تقدمة الكتاب
إلى القارئ
البحيرة
يأس
اذكريني
القلب البشري
العصفور
الشباب
كوبيدون
بكاء الأطفال
زيارة من غير موعد
من قصيدة في أكس لبين
الدستور العثماني
حريق الأستانة
السيف
المرأة والشاعر
أحمد شوقي
إلى صديق مفارق
الربيع
الزهرة والفراشة1
العيون
أيها الطائر الشريد
البنفسجة
إلى عازفة على البيانو
على صفحة من كتاب
الحرب الكبرى
لبنان بعد الحرب
لبنان
النادي السوري في الإسكندرية
خليل باشا خياط
اعتراف
أسطورة نورية
أنا وأنتم
معهد العلم
هدية
أخي
تمثال الأمير
زهرة الإحسان
المدرسة الأهلية
مهرجان المتنبي
مبضع وقلم وسيف
الليل
وداع الإسكندرية
الأرض تخاطب الإنسان
الشاعر والمومياء
الأعمى الجائع
الصامتون
تحية القدس
يا ليل
أثينا
مهرجان الكتائب
يوم العمال
روزفلت
يوم تشرين
يوم الشهداء «6 أيار»
المؤتمر الوطني
حفلة النجادة في عيد الجلاء
فيصل الثاني
محمد
أول أيلول
خليل مطران
وداع الرئيس دودج
استقبال الملك فيصل الثاني في شتوره
بيت الدين
عمر الداعوق
إلى كاتبة1
قالت
عيد الرئاسة
ليلة أنس
في مهرجان الكتائب سنة 1950
أشعار الخداع والحب
من شعر الصبا
تقدمة الكتاب
إلى القارئ
البحيرة
يأس
اذكريني
القلب البشري
العصفور
الشباب
كوبيدون
بكاء الأطفال
زيارة من غير موعد
من قصيدة في أكس لبين
الدستور العثماني
حريق الأستانة
السيف
المرأة والشاعر
أحمد شوقي
إلى صديق مفارق
الربيع
الزهرة والفراشة1
العيون
أيها الطائر الشريد
البنفسجة
إلى عازفة على البيانو
على صفحة من كتاب
الحرب الكبرى
لبنان بعد الحرب
لبنان
النادي السوري في الإسكندرية
خليل باشا خياط
اعتراف
أسطورة نورية
أنا وأنتم
معهد العلم
هدية
أخي
تمثال الأمير
زهرة الإحسان
المدرسة الأهلية
مهرجان المتنبي
مبضع وقلم وسيف
الليل
وداع الإسكندرية
الأرض تخاطب الإنسان
الشاعر والمومياء
الأعمى الجائع
الصامتون
تحية القدس
يا ليل
أثينا
مهرجان الكتائب
يوم العمال
روزفلت
يوم تشرين
يوم الشهداء «6 أيار»
المؤتمر الوطني
حفلة النجادة في عيد الجلاء
فيصل الثاني
محمد
أول أيلول
خليل مطران
وداع الرئيس دودج
استقبال الملك فيصل الثاني في شتوره
بيت الدين
عمر الداعوق
إلى كاتبة1
قالت
عيد الرئاسة
ليلة أنس
في مهرجان الكتائب سنة 1950
أشعار الخداع والحب
من شعر الصبا
رفيف الأقحوان
رفيف الأقحوان
تأليف
نقولا فياض
بعيشك هل ضممت إليك ليلى
قبيل الصبح أو قبلت فاها
وهل رفت عليك فروع ليلى
رفيف الأقحوانة في مداها
مجنون ليلى
تقدمة الكتاب
إلى روح معلمي المرحوم نعمة يافث الذي قاد خطواتي الأولى في حياة الفكر والعمل وكان له أول إنشادي.
نقولا فياض
يا صفنا فيها أنيسك وحشة
ذهبت بكل من أهيلك مذهبا
هي «نعمة» كانت لنا فيما مضى
فقضى عليها الدهر أن تتغربا
من شعر الصبا
إلى القارئ
ما سكبت الجديد صرفا بكأسي
لا ولا ذبت في القديم احتراقا
إنما وحشة الحياة تمادت
بي فصاحبت هذه الأوراقا
شاعر لم ير الشباب سوى
حلم فلما مضى الشباب أفاقا
البحيرة
مترجمة عن لامارتين
أهكذا أبدا تمضي أمانينا
نطوي الحياة وليل الموت يطوينا
تجري بنا سفن الأعمار ماخرة
بحر الوجود ولا نلقي مراسينا؟
بحيرة الحب حياك الحيا فلكم
كانت مياهك بالنجوى تحيينا
قد كنت أرجو ختام العام يجمعنا
واليوم للدهر لا يرجى تلاقينا
فجئت أجلس وحدي حيثما أخذت
عني الحبيبة آي الحب تلقينا
هذا أنينك ما بدلت نغمته
وطال ما حملت فيه أغانينا
وفوق شاطئك الأمواج ما برحت
تلاطم الصخر حينا والهوا حينا
وتحت أقدامها يا طال ما طرحت
من رغوة الماء كف الريح تأمينا
هل تذكرين مساء فوق مائك إذ
يجري ونحن سكوت في تصابينا؟
والبر والبحر والأفلاك مصغية
معنا فلا شيء يلهيها ويلهينا
إلا المجاذيف بالأمواج ضاربة
يخال إيقاعها العشاق تلحينا
إذا برنة أنغام سحرت بها
فخلت أن الملا الأعلى يناجينا
والموج أصغى لمن أهوى وقد تركت
بهذه الكلمات الموج مفتونا:
يا دهر قف فحرام أن تطير بنا
من قبل أن نتملى من أمانينا
ويا زمان الصبا دعنا على مهل
نلتذ بالحب في أحلى ليالينا
أجب دعاء بني البؤسى بأرضك ذي
وطر بهم فهم في العيش يشقونا
خذ الشقي وخذ معه تعاسته
وخلنا فهناء الحب يكفينا
هيهات هيهات أن الدهر يسمع لي
فالوقت يفلت والساعات تفنينا
أقول لليل قف والفجر يطرده
ممزقا منه سترا بات يخفينا
فلنغنم الحب ما دام الزمان بنا
يجري ولا وقفة فيه تعزينا
ما دام في البؤس والنعمى تصرفه
إلى الزوال فيبلى وهو يبلينا
تالله يا ظلمة الماضي ويا عدما
في ليله الأبدي الدهر يرمينا
ما زال لجك للأيام مبتلعا
فما الذي أنت بالأيام تجرينا
ناشدتك الله قولي وارحمي ولهي
أترجعين لنا أحلام ماضينا؟
فيا بحيرة أيام الصبا أبدا
تبقين بالدهر والأيام تزرينا
تذكار عهد التصابي فاحفظيه لنا
ففيك عهد التصابي بات مدفونا
على مياهك في صفو وفي كدر
فليبق ذا الذكر تحييه فيحيينا
وفي صخورك جرداء معلقة
عليك، والشوح مسود الأفانينا
وفي ضفافك والأصوات راجعة
منها إليها كترجيع الشجيينا
وليبق في القمر الساري مبيضة
أنواره سطحك الزاهي بها حينا
وكلما صافحتك الريح في سحر
أو حركت قصبات عطفها لينا
أو فاح في الروض عطر فليكن لك ذا
صوتا يردد عنا ما جرى فينا
أحبها وأحبته وما سلما
من الردى، رحم الله المحبينا
يأس
لم أبلغ العشرين بعد وهمتي
ملت بميدان الحياة جهادا
وسواد شعري ما تغير لونه
وبياض آمالي استحال سوادا
سأمر يا روض الشبيبة تاركا
بعدي غصونك في الهوا تتهادى
إن كان عودي في ظلالك أخضرا
فلكم بكيت نظيره أعوادا
ولكم سمعت نظير صوتي منشدا
فغدا يعيد لك الصدى الإنشادا
كم قامة كان الربيع لها حلى
فمضى وصار لها الخريف حدادا
لم تجن منك يداي يوما وردة
إلا استحالت بالشقاء قتادا
نار يجددها الرجاء بأضلعي
فيعيدها اليأس الجديد رمادا •••
ما قصد ربك بالوجود وقد غدا
كل امرئ بضلاله يتمادى؟
ناديته وسط السكون مؤملا
وأبو العلا قبلي كذلك نادى
اذكريني
عن ألفرد دي موسه «بتصرف»
اذكريني كلما الفجر بدا
فاتحا للشمس قصر العجب
واذكريني كلما الليل مضى
هائما ملتحفا بالشهب
وإذا ما صدرك ارتج على
نغم اللذات وقت الطرب
أو دعاك الظل يا مي إلى
لذة الأحلام عند المغرب
فاسمعي من داخل الغاب صدى
هاتف فيها يناديك اذكري •••
اذكريني إن غدا صرف القدر
فاصلا ما بيننا للأبد
يوم لا تبقي الليالي والعبر
من رجاء لفؤادي الكمد
واذكري حبا به قلبي انفطر
ووداعا ذاب منه كبدي
وإذا الحب على القلب انتصر
غلب البعد وطول الأمد
أبدا ما زال قلبي المحتضر
نابضا فهو يناديك اذكري •••
اذكريني عندما ألقى المنون
ويضم الترب ذا القلب الكسير
عندما تفتح للفجر الجفون
زهرة القفر على قبري الحقير
لن تري من بعدها ذاك الحزين
لن تري، لكن روحي ستطير
أبدا نحوك كالأخت الحنون
تحفظ العهد على مر الدهور
واسمعي من جانب القبر أنين
في دجى الليل يناديك اذكري
القلب البشري
عنوان خطاب ألقاه الناظم في جمعية شمس البر سنة 1901. والقصيدة الآتية، والتي تليها «العصفور» قيلتا الأولى في مطلع الخطاب، والثانية في الختام.
