Rahman da Shaytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Nau'ikan
وهنا يحق لنا أن نتساءل عن ماهية الفرق بين ديانة وثنية تؤمن بإله واحد أعلى خالق للكون وخالق أو أب للآلهة الأخرى الثانوية، وبين معتقد توحيدي يؤمن بإله واحد خالق للكون وخالق للملائكة من أبنائه. نقرأ في نص مصري قديم يسبح بحمد الإله الأعلى ما يأتي: «أبو البدايات. أزلي أبدي دائم قائم. خفي لا يعرف له شكل وليس له من شبيه. لا تدركه العقول، خفي عن الناس وعن الآلهة. يلد ولم يولد. ينجب ولم ينجبه أحد، خالق ولم يخلقه أحد. خالق الكون، صانع ما كان والذي يكون وما سيكون. أبو الآلهة، رحيم بعباده ... إلخ.» ونقرأ في نص أكادي رافديني: «أنت المولود الذي أنجب نفسه بنفسه، أنت الرحم الذي أنجب كل شيء. الأب الذي أنجب البشر وأنجب الآلهة ... وليس لك بين الآلهة من شبيه ... إلخ.»
3
إن الخط الفاصل بين الوثنية والتوحيد مسألة فيها نظر. والديانات الوثنية تنتظر قراءة عصرية لها باعتبارها «عهدا قديما»، إن جاز التعبير، للديانات التوحيدية. (1-3) عصور الظلام أو مرحلة التمازج
لقد عرف الله الذي يطال علمه البدايات والنهايات، أن الحرية التي أعطاها للوسيفر ولآدم سوف يساء استخدامها، وأن العالم سيقع فريسة للموت والفساد نتيجة عصيان الكائنات العاقلة، ولكنه كان يضمر خطة لتخليص الإنسان في الوقت المناسب، دون الإخلال بمبدأ الحرية الذي ارتضاه للوعي المستقل عنه. سوف يهبط الأقنوم الثاني في الثالوث ليغدو إنسانا لأمد معلوم، فيدخل في زمن الناس وفي دورة الحياة والموت، ليخلص خلقه من اللعنة القديمة، وهكذا كان. ولد الكلمة من رحم العذراء، وتجلى في هيئة يسوع الناصري فعاش على الأرض وشارك الناس الألم والمعاناة، ثم مات على الصليب من أجل خلاصهم، وبذلك افتدت الذبيحة الإلهية، وهي القربان الكامل، الإنسان فخلصته من الموت الذي جلبته خطيئة آدم، وفتحت أمامه بوابة الأبدية. فالمسيح هو معنى التاريخ وليس نتاجا له، ولهذا السبب فقد جاء تجسده في منتصف الزمن لا في بدايته ولا في نهايته، ليكون بمثابة محور التاريخ الذي يضفي على البداية والنهاية معناهما.
انطلاقا من هذه الرؤية إلى التاريخ، لم يكن اللاهوت المسيحي ينظر إلى الأحداث السابقة على الميلاد إلا باعتبارها فترة مظلمة، لم يعرف الناس خلالها الله إلا من خلال ظلال قائمة لا تعكس مجده الحقيقي، بما في ذلك كامل الفترة التي تغطيها أحداث العهد القديم (= التوراة). فالتاريخ يبدأ بآدم، ثم يبدأ بداية جديدة بيسوع المسيح الذي هو آدم الثاني. وما الزمن الفاصل بين هاتين البدايتين إلا شكلا من أشكال الجاهلية الإنسانية، كان العالم خلاله ينتظر قدوم المخلص. وهكذا فقد عكس ميلاد يسوع مبدأ السبب والنتيجة في الصيرورة التاريخية، فبدلا من أن يقرأ الحاضر على ضوء الماضي باعتباره نتيجة منطقية له، صار الحاضر الذي هو تجسد المسيح، ونتائجه، مفسرا للأحداث الماضية كلها التي صارت تفهم على ضوء هذا الحدث. وصار التاريخ يقرأ ويفسر من ميلاد المسيح صعودا نحو البدايات، ومنه هبوطا نحو نهاية الزمن. أما أحداث أسفار العهد القديم فقد تحولت من تاريخ يقص أحداثا متتابعة ذات معنى وقيمة في حد ذاتها، إلى سلسلة من الرموز والإشارات التي تبشر بالمسيح وكنيسته، وتم تبني القصص التوراتية في حدود صلاحياتها كأنماط ونماذج أولى لدورة حياة المسيح المقبلة.
