها، وما كانت ستبخل عليه بما شاء من تواصل، والأبعد من ذلك، هذا شيء لن يعلمه، سوف لا يخطر بباله إلى الآن أنها لا تمانع أن تعطيه نفسها.
هكذا بكل بساطة.
Shafi da ba'a sani ba