أسعد الله مساء الصحب
سادة الفضل الكرام النجب
وحمى الله حمى جمعية
جمعتكم يا خيار العرب
هي شمس البر إلا أنها
تجمع اليوم شموس الأدب
ما عسى ينظم فيكم شاعر
شاعر بالعجز لا بالتعب
وقف اليوم خطيبا بينكم
بعدما ودع فن الخطب
قلبه أصل بلاه فاعذروا
إن شكا من قلبه المضطرب
رام أن تجلى لكم أسراره
فغدا يرقص لا من طرب
وغدا خلف حجاب الصدر لا
يتمنى غير شق الحجب •••
سيداتي لست أرضى فئة
أنكرت ما بيننا من نسب
إنما القلب كتاب غامض
فيه للمرأة أسمى مطلب
والذي تكتبه فيه لنا
ما رأينا مثله في الكتب
ولذا لم تلق قلبا خافقا
لا ينادي هي أصل السبب
وخفوق القلب داء مزعج
حير الناس فقالوا: عصبي
زعموا الطب عليه قادرا
وأنا أدرى فقد جربت بي
وسماء الحب من منا ترى
لم يضئ فيها له من كوكب؟
كان في الخاطر أن أنظمه
لكم من كل معنى عذب
إنما عهد التصابي قد مضى
فقضى الشعر به وهو صبي
العصفور
يا أيها العصفور ما لك صامتا
حيران مكتئبا وماذا تطلب
قد كنت لا تدري السكوت ولم يكن
غير التنقل والغنا لك مذهب
ماذا دهاك فهل أصابك علة
أم أنت في ظمأ وماؤك ينضب
أم راعك الصياد عند مروره
فغدوت مثلي للمصائب تحسب؟
هيهات لا مرض ولا ظمأ ولا
صيد أخاف ولا عدو أرهب
لكن لي عشا فقدت جماله
فأنا على عشي أنوح وأندب
أم ربيت بظلها وعزيمتي
وهن ونبت الريش مني مجدب
كانت تلازمني وتسأل زوجها
قوتا فيتركها لدي ويذهب
1
حتى إذا اكتمل الجناح وطرت من
أسري، غدت عن ناظري تتحجب
لكن اتخذت أليفة لي بعدها
كانت تلذ بها الحياة وتعذب
يا طال ما عشنا معا في ألفة
أبدا نغني للزمان ونخطب
طورا تحيينا الجبال وتارة
بقدومنا الوادي الخصيب يرحب
ولكم مررنا في الحدائق نرتقي
شجرا ومن كأس الأزاهر نشرب
ولكم هناك استوقفت نغماتنا
شيخا يودع أو صبيا يلعب
ولكم ذهبنا للقبور نسامر ال
موتى وأرواح الأحبة نطرب
حتى إذا وقع القضا أصبحت لا
أم ولا إلف يحن ولا أب
لكن قلبي لم يزل يجد الهوى
عذبا وإن يك بعدهم يتعذب •••
قد قال لي العصفور ذاك ولم يزد
ومضى يشرق في السما ويغرب
وسمعته في الجو ينشد حكمة
لك يا ابن آدم بالمدامع تكتب
لا حب إلا بالأمانة فاعتبر
فالقلب حب والحياة تقلب
1901
الشباب
من قصيدة تليت في حفلة شمس البر بعد خطاب للمرحوم نجيب طراد عن الشباب.
يا خطيب الشباب أي فؤاد
كان من خفة الشباب خليا
أنت سميته ربيعا، ولكن
كم شتاء به طويناها طيا
ما ندمنا على الحياة وحسبي
أن بعض الحياة كان شهيا
وإذا رافق الشباب اجتهاد
فحلال لهو الشباب لديا
يا صباح الحياة ألف سلام
في صباحي وألف شكوى عشيا
كلما أدركت بك النفس شيئا
نلت منها جزاء ذلك شيا
أنت تبني لها وتهدم منها
فهي تلهو والعمر يهتف هيا
وقريبا فجر المشيب سيجلو
ظلمة للشباب كانت عليا
وبهي نور المشيب ولكن
لا تراه كل العيون بهيا
يفضح المرء لونه حين يبدو
باكرا والخضاب لم يتهيا
وخضاب المشيب لو كنت تدري
جزية يدفعونها شهريا
وشعور الحسان أصدق مني
إن أردتم تحليله كيميا
قل لمن يطلب الصبا وهو شيخ
أيها الشيخ لن تعود صبيا (البقية مفقودة.)
كوبيدون
قد قيل إن الحب يوما غره
عطر يفوح من الحبيب وطيب
فأصاب منه زهرة حتى إذا
ما شمها والشم فيه غريب
هجمت عليه نحلة كمنت له
فيها فعاد ووجهه مخضوب
ومضى إلى ڤانوس يشكو أمره
والدمع فوق الوجنتين صبيب
ويقول قد أدمت جبيني نحلة
ما رد عني قوسي المرهوب
أماه ضاقت حيلتي، جلدي وهى
أماه ما لي في الحياة نصيب
فتألمت «ڤانوس» عند سماعها
شكوى إله الحب وهو يذوب
لكنها ابتسمت له وتلطفت
بالقول وهو لصدرها مجذوب:
يا أيها الطفل الغريب بطبعه
عن صرعك العشاق لست تتوب
إن كان لدغة نحلة بك أثرت
فظننت أن الموت منك قريب
ماذا يحل بمن سهامك لم تزل
ترمي قلوبهم بها وتصيب؟
1901
بكاء الأطفال
للشاعرة الإنكليزية مسز برونن «بتصرف»
هل سمعت الأطفال يا صاح تبكي
قبل أن تعرف الأسى والشقاء؟
كل طفل في حضن من ولدته
يتعزى لو كان يرضى العزاء
العصافير في الرياض تغني
وثغاء الخراف يحكي الغناء
وابتسام الأزهار كل صباح
بشذاها يعطر الأرجاء
إنما الطفل وحده يا صحابي
بات يبكي ويستلذ البكاء •••
هل سألت الطفل الصغير لماذا
راح يبكي ودهره ما أساء؟
يذرف الشيخ دمعه لشباب
ضيع الصبر بعده والرجاء
وغصون الأشجار تحزن إذ تخ
لع أيدي الخريف عنها الرداء
وجراح الأبدان تؤلم إن لم
يمسح البرء وهجها والدماء
إنما الطفل وحده لست تدري
ما الذي في البكا له يتراءى •••
إن في أدمع الصغار لسرا
لقنته أرواحها الشعراء
أرضكم ظلمة ونحن صغار
ولنا أرجل تحاكي الهواء
ما مشينا عليك يا أرض إلا
خطوات وقد سقطنا عياء
فسلوا الشيخ ما دعا لبكاه
لا صغارا في أرضهم غرباء
راحة الشيخ في التراب ولكن
نحن جئنا هنا نقاسي البقاء
1901
زيارة من غير موعد
شعر طليق
مرحبا بالشتاء إن كان غيري
لا يرى في الشتاء إلا حدادا
مرحبا بالشتاء والقلب خال
أعبد النار في سكون الليالي
مستريحا من الهوى وهمومه
هذه عزلتي فنم يا فؤادي
ليس من زينب هنا أو سعاد
وإلى الطرس يا يراع فعندي
في زوايا الفكر العميق معان
آن أن يطلع النهار عليها
قلت هذا وما حسبت حسابا
للذي خبأت يد الأقدار
قرع الباب من ترى يقرع البا
ب وليست بساعة الزوار
ودبيب النعاس في الأجفان؟
قال لي افتح، أنا هو الحب قلت اذ
هب، فمالي بالحب يا حب شان
قال برد الشتاء يقرص عظمي
ودموع السماء تمطر جسمي
وجناحي مهدم مكسور
عبثا تطلب الدخول فنفسي
أيها الحب قد سلتك طويلا
نسيت عادة الصبابة والشك
وى وذكر العهود والتقبيلا
نسيت فعل قوسك المرهوب
قال ما لي في غير نارك مطمع
فافتح الباب لا يفيد الجدال
افتح الباب إن قلبي تقطع
وإذا مت عند بابك قالوا
عن دمي أنت وحدك المسئول
هكذا كان يستغيث ويبكي
ولهوج الرياح عصف شديد
رق قلبي له فقلت ألا ادخل
أيها الحب وليكن ما تريد
ورجائي أن لا تطيل المقاما
دخل الحب مسرعا نحو ناري
ثم حيا وثغره يبتسم
ومضى بالحديث غير خجول
يتباهى بغرة وحجول
وبما نال من دموع ومن دم
عمرك الله هل رأيت كشعري
أشقر اللون صافيا كالشعاع
أو كخدي الأسيل أو كلحاظي
حين أرمي بها الفؤاد الخليا
عمرك الله هل تفرست فيا
قضي الأمر بيننا، وبداري
أصبح الحب حاكما ما شاء
أقفل الباب، آمنا في جواري
ناسيا أن يعود من حيث جاء
وأنا ... قد نسيت فتح الباب
باريس 1906
من قصيدة في أكس لبين
رعى الله «أكسا» من بلاد جميلة
وإن كان فيها اللهو يبني ويهدم
سقتها عيون الماء عذبا ومالحا
وكم صح في كبريتها المتألم
وما شاقني إلا بحيرتها التي
رأى الوحي فيها شاعر ومتيم
وقفت لديها صامتا ولموجها
أنين بأنفاس المحبين ينظم
فلم أدر هل منها استعار بكاءه
لمرتين أم ذا صوته يتكلم
1906
الدستور العثماني
يا بني عثمان أنتم أمة
أصبحت موضوع إعجاب الأمم
سيعيد العدل تاريخا لكم
طبع المجد به منذ القدم
في حمى جيش عزيز باسل
واسع الهمة كشاف الغمم
ضرب الظلم بسيف قاطع
شق منه النور أكباد الظلم •••
صيح بالترك فكانت صيحة
أيقظت من ضجعة الموت الهمم
وسرى للعرش منها هزة
فشفت يلدز من ذاك الصمم
وعرا الشرق انقلاب صاعق
لو تمنيناه في الأحلام لم ...