من هذا المنظور، تغدو قصة التكوين والخطيئة، وسلسلة أنساب آدم، وتاريخ شعب يهوه المختار من إبراهيم والآباء الأولين إلى الخروج من مصر ودخول كنعان إلى سقوط أورشليم والسبي فالعودة وبناء الهيكل، تغدو كلها بمثابة دراما شبحية تستبق ظهور المسيح وتعلم عنه. إن قصة قايين وهابيل غير المسوغة منطقيا، تغدو في التفسير المسيحي استباقا لما جرى بين اليهود وجماعة المسيح. قايين الذي قتل أخاه هو الشعب اليهودي وهابيل هو المسيح وكنيسته. لقد رفض الرب قربان قايين الذي هو تقدمات اليهود وقرابينهم عبر تاريخهم، وقبل قربان هابيل الذي هو نموذج مسبق عن موت المسيح على الصليب. وصعود أخنوخ إلى السماء في الإصحاح الخامس من سفر التكوين هو استباق لصعود المسيح بعد قيامته. وملكي صادق كاهن الله العلي هو استباق ليسوع كاهن السماوات الأعلى. وقبول إبراهيم التضحية بابنه إسحاق هو استباق لتضحية الرب بابنه الوحيد. والأسباط الاثنا عشر من أبناء يعقوب الذين انحدرت منهم كنيسة المسيح هم استباق للحواريين الاثني عشر الذين انحدرت منهم الكنيسة. ونزول يعقوب وأبناؤه إلى مصر هو استباق لفرار العائلة المقدسة من بطش الملك هيرود. وخروج موسى بشعبه من مصر وتحريرهم من العبودية هو استباق لتحرير المسيح للإنسانية من ربقة الشيطان وسلطان الموت. والفترة التي قضاها بنو إسرائيل في الصحراء هي استباق لفترة كفاح المسيحية، بين واقعة التجسد والقدوم الثاني للمسيح الذي يعلن نهاية الزمن ودخول المؤمنين إلى الجنة الموعودة.
ووفق هذه الطريقة في النظر إلى أحداث العهد القديم باعتبارها نماذج سابقة وشبحية للأحداث الحقيقية التي ستلي، فإن اللاهوت المسيحي نظر إلى أهم عناصر لاهوت العهد القديم، وهي مؤسسة القربان ومؤسسة الشريعة، باعتبارهما وعدا بالخلاص ولكنها لا تقدم في حد ذاتها خلاصا. فالقربان اليهودي وقوامه نحر الماشية على مذبح الهيكل لا يكفي لعقد الصلة المقطوعة مع الخالق، لأن الإرادة الإنسانية التي حرفتها الخطيئة، ليس بمقدورها تحقيق استسلام خالص وفعلي للإرادة الإلهية، ولا بد من انتظار القربان الوحيد الحقيقي القادر على إرجاع العالم إلى رحمة الله، عندما يتجسد الكلمة في إنسان ويقوم ذلك الإنسان -الإله بأعظم فعل طاعة ومحبة يمكن تصورها، فيقدم نفسه طواعية إلى الموت ويتمم على هذا النحو عمل الفداء، وذلك بعبوره هو أولا من عالم المادة والموت إلى عالم الروح والخلود. إن الله لم يسمح بخطيئة آدم ونتائجها إلا لأن يسوع المسيح كان قمينا بالانتصار عليها.
