Matafiya Musulmi a Karni na Tsakiya
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
Nau'ikan
واستفسروا منه عن أمور كثيرة في بلاده ولا سيما استخراج الذهب والنحاس. كما سأله أحدهم عن سبب انتقال الملك إليه، فأجاب بأن ابن عمه السلطان السابق محمد بن قو كان يظن أن «البحر المحيط له غاية تدرك»، فجهز مئات من السفن وشحنها بالرجال والمؤن التي تكفيهم سنين، وأمرهم أن يسيروا في المحيط وألا يرجعوا حتى يبلغوا نهايته أو تنفذ أزوادهم. فغابت السفن مدة طويلة ثم عادت منها سفينة واحدة. ومثل قائدها بين يدي السلطان، فسأله عن أمر زملائه؛ فقال: «إن السفن سارت زمانا طويلا وحتى عرض لها في وسط اللجة واد له جرية عظيمة.» فابتلع المراكب فلم ينج إلا هذا القائد بسفينته. وقد كانت آخر السفن، ولكن السلطان لم يصدق هذا الحديث، أو لعله أراد أن يتبين نصيبه من الصحة، فأعد ألفي سفينة للرجال وألفا للأزواد، واستخلف ابن عمه منسا موسى في حكم البلاد، وأقلع بنفسه على رأس حملته الاستكشافية العظيمة. فكان ذلك آخر العهد به وبمن معه.
البيروني
من العلماء المسلمين الذين كان للرحلات أكبر الفضل في علمهم أبو الريحان البيروني المتوفى سنة 440ه/1048م. وقد امتاز بالاطلاع الواسع، وروح النقد العلمي الدقيق، والعمق في التفكير؛ فحار قصب السبق في الفلسفة والفلك والعلوم الرياضية والتاريخ وعلوم اللغة وتقويم البلدان. وامتدت شهرته في العصور الوسطى إلى أوروبا.
ولد البيروني ونشأ في إقليم خوارزم. ثم أتيح له بعد ذلك أن يصحب السلطان محمود الغزنوي في فتوحاته بالهند. وقام برحلات طويلة في تلك البلاد، وتعلم لغاتها، وضبط مواقع مدنها، وأصلح بعض البيانات الجغرافية الخاطئة، التي كانت مدونة عنها، وأفاد مما جمعه خلال أسفاره في تأليف كتابه «تاريخ الهند»، ولا سيما أنه كان يقبل على البحث والتنقيب، وكان إسلامه لا يمنعه من الإخلاص في الحكم على غير المسلمين. والحق أن كل ما كتبه عن الهند يشهد بسعة اطلاعه وكثرة تجاربه ودقة ملاحظاته ، وبأنه جال طويلا في تلك البلاد، فعرف آفاقها وخبر أهلها ودرس عاداتهم ومظاهر حضارتهم.
ناصر خسرو
ولد ناصر سنة (394ه/1003م) في بلدة من أعمال بلغ وتأدب أحسن تأدب. وقام في شبابه بأسفار عديدة في أنحاء إيران وتركستان والهند وبلاد العرب، ثم استقر في منصب كبير في ديوان السلاجقة بمدينة مرو. وظل يعيش ترف وبطالة حتى سنة (437ه/1045م)؛ فنراه يضحي بمنصبه ويبدأ حياة جد وسفر وعلم وتقوى. وهو يذكر في كتاباته أن السبب في هذا التحول رؤيا ظهر له فيها شيخ طلب إليه أن يكف عن شرب الخمر وعن حياة اللهو والمجون. فسافر لتأدية فريضة الحج وقام برحلات طويلة في الشرق الأدنى بين عامي (437-444ه/1045-1052م).
ولما عاد إلى وطنه كان قد ترك مذهبه السني، وأصبح من أشد دعاة الإسماعيلية والمتعصبين للفاطميين. ولا عجب فإنه غادر إيران في وقت انتشرت فيه الاضطرابات، واشتد النزاع بين أمراء الأقاليم المختلفة، ورأى نفس البؤس في البلاد التي زارها ما خلا مصر، فقد وجد فيها رخاء عظيما وأسواقا عامرة وتحفا فنية نادرة وهدوءا شاملا. وظن ناصر خسرو أن الفضل في رخاء وادي النيل، إنما يرجع إلى الدولة الفاطمية ومذهبها الإسماعيلي، وأن هذا المذهب كفيل بإنقاذ العالم الإسلامي؛ فلم يلبث ناصر أن اتصل ببعض رؤساء الشيعة الإسماعيلية في مصر. والظاهر أن الخليفة المستنصر بالله أحسن استقباله وكلفه بأن يدعو لمذهب الإسماعيلية في خراسان. ولكن السلاجقة لاحظوا خطر هذه الدعوة فاضطهدوا ناصر خسرو، واضطروه إلى الفرار إلى بلاد ما وراء النهر، حيث توفي سنة (453ه/1061م).
وخلف هذا الرحالة وصفا دقيقا لرحلته يحمل على القول بأنه كان يدون مشاهداته أولا فأولا وأنه كان يعنى بالاتصال بالشعوب التي يمر بها، ويتفهم مظاهر الحضارة التي يشاهدها. وحسبنا أن نشير هنا إلى وصفه مدينة القاهرة، وكلامه عن حضارة مصر في عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وعنايته بدراسة الأعياد والحفلات والصناعات والفنون والأسواق، وإلى وصفه الحرم الشريف بالقدس.
وقد ترجمت رحلة ناصر خسرو إلى الفرنسية. وأصبحت مصدرا أساسيا في دراسة الحضارة الإسلامية في الشرق الإسلامي في القرن الخامس الهجري، والحق أن وصف مصر في رحلة ناصر خسرو يعد من أكثر المصادر التاريخية إمتاعا وأعظمها شأنا في بيان حال البلاد قبل القحط أو «الشدة العظمى» التي حلت بها في نهاية عصر الخليفة المستنصر.
1
Shafi da ba'a sani ba