ورأينا دولة الماضي وقد
كتب الموت عليها «لا رحم» •••
يا حماة الدولة الأحرار يا
ناصرين السيف فينا والقلم
كم هوت أعلام مجد منكم
في سبيل الوطن السامي العلم
ما رأينا قبلكم أسد وغى
دمها يجري ولا تسفك دم
نضت السيف انتقاما فغدت
تقطر الرحمة أسياف النقم •••
طال ليل الذل حتى خلته
أبديا فإذا الفجر هجم
وإذا القبر شعاع نير
إن في القبر عظات وحكم
مت لتحيا، كل شعب لم يجد
بدماه فهو موجود عدم
لو بدا الدستور جسما قائما
لرأيتم رمما فوق رمم •••
يا ملوك الأرض هذه حكمة
يستفيد العدل منها من حكم
إن للأمة قلبا لاهبا
مثل قلب الأرض مشتد الضرم
ويل من يمشي عليه إنه
يتمشى فوق قذاف الحمم
مثلما ينفجر البركان ين
فجر الشعب إذا الشعب احتدم •••
هل تظن الجيش إلا بشرا
مثلنا فيه شعور وألم؟
لست تدري يوم تأتي ساعة
يستفز المد ذا البحر الخضم
يوم تمشي الريح في أمواجه
وهي أصوات وأرواح ودم
فإذا لم تلق من يلجمه
بلجام العدل لم تغن اللجم •••
قل لأهل الغرب عنا حسبكم
إن للأتراك بأسا وكرم
حرروا الشرق وذي أعمالهم
جددت صبوته بعد الهرم
ولمن يطمع في تفريقنا
كان للتفريق عهد وانصرم
غير دين الحب لا دين لنا
نحن في البؤس سواء والنعم •••
فسلاما أيها العلم الذي
أطلق العقل وبالعدل قسم
وسلاما أيها السيف الذي
نصر العلم وما خان القسم
وسلاما يا هلالا نوره
في سما العيد الجديد اليوم تم
أنت طفت الأرض قبلا غازيا
ستطوف الأرض سلما يا علم
1908
حريق الأستانة
أقامت جمعية التآخي العثماني التي أنشئت في الإسكندرية بعد إعلان الدستور برئاسة حمادة باشا؛ حفلة خيرية لمنكوبي حريق الأستانة، وكانت المطربة الشهيرة ليلى لزمي قد انقطعت عن الغناء منذ زمن وأبت الاشتراك في أية حفلة سمر، ولكنها قبلت الظهور في تلك الحفلة تبرعا منها وخدمة للخير، فكان الإقبال عليها عظيما، وتكلم الناظم باسم الجمعية وهو عضو فيها:
ما لي أرى هذي الجموع سكارى
أأدرت لحظا أم أدرت عقارا
يا ربة الصوت الجميل ترفقي
فلقد فتنت السمع والأبصارا
إني أرى أوتار عودك حركت
في كل قلب للهوى أوتارا
قولي بربك لي فإني حائر
ولكم فتى مثلي بمثلك حارا
أنشأت ما بين الملائك طفلة
أم كان شحرور الربى لك جارا؟
غنيت أفراح الحياة لتسعدي
قوما غدت أفراحهم أكدارا
أشجاك فقرهم وأنت غنية
فأزحت عن ذاك الخباء ستارا
وبذلت للأسماع صوتك بعدما
شاق القلوب وتيم الأفكارا
أطلقت ذاك الطير من أقفاصه
فاليوم يخجل شدوه الأطيارا
واليوم يخفق قلب سامعه فلا
يدري أيحمد أم يذم النارا •••
أحريق إسلامبول هجت لواعجا
وجعلت أعياد السرور قصارا
هي جنة الدنيا وأنت أريتنا
فيها الجحيم تعذب الأبرارا
هجروا البيوت وقد تداعت فوقهم
فإذا نظرت ظننتهم أحجارا
تخذوا الظلام دثارهم في عريهم
فإذا مضى لبسوا النهار دثارا
فكت يد الدستور قيد إسارهم
فإذا هم بيد الشقاء أسارى •••
دار السلام سلمت للعليا ولا
أخلى الزمان من الرضى لك دارا
كم مس جانبك اللهيب فلم تري
كاليوم إخوانا ولا أنصارا
لك من وراء البحر أحرار غدوا
يتعشقون رجالك الأحرارا
جمع التآخي بينهم فغدا لهم
دينا تيمن بالهلال شعارا
فتعددت أنسابهم وتوحدوا
فهم يهود مسلمون نصارى •••
اليوم أنت أعنتهم في أمرهم
وقضيت يا ليلى لهم أوطارا
يفنى الزمان وفضل صوتك خالد
فنيا يطوف به الصدى الأقطارا
ويشوقنا كالغاب أو كالموج أو
كالليل لم ندرك له أسرارا
فإليك يا ليلى الثناء مضاعفا
مني القصيد ومنهم الأزهارا
أنت انثري الألحان درا باهرا
وأنا بنثرك أنظم الأشعارا
1908
السيف
للشاعر الفرنسي سولي بريدوم
لدفع ملمة أم للرواء
تهذبك الصياقل والقيون؟
أرى حدا أدق من الهباء
وإشراقا تغض له الجفون
وأعطافا تلين مع الهواء
وتقطع كل صلب لا يلين
ولم تخلق لأعمال البناء
ولا للفن تنقش أو تزين
ولا للزرع تضرب في العراء
فيخرج تحتك الكنز الدفين
جبينك فوقه قطرات ماء
وما تعب به عرق الجبين
وقد خضبوك من شمس المساء
رقيق الشفرتين فمن تكون
وأي مزية لك في المضاء؟
أنا السيف الذي للفتك يدعى
وجودي شر آفات الوجود
تمد لي الملوك يدا فأسعى
بقبضتها إلى فتح اللحود
فتدفع بي الجنود الموت دفعا
وشغلي ضرب أعناق الجنود
ويهوى التاج من خداي لمعا
وكم لهواي من تاج شهيد
ولا أنفك بالأطماع أرعى
حروب الناس من بيض وسود
وأزرع في الدروب دما ودمعا
وأقطع زهرة النسل الجديد
إلى أن تلبس الأجساد درعا
مناعتها أشد من الحديد
يحوك نسيجها «حق البقاء»
المرأة والشاعر
ختام خطاب في المرأة والشعر، ألقي في الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1903.
المرأة :
عد للهوى فربيعه قد عادا
والعشب للعشاق مد وسادا
وعلى الأرائك للهزار مواقف
تستعبد الأرواح والأجسادا
فعلام شعرك لا يكون لها صدى
أعدمت نطقا أم عدمت فؤادا
الشاعر :
لا لا فقلبي قد عرفت خفوقه
هيهات قلبي أن يكون جمادا
لم أبلغ العشرين بعد وهمتي
ملت بميدان الحياة جهادا
وسواد شعري ما تبدل لونه
وبياض آمالي استحال سوادا
فدعي اعتراضك واخلعي عني الهوى
فلقد كفاني شقوة وسهادا
المرأة :
عجبا أتنسى أن قيدك في يدي
حتى طمعت بأن تفك قيادا
مل الصبي من الحياة وغيره
شابت نواصيه وزاد فسادا
أتراك لم يبلغك أن فضائلي
تركت عباد الله لي عبادا
هل سرت في قفر الحياة ولم تجد
مني دليلا أين سرت وزادا
هل فاتك القمر المنير ولم تجد
في نور وجهي الكوكب الوقادا
هل شئت إدراك العلاء ولم يكن
ضعفي لضعفك قوة وعمادا
هل كان عقلك لو غضضت نواظري
أجدى بمخترعاته وأجادا
تلك الصنائع والفنون هل ارتقت
أو عمرت لولاي منك بلادا
هل نال في الأمراض لولا علتي
دنف بطبك ما اشتهى وأرادا
يا أيها الرجل الكفور بنعمتي
لو كنت وحدك هل ذكاك أفادا
من كان في الفردوس ينشد ضائعا
أو في الجحيم يناشد الوقادا
من راح يروي مجد أندلس لنا
ويزور في عمرانها بغدادا
من لقب الملك المضلل في الهوى
أو عبد عبس رقة وجلادا
أنسيت في وادي العقيق وضاله
سلمى ودعد وزينبا وسعادا
أولست أول شاعر في شعره
فوق المنابر بالمحبة نادى
الشاعر :
عفوا فهائنذا أقر بزلتي
وأتوب لا طمعا ولا استنجادا
أجثو على أقدام جنسك ذاكرا
أمي فلولا الأم مجدك بادا
وأجل فيك رفيقة العمر التي
تحيي العيال وتحضن الأولادا
وأكرم الأخت التي بحنانها
تنسي السقيم الطب والعوادا
ضل الذي ظن الحياة جميلة
في البعد عنك ومن يطيق بعادا
الكون شعر أنت بيت قصيده
لولاك ما عرف الورى إنشادا
أحمد شوقي
من قصيدة فيه نظمت عند صدور ديوانه الأول.