أما عن مؤسسة الشريعة، فإن المسيحية ترى أن ما فرضه يهوه على موسى من شرائع هو أثقل من طاقة الإرادة الإنسانية على الالتزام بها، وأنها قد فرضت لكي تدين الخطأة، وذلك بوضع معيار للسلوك لا يمكن تحقيقه، وبذلك تعمل الشريعة على إكثار الخطيئة لا على قمعها. يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية: «وأما الناموس فقد دخل لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا، حتى كما ملكت الخطية في الموت، هكذا تملك النعمة بالبر، بالحياة الأبدية بيسوع المسيح» (رومية، 5: 20-21). من هنا فقد أبطل تجسد المسيح الشريعة واستبدل سر النعمة بها، التي هي مدد من عند الله يجعل الإرادة المؤمنة بالمسيح قادرة على إتيان ما هو فوق طاقتها البشرية. الإنسان لا يتبرر إلا عن طريق الإيمان بالمسيح لا بقوة الأعمال بحسب الشريعة، كما يقول بولس: «وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح» (رومية، 3: 21). لهذا فقد أعتق الذين هم في المسيح من الشريعة: «لأن ناموس روح الحياة في يسوع المسيح قد أعتقني من ناموس الخطيئة والموت» (رومية، 8: 2). إن اليهود الذين يحوزون الشريعة ويطلبون بواسطتها البرارة هم خطأة كالوثنيين سواء بسواء (رومية، 2: 17-24). وحتى إذا نظرنا إليها من وجهتها الأخلاقية، فإن الشريعة تعطي معرفة الخير، ولكن ليس القدرة اللازمة على صنعه (رومية، 9: 30-31). إنها بدلا من أن تخلص البشر من الشر تكاد تغمسهم فيه، وتعدهم للعنة لا يستطيع إنقاذهم منها سوى المسيح بحملها على عاتقه (رسالة بولس إلى أهالي غلاطية، 3: 10-14). وإن المسيح الذي حرر الإنسان من الخطيئة (رومية، 6: 1-19) يحرره أيضا من وصايا الشريعة (رومية، 7: 1-6). وبذلك يكون قد أنهى النظام المؤقت، لأن المسيح نهاية الشريعة (رومية، 10: 4). وهو الذي يجعل المؤمنين يبلغون البر بالإيمان (رومية، 10: 5-13).
ويلخص المقطع البليغ الآتي لبولس، كل موقف المسيحية من مسألة الشريعة والإيمان: «لأني مت بالناموس لأحيا لله. مع المسيح صلبت فأحيا، لا أنا بل المسيح يحيا في. فما أحياه الآن في الجسد إنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي. لست أبطل نعمة الله، لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذا مات بلا سبب» غلاطية 2: 20-21.
إن الفترة الفاصلة بين السقوط وميلاد يسوع، هي إذن فترة انتظار وترقب للمخلص الذي سيحرر العالم والإنسان من الظلام ومن اللعنة. وهي بشكل ما فترة سيادة الشيطان على العالم. فهو رئيس هذا العالم بحسب إنجيل يوحنا، 12: 31، وهو إله هذا الدهر بحسب بولس، ومع زبانيته هم رؤساء وسلاطين وولاة هذا العالم وعلى ظلمة هذا الدهر. وينجم عن هذا الوضع أن كل مولود إنساني من أبناء هذه الفترة الوسيطة السابقة على ظهور المسيح، واقع تحت سلطان أمير الظلام وراح تحت لعنة الخطيئة الأصلية التي جلبها آدم على ذريته. ولكن ظهور المسيح قد قسم البشر إلى أبناء هذا العالم، أو هذا الدهر، وأبناء النور (لوقا، 16: 8). لأن الله بيسوع قد: «دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب» (رسالة بطرس الأولى، 2: 9). «ولأنه نجانا من سلطان الظلمات ونقلنا إلى ملكوت ابنه لكي نشاطر القديسين ميراثهم في النور» (رسالة بولس إلى كولوسي، 1: 12-13).
Shafi da ba'a sani ba