خطبتك آلهة الغناء فأنت في
روض يضم الورد والنسرينا
تسقي بماء الشعر أشجار الهوى
وتهز أوراقا له وغصونا
وتشارك الأطيار في ألحانها
فترى بأنك فقتها تلحينا
نغمات عودك في فؤادي حركت
شوقا لنظم الشعر كان دفينا
عود إذا سمعوا صدى إيقاعه
ذكروا الألمب وأهله الخالينا
أوتاره لما سمعت رنينها
تركت لأوتار الفؤاد رنينا
فتركت أسلحة الطبيب محركا
قلمي ولم يك مثلها مسنونا
وسئلت من تشتاق قلت لأحمد
شوقي إذا صدق الفؤاد ظنونا •••
يا أحمد الشعراء أين مكانهم
من شاعر نظم القريض فنونا
وقفوا على إطلالهم يبكونها
فسبقتهم وتركتهم يبكونا
وغمست في الماضي يراعة صادق
نقلت سطور الحق للآتينا •••
يا مصر فيك اليوم أشرف نهضة
تحيي بها اللغة الشريفة فينا
لم يبق من أمل سواك لتزدهي
وتريك عود شبابها وترينا
جددت سوق عكاظ بعد عفائها
لكن عكاظ اليوم لا تكفينا
فأريتنا دار السلام جديدة
وأريتنا العباس فيك هرونا •••
يا شاعر النيل احتفل بتحية
حملت إليك محبة وحنينا
أهدي لحافظ مثلها ولكل من
في مصر أنشد حكمة وشجونا
حتى يمتعني الزمان بزورة
لكم تقر بها النواظر حينا
1902
إلى صديق مفارق
رويدك رفقا بقلبي الرقيق
فليس يطيق فراق الصديق
يكاد إذا ما ذكرت النوى
يقول لصدري ابتعد من طريقي
وما هو أول يوم به
لأجلك كان شديد الخفوق
فسقيا لأيامنا الماضيات
وعيش بقربك زاه أنيق
زمان أراني الزمان به
مثال الصديق الوفي الصدوق
فمتعت عيني بوجه صبيح
ومتعت نفسي بقلب شفوق
وذقت حلاوة خلق حوى
معاني النسيم ومعنى الرحيق
فرحت بودك ذا نشوة
أقول لنفسي ألا لا تفيقي
وما كان إلا بعادك عنها
ليجعلها في اضطراب وضيق
عزمت الرحيل ويا ليتني
عزمت فكنت رفيق الطريق
أسامر فيك الندى والمعالي
وألثم عهد الوفاء الوثيق
وأسمع منك حديثا هويت
هوى الشعراء لماء العقيق
فأنشد يا بحر أين لآل
حرصت عليها بلج عميق
وأنشد يا دهر أين ليال
سهرت وبدرك فيها رفيقي
أهجت بي الشعر بعد السكوت
زمانا به كم غصصت بريقي
ولو كان في الشعر دفع فراق
جعلت صبوحي به وغبوقي
1903
الربيع
نيسان يا ملك الشهور تحية
مني أرددها بكل مكان
لك كل عام زورة محبوبة
هي يقظة الأرواح والأبدان
ما هذه الحلل التي تكسى بها
فيظل نورك باهر اللمعان
هل شاطرتك الشمس در شعاعها
فغدوت من هجرانها بأمان
أم تلك «حوليات» شعرك توجت
زمن الهوى يا شاعر الأزمان •••
لك يا ربيع الدهر عندي ذمة
ترعاك في صدري وفي أجفاني
لو أنصفوا تركوا القصور وعيدوا
لك في ظلال الروض والبستان
ما لي وللإجهاد لم يترك لهم
غير الهجير وغلة الظمآن
يتنازعون على الحياة ولو دروا
وجدوا الحياة بصدرك الملآن
هي ساعة للحب ما سكتت على
ندم ولا دقت على خسران •••
يا أرض يا وطن الجميع وإن تكن
قسمتك ألسنهم إلى أوطان
إن كنت مأوى الجسم بعد جموده
فالجسم ليس مع الجمود بفان
أرواح من نبكي بعثت رسومها
في الزهر ضاحكة وفي الأغصان «في كل زاهرة ترقرق بالندى»
عين تخاطبنا بألف لسان •••
لو تخرق الأبصار صدرك لم تجد
إلا فؤادا دائم الخفقان
تروي عناصره الجذور ودونها
شبك من الألياف والقضبان
حتى إذا شبعت تصاعد ماؤها
يهدي إلى الأوراق خير لبان
ويمر في الأغصان يملؤها دما
شريانه ووريده سيان
عمل يضيع العقل في ظلماته
وقوى تصرفها يد العمران
تطوى الحياة بها فتنشر زهرة
هي - لو علمت - شقيقة الإنسان •••
ليت الحبيب يقر يوما ناظري
وكما رأيتك يا ربيع يراني
في الصدر أخلاق الشباب حبستها
ومنعتها عن معشري وزماني
لكن إذا ما مسها بيمينه
هبت فكان له ربيع ثان
ورأى من الأسرار طي برودها ال
خضراء ما يغنيه عن نيسان
وغدا يعيد على فؤادي وحيه
لغة الرجا والحب والإيمان
فأقول للزهر المنيرة غيبي
ما شئت نورك فهو نصب عياني
وأقول للنسر المحلق في العلى
مهما سموت فلست تبلغ شاني
وأقول للغاب الفصيح سكوته
بي مثل ما بك من شجي معاني
وأقول للساقي كئوسك مرة
إلا إذا مزجت بخمر بياني
وأقول للأقلام بعد جمودها
غني فأنت اليوم طوع بناني •••
هذي عجائب من أحب فليته
يأتي فيلهب خاطري وجناني
ما زلت أسأل عنه إخوان الهوى
حتى علمت بأننا أخوان
إن كان يفهمني فيا لسعادتي
أو كنت أجهله فما أشقاني
1911
الزهرة والفراشة1
زهرة في الحقل يوما سألت
من فراش الحقل معشوقا صغيرا
ما الذي يلهيك عني جاعلا
لك كالنجم اختفاء وظهورا
غائبا حينا وحين حاضرا
مالئا نفسي غيابا وحضورا
أفما أنت رفيقي في الهوى
أبدا أرشفك الثغر الطهورا
عائشا في عزلة الحب معي
لا ترى إنسا ولا تخشى شرورا
قد تماثلنا جمالا وسنى
وتفاهمنا حفيفا وشعورا
ولبسنا ثوب نور واحد
فكلانا زهرة تسطع نورا
لا أرى ما بيننا فرقا، بلى
سوء حظي جعل الفرق كبيرا
أنت في الجو طليق وأنا
بالثرى رابطة جسمي الأسيرا
كم سرت نحوك أنفاسي فلم
تتزود عطرها إلا يسيرا
هائما بين أزاهير الربى
تائها في الجو زهوا وسرورا
وأنا أنظر ظلي دائرا
حول جسم عاجز عن أن يدورا
وأبيت الليل أشكو وحشتي
بفؤاد لم يكن عنك صبورا
ولذا تلقى بجفني أدمعا
كلما عدت مع الفجر منيرا
هاجري، إن صح عهد بيننا
فدع الهجر طويلا وقصيرا
واتخذ مثلي أصلا في الثرى
أو أعر جسمي جناحا فأطيرا •••
زهرتي ما زلت أهوى في الحمى
ثغرك اللؤلؤ والصدر الحريرا
وبعادي عنك سر أدركت
أخوات لك معناه الخطيرا
أنا كالريح رسول للهوى
مثلها حملني شوقا كثيرا
2
تلك ذرات غبار أخذت
بذيولي حين أزمعت المسيرا
3
عجبا لم أشك منها، وهي إذ
لامست صدرك أذكته سعيرا
ما عرفت الحب لولاها ولا
ذبلت أجفانك اليوم فتورا
زهرتي لو كنت مثلي حرة
أين ألقى بعدك الروض النضيرا
وإذا عفت أنا أجنحتي
كيف أعطي قبلتي تلك الثغورا
نحن بالفرق الذي تشكينه
نتساوى، فاطرحي عنك الغرورا
ودعي اللوم كلانا حامل
علم الحب، فراشا وزهورا
العيون
إن يعصني يوما يراعي القاصر
فلدي من عينيك وحي ناصر
هل كانت الألحاظ غير أشعة
ليعيدها درا إليك الخاطر
أنا صخرة القفر التي لا تستقى
ما لم يفجرها بنان ساحر
عندي مصادر للدموع خفية
هي للفصاحة والبيان مصادر
أستغفر الرحمن عنك فإنه
للنور في عينيك بحر زاخر
خاطرت مغترا بصفو مياهه
طمعا وما أنا بالسباحة ماهر
فغرقت عند ضفافه، يا حبذا
غرق يكون به هواك الغامر •••
يا للعيون وما يحركه بها
من كامن الأسرار جفن فاتر
خلقت سبيلا للضلالة والهدى
لم ينج منها مؤمن أو كافر
فيها معان للخمور وللطيو
ر وللزهور وللبحور مناظر
وإذا نظرت إلى عميق سوادها
أنشدته يا ليل ما لك آخر
الموت فيها والحياة تلاقيا
الموت سر والحياة الظاهر
في دقة التركيب أضعف كائن
إنسانها وهو الإله القادر •••
لا تنكري، عيناك شاهدتان لي
ما نال مثلهما الغزال النافر
حملتني الضدين منك ومنهما
فأنا مقيم في الهوى ومسافر
للفكر أغلال وليس مقيدا
للقلب أجنحة وما هو طائر
روحي وروحك لجتان تشابها
عمقا وفوقهما الحياء الخافر
فلتجعل النظرات جسرا بيننا
تجتازه مني ومنك سرائر
أيكون لي قلم وأكتم أمره
واللحظ في الأقلام ناه آمر
أم كيف أحبس عنك فيض قريحتي
ويقول بعض الناس إني شاعر؟
أنت الغنية قبل مالك بالذكا
وخلائق هي كالربيع نواضر
أنا أستقل المال إن لم يجتمع
معه من الآداب حظ وافر
وأرى الجواهر في النحور حقيرة
إن لم يزن تلك العقول جواهر
ولقد عرفتك فاكتفيت بما أرى
نفس مهذبة وخلق طاهر
أيار 1911
أيها الطائر الشريد
من رواية فتح مصر للمؤلف. تغنى هذه الأبيات عندما تؤخذ فتاة النيل لتقدم ضحية مقدسة.
أيها الطائر الشريد
ما الخبر
أنت تبكي فهل بعيد
ذا السفر
ودع النخيل
والحندقوق
واتبع النيل
حيثما يسير
تطير
تسمع الغريق
صوتك الرقيق
عله يفيق
هل شجاك القمر
واحمرار العيون
بدموع الأرق
أم جفاك الشجر
واهتزاز الغصون
وحفيف الورق
أم مللت البقاء
بديار الشقاء
والبشر
أيها الطائر الشريد
ما الخبر
أنت تبكي فهل بعيد
ذا السفر؟
فيجيبها الصوت الخفي
بعيد، بعيد (ويسدل الستار.)
البنفسجة
أهوى البنفسج آية الزهر
في الشكل والتصوير والعطر
وأحبه في الأرض مختبئا
وأحبه في بارز الصدر
ولكل عذراء أقدمه
ما دام فيه حياؤه العذري
لكن شجاني منه حادثة
أجرت دموع عرائس الشعر
هي زهرة بجوار ساقية
نبتت وعاشت عيشة الطهر
لم تدر غير العشب متكأ
وسوى عناق الماء لم تدر
فاستيقظت يوما كأن بها
سكرا وقد شربت ندى الفجر
تبكي جوى وتقول: ما أملي
لو عشت خالدة بذا القفر
حسناء لكن لا عيون ترى
حسني ولا من عارف قدري
هلا صعدت إلى ذرى جبل
ونعمت بعد الكوخ بالقصر
فأرى الجديد من الوجود وما
تحوي معاني الكون من سحر
وأشارف الدنيا وأجعلها
تطوي مناظرها على نشري
1
قالت وقام بها الهوى فمشت
في القفر مثل ظبائه العفر
والريح تحملها وتقعدها
وتموج بين الشعر والخصر
حتى إذا اهتز الكثيب لها
وقفت تقلب نظرة الكبر
2
فرأت بساط العشب منتشرا
تلوي عليه معاطف النهر
جاراتها في الحي نائمة
حمرا على أعلامها الخضر
فاستبشرت بالفوز وانطلقت
تعدو ولا تلوي على أمر
وحلا لها السفر البعيد وما
حسبت حساب الحلو والمر
الأرض محرقة وواعرة
فكأنها تمشي على جمر
ورفيقها هوج الرياح وقد
ثارت عليها ثورة الغدر
ترمي بها كل الجهات فلا
ترتاح من كر إلى فر
حتى أصابت هضبة عرفت
فيها نعيم العين والفكر
من تحتها الجنات مشرقة
بالزهر كالأفلاك بالزهر
والناس والأشياء مائجة
كالبحر في مد وفي جزر
قالت: بدأت أرى فوا طربي
لو كنت أبلغ موطئ النسر
أسمو إلى قمم تحجبها
تلك الغيوم بحالك الستر
فأرى بديع الكون تحت يدي
وأفض منه غامض السر •••
يا للبنفسجة الجميلة من
أهوال ما لاقته، لو تدري
لم يبق من طرق تسير بها
في مصعد الأشواك والوعر
وأصاب أرجلها الضعيفة ما
يرمي الحديد الصلب بالكسر
فانتابها ندم ولو قدرت
عادت على أعقابها تجري
لكنها خارت وصيرها
خوف السقوط كراكب البحر
فتشبثت بالأرض مفرغة
جهد القوى وبقية الصبر
حتى تسنمت الذرى وغدت
في الأوج تتلو آية الشكر •••
لكنها لم تلق وا أسفي
في الأوج غير جلامد الصخر
لا عشب ينبت في جوانبه
أبدا ولا أثر لمخضر
والعاصفات كأنها أسد
في الجو تزأر أيما زأر
والغيم ساوى في تلبده
ما بين نصف الليل والظهر
فجثت لأول مرة وبكت
كالطفل من ألم ومن ذعر
والبرد أفسد لونها كمدا
من كل مزرق ومحمر
فاصفر ذياك الجبين كما
ذهبت نضارة ذلك الثغر
ولقهرها أنت وقد سمعت
وسط الزوابع أنة القهر «يا ليتني لم أصب نحو علا
وبقيت بين مواكب الزهر»
ثم ارتمت وهنا وأسكتها
شبح بدا من جانب القبر
وتصلبت أعضاؤها ومضت
بالموت هاوية إلى القعر •••
مسكينة قد غرها طمع
هو كالسراب لكل مغتر
ظنت بأن لها العلاء غنى
فإذا به فقر على فقر
ما كان أغناها وأسعدها
لو لم تفارق ضفة النهر
1911
إلى عازفة على البيانو
ليس «البيانو» الذي باتت تكهربه
يداك أطوع من قلبي وأفكاري
لمسته فتمشى السحر بي فكما
تهتز أوتاره تهتز أوتاري
أصابع العاج هذه تلعبين بها
أم تلعبين بأسماع وأبصار
أذكى السلام على يوم ولدت به
يا بنت «فردي» و«بتهوڨن» و«موزار»
لا شك ذلك يوم ما سمعت به
حول السرير سوى تغريد أطيار
فجاء قلبك خفاقا بأجنحة
حفيفها بين موسيقى وأشعار
بنت الكرام الألى ما زرت دارهم
إلا مشوقا وما شوقي إلى الدار
جددت للشعر نارا في الفؤاد وكم
قد خاب غيرك في شعري وفي ناري
أثرت في من الأشجان كامنها
فبت أسهر ليلي حول تذكار
كزهرة القفر في الظلماء ليس لها
من مؤنس غير نور الكوكب الساري
1911
على صفحة من كتاب
هذه أسطري تردد ذكري
كلما قلبت يداك الكتابا
ليس فيها سوى احترام صديق
بك حيا الذكاء والآدابا
قد طوى صفحة الشباب ولكن
لم يزل قلبه يحب الشبابا
وكتاب الحياة طي ونشر
أخطأ المرء درسه أم أصابا
نقرأ الصفحة السعيدة فيه
مرة والعذاب يتلو العذابا
فاغنمي الساعة التي أنت فيها
واستفيدي علما بها واكتسابا
واجعلي الحب للحياة لباسا
قبل أن تلبس الحياة الترابا
1914
الحرب الكبرى
لاهاي! هل صوت بجوك يسمع
هيهات، ما لاهاي إلا بلقع
لم ينفع القصر الذي شيدته
وكذا الرمال قصورها لا تنفع
جمعتهم الأطماع فيك فمذ نأوا
قالت لهم أطماعهم: لن تجمعوا
ما أبدع الحلم الذي حلموه لو
وقفوا على تحقيقه ما أبدعوا
زرعوا الكلام فما حصدت وأصبحوا
السيف يحصد فيهم والمدفع
هي يقظة طاحت بها أعمارهم
فكأنهم فتحوا العيون ليهجعوا •••
في ذمة الرحمن كل سميذع
يمشي إليه من العدو سميذع
جهلوا القتال فعلموه ولم يكن
من طبعهم سفك الدماء فطبعوا
النازلون من الخنادق حيث لا
نسم يهب ولا شعاع يسطع
الماخرون الجو فوق سوابح
تجري بإمرتها الرياح الأربع
الراكبون على البحار صواعقا
كم ضيعت منهم ولم يتضعضعوا
النافضون جبالها وثلوجها
لا يطمئن بهم عليها مضجع
الذاهبون ولا رجاء، العائدو
ن ولا شفاء، السابقون التبع •••
يا للهجوم وقد دعا داعي الردى
فمشوا إليه والأسنة شرع
بجحافل تزجى وراء جحافل
وفيالق إثر الفيالق تدفع
مادت بهم أنجادها فكأنهم
سرب من العقبان سود جوع
رصدتهم قلل السعير تصبها
قلل الحديد فلا تقيهم أدرع
بغتتهم من خلفهم وأمامهم
نيرانها فتفرقوا وتجمعوا
متسابقين؛ وليس منهم سابق
متراجعين، وليس عنها مرجع
في مأزق للموت أسكرهم به
رهج الخميس وهامه تتقطع
حتى إذا انقشع العجاج، ولم يعد
إلا صدى ذاك الضجيج يرجع
طلع الهلال عليهم فإذا هم
عدم فظيع أو وجود أفظع
الأرض نافضة البطون تزاحم ال
موتى بها فهم وقوف ركع
فكأنه يوم القيامة فيهم
أو أنهم قبل القيامة قد دعوا •••
يا أرض أي رواية مثلتها
علمت فيها الناس أن يتوجعوا
هذي كنوزك أصبحت حمما بها
بركان صدرك ثائر يتصدع
أمللت حمل الساكنيك فقلت أف
نيهم؟ كفى ما بالوجود تمتعوا
أم شاقك الثوب القديم جررته
لهبا فقلت إلى قديمي أرجع
نارا تسيل بي السماء وليس لي
مهج تسيل ولا عيون تدمع؟ •••
هل تبعثين مع الربيع معزيا
للناس ينسي ما به قد روعوا
فيعود وجهك ضاحكا متهللا
ويعود زهرك في الربى يتضوع
ويعود للأغصان طيرك آمنا
يتلو مراحمه عليك ويسجع
أم تبعثين قذائفا وقنابلا
لا تقنعين بها ولا هي تقنع
فيظل صدرك بالنجيع مخضبا
ويظل وجهك بالحداد يقنع؟
إنا سقيناك الدماء زكية
فإذا الربيع أتى سقتك الأدمع •••
يا أيها الإنسان ماذا تصنع
قدك اتئد أربيت فيما تطمع
هدمت يداك أعز ما شيدته
ماذا الذي من هدمه تتوقع
عالجت بالعلم الحياة وإنه
سيف على الحدين ماض يقطع
أعطاك ما أعطى سواك فصارع
يوما ويوما مثل غيرك تصرع
أنا لا أصدق أن مجدك زائل
أنا لا أصدق أن ملكك يخلع
إن كنت ذا جهل فعلمك واسع
أو كنت ذا بغض فحبك أوسع
الحب نورك في الحياة فإن نأى
عن مطلع أدناك منه مطلع
كم ضيعتك الحادثات بليلها
ثم اهتديت به فلست تضيع
ارفع حجاب البغض عنك وبعده
علم السلام على ربوعك يرفع
إن تمنع الأيام عنك دوامه
فشرائع العمران ليست تمنع
الحب حق في الوجود وواجب
تتزعزع الدنيا ولا يتزعزع
1915
لبنان بعد الحرب
كان لي عهد على تلك الصخور
من مطل السفح للوادي الخصيب
أرشف الكوثر من ثغر طهور
وأناجي الله في لحظ الحبيب
والخلود
في ورود
خده الفتان
شجر البلوط ستار لنا
يا حنيني نحو ذياك الشجر
كم هززنا فيه أغصان المنى
ورشقنا بالحصى منه الثمر
فتثور
في الطيور
ثورة الألحان
خلوة أغنى بها شعري الخيال
عن معاني الزهد من شعر الضرير
1
وحبيبي ناشر برد الجمال
حاجزا ما بين قلبي والضمير
فتراني
في افتتاني
صاحيا سكران
زرت ذياك الحمى بعد الغياب
وأنا أرجو شفاء العلل
لم أجد فيه لتذكار الشباب
أثرا يحيي دفين الأمل
والحداد، في البلاد، يبعث الأشجان
لم أجد غير امرئ فيه يجول
يحمل المعول والفأس معا
صحت والفكر تولاه الذهول
يا زمان الوصل هلا رجعا
والصدى
رددا
يا زمان، زمان
أيها الحطاب قطع في الشجر
وادخر من بينها الصلب الشديد
واضرب المعول، وليقدح شرر
كلما أعملت في الصخر الحديد
ظافرا
حافرا
مهجة الصوان
واستعن بالناس، وادع العاملين
من بني الوادي وفتيان الجبل
أنعشوني يا رفاق العاشقين
طال ما أنعشت بالشعر الأمل
واعذروني
في شجوني
كلنا إخوان
شيدوا لي في ذرى الصخر ضريح
لم يشيد مثله منذ القدم
واجعلوا الأخشاب نعشا يستريح
شبح الصبوة فيه والألم
اجعلوا النعش كبيرا
املئوا القبر زهورا
افرشوا الأرض حريرا
فهو حبي
وهو قلبي
لف بالأكفان
1919
لبنان
أقمت بلبنان زمانا حسبته
نعيما، كذا في جنة الخلد ننعم
على قمم تسبيك من كل جانب
مناظرها والسحر فيه محوم
أسير وحيدا شاردا في ظلالها
ومن حولي الأشجار ظل مخيم
وللريح في الأوراق فوقي نغمة
وللشمس في الحصباء دوني تبسم
ومن تحت أقدامي وهاد كأنها
طراز من الغابات أخضر معلم
وصنين يبدو شامخا تحت ثلجه
كأن مراقيه إلى النجم سلم
مشاهد لو خيرت ما اخترت غيرها
بعيدا عن الإنسان والبعد أسلم
هنا كل شيء طاهر من شقائه
له الحب سور والسلامة معصم
ولا حسد فيها ولا حرب حولها
وليس بها لولا احمرار المسا دم
النادي السوري في الإسكندرية
في حفلة افتتاحه بحضور رجال الحكومة المصرية.
قل للذي بالأمس كان ينادي
أيكون للسوري يوما ناد
أيهب من سنة الخمول فينتضي
همما طواها اليأس في الأغماد
أتهزه يوما لأمر نخوة
وإذا دعا لباه ألف جواد
أبشر فبعض الحلم صح وحبذا
ما صح منه بعد طول جهاد
إخواننا هذا هو الطفل الذي
ولد الزمان لنا على ميعاد
إن لم نصنه بالتساهل والندى
لم نلق منه مبرة الأولاد
إخواننا عظة الزمان بليغة
لولا التآخي لم نفز بمراد
إخواننا ما ذاك مستشفى به
طربي ومدرسة لها إنشادي
جل الذي ظفرت به آمالنا
ناد، فكونوا ذخر هذا النادي
وتعهدوه بالعناية وليكن
عهد اتحاد بينكم ووداد
إن تثبتوا فمعزة وكرامة
أو ترجعوا فشماتة الحساد •••
يا مصر أنت اليوم أشهى مطلب
للنازحين وكعبة القصاد
ينسى بك السوري بهجة أرضه
وجباله في ظل هذا الوادي
لم يرو نيلك صاديا إلا انثنى
وشعاره هذي البلاد بلادي
ونجاد سيفك يستطيل بأحمد
بطل يعيد مفاخر الأجداد
هذا فؤاد الملك في صدر العلى
يدعو له في الصدر كل فؤاد
1918
خليل باشا خياط
رئيس النادي السوري في حفلة الأربعين
روح الخليل، وليس في ذا النادي
من ليس يذكر للخليل أيادي
رفي على هذي الرءوس وعلمي
معنى الخلود وألهمي إنشادي
مرت عليك الأربعون ولم تزل
ذكراك شاغلة لكل فؤاد
كالكوكب الوقاد تخبو ناره
ويظل نور الكوكب الوقاد
وفيت قسطك للعلا فلئن تكن
عريت من ثوب الحياة العادي
فلقد لبست الذكر عمرا ثانيا
لا خوف من هرم له ونفاد
لك في الحياة مواقف مشهودة
كم صلت فيها صولة الآساد
ومكارم لو رام شعري عدها
ضاقت قوافيه عن التعداد
لم ينسك الفقر الغنى فذكرت ما
في العيش من تعب وطول جهاد
وبسطت للقصاد كفك جاعلا
للنفس حصتها وللقصاد
كم من فتى أخنى عليه دهره
وبك استطال على الزمان العادي
ومهدد بالسجن راعك خطبه
فأغثته ونجا من الأصفاد
لم تحمل القيد اليدان وإنما
في عنقه قيد لفضلك باد
ما جاء نحوك حائر في أمره
إلا وكنت له الدليل الهادي
تسعى بلا أجر وحسبك لذة
إن قلت يوما إنه ابن بلادي
حلو الحديث فإن يضمك مجلس
رويت من خمر الحديث الصادي
وتقلب النظر البعيد فليس من
رأي تجيء به بغير سداد •••
هذي صفاتك يا خليل رثاؤها
فرض على الشعراء والنقاد
لو كنت أعرف بعضها لوجدتني
يوم الرحيل لها على استعداد
1
لولا مماتك لم تزل مدفونة
كالدر في غور السكوت الهادي
يحمي التواضع سرها ويصونها
عن رائح ألف الثناء وغاد
لك صورة في الذهن صورها لنا
كرم خرجت به عن المعتاد
نبكي ملامحها وما نبكي سوى
رجل ليوم كريهة وسداد •••
لمن الركائب بعد بعدك تنتضى
ضل الدليل بها وحار الحادي
يتساءلون عن الخليل وجاهه
وحصافة وضيافة ووداد
عفت الديار فلا الخليل براجع
يوما ولا عهد المنى بمعاد •••
أزعيمنا المحبوب هذي ساعة
جئنا إليك بها على ميعاد
ملء الصدور فما يهم إذا خلا
منك المكان بصدر هذا النادي
بيضت بالعمل الكريم رحابه
فغدا عليك مجللا بسواد
ومؤبنوك به يجيبهم الصدى
من سفح لبنان لهذا الوادي
زود بني البؤسى جميلا باقيا
واحمل من الرضوان أجمل زاد
1922
اعتراف
شعر طليق
إن أكن قد بحت يوما بالهوى
فللأنفاس السحر
بحت للريح التي تضحك أو تبكي
بأوراق الشجر
بحت لليل الذي أسهره
بين أحلام وذكرى
بحت للعصفور إذ أنشده
كلما غرد شعرا
بحت للنهر الذي يصغي إلي
كلما ملت بوجهي نحوه
صامتا في جريه متئدا
إن أكن بحت فقد بحت به
للصدى
إن أكن أحببت حبا خالصا
فلقد أحببت فاك
إن أكن أحببت حبا مؤلما
فهما
مقلتاك
إن كنت أحببت حبا لا يطاق
فهو ذاك الخصر مشدود النطاق
وهو ذاك الجيد والقد الرشيق
إن كنت أحببت حبا لا أفيق
منه، فهو الجسد
ناعم يتقد
قد تمتعت طويلا
بجمالك
وشفت نفسي غليلا
من وصالك
وأنا أطلب ذا اليوم وصولا
لخيالك ...
ڤولكشتين 1928
أسطورة نورية
ڤولكشتين، ومعناها صخرة الغيوم، جبل في النمسا يعلو على سطح البحر نحوا من ألفي متر، وفيه سهل فسيح ينبسط على مد النظر، ويخترقه نهر غزير يقال له «الأديج الأعلى»، وبعد السهل غاب فيه هضبة عالية شيد عليها فيما مضى من الأيام قصر لم يبق منه سوى بعض الجدران المتداعية.
ولهذا القصر قصة غريبة يتناقلها سكان تلك الناحية أبا عن جد، وقد رواها أحدهم للناظم بكل خشوع كما تروى أساطير الأبطال والقديسين، فنقلها إلى العربية شعرا طليقا.
على جبل تمشي الغيوم بظله
وتجري بعطفيه المياه جليدا
ويكتنف الغاب الكثيف ثغوره
كأن على تلك الثغور سدودا
ترى ما لڤولكشتين من أثر باق
أكان نبيلا أم زعيم عصابة
فتى شاد ذاك القصر في الجبل الوعر
فآثر أن يحيا بعيدا عن الورى
فليس يرى إلا متى شاء أن يرى
وتخدمه أعوانه خدمة الدهر؟
على كل حال لم يكن غير والد
أحب ابنه والحب ينهى ويأمر
أراد له عمرا طويلا ومنعة
ليجعل منه سيدا ليس يقهر
فلم ير خيرا من مجاورة النسر
ترعرع «أوسفالد» هناك وجسمه
يزيد نحولا كلما زاد حلمه
فلم تغنه فرط العناية صحة
ولا نال ما يرجو أبوه وأمه
ولا كان في شم الجبال له واق
رقيق شعور النفس أما دموعه
فسيل وأما قلبه فلهيب
تعشق ضرب العود يطرب غيره
به وتراه شاكيا متألما
كشمع يضيء الليل وهو يذوب
وكان على قرب من الحي نسوة
من اللاء لا يعرفن في الأرض موطنا
فيرحلن عن دار وينزلن غيرها
وسرعان ما تطوى الخيام وتنشر
فيعمر حي ساعة ثم يقفر
سوافر لا يعرفن وجها محجبا
ولكن دون النفس ألف حجاب
وإن ذكرت أنسابهن فلا ترى ان
تسابا لغير الماء والريح والثرى
وما نقلوا عن دفتر وكتاب
يزاولن علم الطب والبخت حرفة
فيعلمن منه غير ما الناس تعلم
ومنهن من يطرقن بابا لخدمة
فيأتين باسم مستعار لأنه
تقدس أسماء لهن وتكتم
كذا نزلت في القصر منهن مرة
عجوز تحلت بالذكاء وبالحلم
رأت ما بأوسفالد فقالت لأمه
ألا إن هذا الداء سهل دواؤه
ويا برد ما قالت على كبد الأم «سأكتب سحرا في يديه يصونه
ويمنع منه القلب أن يتأثرا» «فلا يصل الحزن الخفي لقلبه
ولا يذهب اللحن الشجي بلبه» «وإن مس عودا في يديه تكسرا»
وحققت الأيام صدق مقالها
فودع أوسفالد الأسى والأغانيا
وأنساه هجر العود كل صبابة
فبات عن الأشعار بالصيد لاهيا
فلا القلب خفاق ولا الجسم ناحل
وأصبح أهل القصر حول أميرهم
وأوقاتهم وقف على اللهو والأنس
وقد حسبوا الماضي دفينا وما دروا
بأن حياة المرء رهن بما مضى
وأن غدا من صنع يومك والأمس
فيا لك من قلب مع الدهر قلب
تسير بك الأهواء في كل مذهب
فلا أنت عند القرب حر ولا النوى
تحاول أن تسلو وفيك من الهوى
عواطف إن حم القضاء عواصف
تمر بك الساعات والفكر سابح
بتيارها مستقبلا ومودعا
تحييه منها موجة إثر موجة
ويبدو له التذكار حينا فينثني
إلى شاطئ التذكار يطلب مرجعا
فلا كان ليل شاق أوسفالد بدره
وما نال من صيد النهار مراما
فألهاه عن أتباعه ورفاقه
فآثر أن يبقى وحيدا وأمره
مطاع فعادوا دونه وأقاما
هنالك ما بين الخمائل والربى
مشى صامتا والفكر حيران شارد
وفي صدره سر من الوجد لم تبح
به بعد أعصاب الشباب الرواقد
وحاجة نفس ليس يدرك ما هيه
ومن حوله روح الوجود كأنها
تناجي صباه في النسيم وفي الزهر
وفي البدر فوق الماء يرقص نوره
وفي النهر خلف الغاب نام خريره
وفي كل ما يوحي له الليل من سر
فما هي إلا لحظة وإذا به
يفيق على صوت من الغاب مقبل
غناء شجي لم يكن في حسابه
فغار على الباقي له من صوابه
وحوم بالذكرى على قلبه الخلي
فأسرع نحو الصوت والغاب مغلق
ومن دونه الأغصان مشتبكات
كأن لم يكن قبلا شقيا بدائه
ولا اعترضته غيمة في سمائه
فماتت على أوتاره النغمات
هنا لا بد من تتمة الحديث نثرا لضياع باقي القصيدة، والذي أذكر أن أوسفالد أبصر مشهدا لم تقع عيناه من قبل عليه؛ فتاة كأنها من الجان أو حور الجنان، وسط خميلة من الورود البيضاء، تنقر على القيثارة وتغني وترقص، فبهره منظرها على ضوء القمر، وأحس أن سهما قد اخترق صدره هو انقضاض الصاعقة كما يقال. وذعرت الفتاة عندما رأته، ولكن أفرخ روعها عندما سمعت نغمة صوته العذب وهو يحييها، فمالت إليه ومال إليها، وسرعان ما استأنست به فتبادلا الحديث، وصار يختلف إليها كل ليلة فيسمع نشيدها ويشاركها في النقر على العود، ثم يبثها حبا دفينا وشوقا كمينا إلى أن عرض عليها الزواج فقبلت.
كل هذا وهو لا يعلم عنها شيئا ولا يعرف اسمها؛ لأن للنور عادات وتقاليد ، فحياتهم غامضة وأخلاقهم مجهولة وأسماؤهم مكتومة عن الغريب، وقد تسمي الواحدة نفسها حنة أو هيلانة أو غير ذلك، ويبقى اسمها الحقيقي سرا من الأسرار. وكثيرا ما يعرض عليها الزواج من غريب، فترفض ولو كان الخاطب أميرا؛ لأن للنور ملوكا وأمراء، فهم في حياتهم التائهة لا يغرهم مال أو جاه ولهم أرستوقراطيتهم.
ولكن الظاهر أن الحب هنا كان من أعظم العوامل التي جعلت الفتاة تخرج على تقاليدها، على أنها أبت أن تبوح باسمها لأوسفالد إلا بعد الزواج. أما أمه فخافت عليه إذا هي عارضت في هذا الزواج، وضربت موعدا له صباح الأحد، وانتشر الخبر في البلد ففرح الجميع لأميرهم وأخذوا يستعدون للعيد.
وكانت أم أوسفالد قد انتهت من إعداد هدية العرس، وأحبت أن تنقش عليها اسم العروس، ولم يبق لميعاد الزواج سوى يوم واحد، فلم ير أوسفالد بدا من الذهاب إلى الغاب، وهي نزهة تعودها كل يوم، عسى أن تلين حبيبته فتبوح باسمها. فما تجاوز غير بعيد حتى رأى بعض البدويات وقد اجتمعن للحديث، فإذا بواحدة منهن تلفظ اسمه وتقول لجاراتها: «غدا تزف أرتمويا إلى أوسفالد»، أرتمويا! إذن هذا هو الاسم المحبوب، أرتمويا، ما أعذب هذه اللفظة وألطفها وقعا على السمع! أرتمويا، يا لها من صدفة سعيدة أعطته مفتاح السر! وبدلا من أن يعود أدراجه ليطلع أمه عليه، أحب أن يكمل طريقه إلى الغاب ليفاجئ حبيبته وهو يظن أنه فتح فتحا مبينا. فلما انتهى إليها وصار على قاب قوسين أو أدنى، صاح أرتمويا، فأجفلت الفتاة وعلا وجهها اصفرار الموت وقالت بحزن يساوره شيء من الغضب: عرفت اسمي، فلا يمكن أن أكون لك. وقبل أن يحير جوابا ناولته القيثارة وأسرعت إلى الفرار وهي تقفز كالظبي، وهو يجد في إثرها حتى وصلت النهر، فغطست فيه وغطس وراءها واختفيا في عباب الماء.
وأشرقت شمس الأحد وقرعت أجراس العيد وأقبل القوم على الكنيسة وكلهم مشتاق لرؤية العروسين، وكانت الورود البيضاء تملأ الكنيسة من باحة الدار إلى الهيكل، والعروسان في الوسط، جثتان هامدتان على سرير من الأزهار، وبينهما قيثارة مقطعة الأوتار.
ڤولكشتين 1920
أنا وأنتم
خطاب ألقي في الجامعة الأمريكانية في بيروت سنة 1924، في حفلة مع مي زيادة جاء في مطلعه:
يا مي هذه ساعة الميعاد
فسلي فؤادك عن خفوق فؤادي
بي مثل ما بك وحشة وصبابة
ما بين لقيا ساعة وبعاد
تمشي إلى الوطن القديم خواطري
فتردها الذكرى لذاك الوادي
وأرى جلال سناك يا أفق الهدى
فأحار بين الصمت والإنشاد
قد جئت أحمل من جديد تحيتي
لك ما يحدث عن قديم ودادي
وأعيد أحلام الصبا بك بعد ما
مرت وما عهد الصبا بمعاد
ولقد هجرت الشعر حتى عقني
وبك استعنت فنلت بعض مرادي
وأصبت من وحي الشباب بقية
فنظمتها لشباب هذا النادي
وختامه:
قالوا لقد شاخ الزمان وما دروا
أن الحياة جديدة لا تهرم
وهي الغنية ما شكا من فقرها
إلا فقير القلب يعوزه الدم
يا هادم الآمال ماذا تبتغي
بنيانه بدلا بها إذ تهدم؟
اليأس مجلبة الخمول فلا تقل
عمر يزول إذا عداك المغنم
ما القبر غاية كل حي مثلما
زعموا فللإنسان غاي أعظم
أن يملأ الأيام من أعماله
فتظل بعد سكوته تتكلم •••
إخواننا ألعمر أوسع مطلبا
من أن يضيق به الفتى المتعلم
إن كان في النسب التفاضل فالورى
لا يعلمون من المفضل منهم
تلك الرءوس وهذه تيجانها
صاغت حلاها في التراب الأعظم
أو كان بالمال الفخار من الذي
خلق الجديد لباسه والمطعم؟
بعناصر الكون امتزجت فأنت من
فضلات غيرك آكل تتنعم
واللذة الكبرى إذا حققتها
هي ما به أفتى ضميرك لا الفم
أو كان للدين التطاحن بيننا
فأنا مسيحي كما أنا مسلم
لو يعلم الإنسان ما يسطيعه
بالحب لم يك في البرية مجرم
الحب أعذب ما يقال ويشتهى
وألذ ما نظم الزمان وينظم
فتمسكوا بصلاته وترنموا
بصلاته وأنا السعيد وأنتم
معهد العلم
قيلت في حفلة متخرجي الجامعة الأمريكانية في الإسكندرية يوم الاكتتاب المشهور.
معهد العلم وصرح الأدب
أي فضل منك لم يكتسب
جئت للخير رسولا، ناشرا
بين أهل الشرق علم المغرب
حاملا في ظلمة الفكر لنا
شعلة من قلبه الملتهب
أيها الربع الذي أحببته
وأنا عنه غريب النسب
1
كلما عاودني ذكر الصبا
هزني نحوك شوقا طربي
وبدا رسمك في ذهني كما
أنت في محضر تلك الهضب
فمن البحر بساط أزرق
ومن الرمل وشاح ذهبي
وعلى رأسك نور خالد
من توالي رصده للشهب •••
كلما عاودني ذكر الصبا
مر بي ذكراك عند المغرب
فإذا الزوار في ناديك قد
ملئوا صدر المكان الرحب
وبنوك الغر من حولك في
حلقة الفضل ورهط الأدب
وإذا المنبر يهتز لهم
طربا للشعر أو للخطب
ومن الجمع هتاف صاعد
ملؤه الإعجاب قبل العجب
ها هنا النبع الذي يسقي النهى
وإذا لم يسقها لم تخصب
لك في التعليم نهج لم يدع
طالبا يقعد دون الطلب
يدرس الأخلاق في أستاذه
قبل أن يقرأها في الكتب
أنت رمت العقل حرا مطلقا
لم يقيد بقيود المذهب
وأردت العلم مبنيا على
حرمة الصدق وكره الكذب
وجعلت الحب دينا واحدا
في حمى موسى وعيسى والنبي •••
يا لواء يخفق اليوم له
جانب الإفرنج قلب العرب
كم مشى في ظلك السامي فتى
شيخ علم وهو في العمر صبي
من ربى لبنان طفت الأرض، لا
غازيا، بل هاديا كالكوكب
إن ذا اليوم اكتتاب للعلا
فادع من شئت له يكتتب
كل دين قد يفيه ذهب
غير دين العلم فوق الذهب •••
قل لمن يسأل عن أنسابنا
نحن من يرضيك عند الحسب
أمنا هذي وما أحلى اسمها
وشعار المجد هذا: أي يو بي (A. U. B.)
هدية
أهداه صديق سلسلة وقلما من ذهب مع صندوقة أدوية نقالة، فكتب إليه:
أهديت لي قلما عليك وقفته
فلغير مدحك لا يجر أناملي
أهديت سلسلة غدت رمزا إلى
قلبي الذي قيدته بسلاسل
أهديت أدوية تعود على الذي
أسقيه باسمك بالشفاء العاجل
ما لي وجودك هل يجاري سيله
شعري وقد أغرقته في الساحل
حسبي صداقتك الثمينة إن تدم
وأعيذ مثلك من وداد زائل
1904
أخي
قيلت في حفلة الأربعين التي أقيمت للمرحوم إلياس فياض في التياترو الكبير بيروت سنة 1930.
أأخي، بكوك وأبنوك وأبدعوا
لكن قلبي لم يزل يتوجع
أصغي إلى إنشادهم فيطيب لي
وأفيق من سحر البيان فأجزع
ما لي وللأيام فيك أعدها
كل الزمان تذكر وتفجع
أبدا أراك على فراشك، والضنى
يسقيك ملء كئوسه ويجرع
فمن النعاس على جفونك غمرة
ومن الشحوب على جبينك برقع
والجسم منحل العزائم، مثقل
بالداء، مكلوم الفؤاد، مضعضع •••
أبدا أراك على فراشك صابرا
ويكاد يعصيك اللسان الطيع
وتود لو عاد الزمان مسالما
يعطيك من بسماته ما يمنع
لتعيد عهدا لليراع سما به
للزهر تنظمها لنا وترصع •••
أبدا أراك وأنت تنظر لي وفي
نظراتك النبأ الذي لا يخدع
وتبيت تسألني، ونبضك هارب
من أنملي، هل في شفائك مطمع؟
وأرى دبيب الموت فيك فأنحني
متبسما، وحشاشتي تتقطع •••
أبدا أراك، ويا لها من رؤية
نزل القضاء وكان ما أتوقع
قد أطبقت منك الجفون، وعطل
القلب الحنون، وغاض ذاك المنبع
فطويت يا رسم الحبيب وكنت في ال
أفق الرحيب مع الكواكب تلمع
نثروا الزهور على السرير وكفنوا
جسدا ثوت فيه المكارم أجمع
بل هيكلا هجر الإله مقامه
فيه فأصبح وهو قفر بلقع •••
يا أيها الألم الذي لا ينتهي
يا أيها النير الذي لا يخلع
يا منجلا بيد الليالي مرهفا
يمشي على آمالها ويقطع
إن كنت ذا ظمأ فهلا ترتوي
أو كنت ذا نهم فهلا تشبع
تلوي على الجبل الأشم فينحني
وتمر بالبحر الخضم فيخشع
وجماجم الأجيال تحتك تشتكي
وإليك من ظلماتها تتطلع
كم غارة لك في الشباب دفعتها
واليوم جئت ولا شباب يدفع
لم يبق من شمسي شعاع ضاحك
فانشر غيومك ما تشاء وتطمع •••
يا شاعر الإحساس كم من شاعر
بلغ السها، في الترب مثلك يودع
يخفي ظلام القبر طلعة وجهه
ولروحه في كل أفق مطلع
رويت عصرك بالدموع فأصبحت
منها كئوس الشاعرية تترع
وأضفت للقيثارة الكبرى بها
وترا ترن على صداه الأضلع
ما أدمع الشعراء غير عواطف
غنوا بها بؤس الحياة وسجعوا
يغذون من دمهم فيسبق شاعر
في سكبه لهم وآخر يتبع
وتفرق الأقدار بين عظامهم
حتى إذا بلغوا الخلود تجمعوا
أأخي عهدتك للقوافي حافظا
عهدا، وهذا يومها أفتسمع
تشتاق منك هزارها الصداح في الن
نادي ويوحشها الخطيب المصقع
نظم الوفاء بديعها لك مثلما
قد كنت تنظم للوفاء فتبدع
من لي بروحك أن تشارف منطقي
ويضمها نحوي الفضاء الأوسع
لأقول فيك وفي الثناء عليهم
شعرا يردده الصدى ويرجع
أي عصبة الأدب التي أحببتها
حبي له ولعله بي يشفع
حملتموني في مصابي منة
ثقلت علي فما أقول وأصنع؟
ملك الأسى قلبي، وأعيا شكركم
لبي، فليس لدي إلا الأدمع
1930
ومن قصيدة في ختام خطاب:
لي صيحة حبست بقلبي الدامي
فنسيت من ألمي بها آلامي
وطني يهدمه الشقاء ولا أرى
كفا تطيح بمعول الهدام
الطائفية قطعت أوصاله
وسياسة الأحزاب والأرحام
نفخ التعصب فيه أسوأ نافخ
ورماه بالتفريق أبشع رام
وكوارث الحدثان لم تترك له
من جسمه الجبار غير عظام
إخواننا طال الكرى أفيقظة
تجلو ظلام الشك والأوهام
لنرى حقيقة ما يجر من الأذى
بغض القلوب وفتنة الأحلام
ما أخطأت هدف المعالي أمة
حلت مشاكلها بغير خصام
أيخيب شعري عندها وأنا الذي
أرسلته فيها رسول سلام
رويت من نبع الإخاء قريحتي
وجلوت في ضوء الرضى إلهامي
لي في هوى وطني كتاب خالد
يبقى على المكتوب من أيامي
سجلت نصرانيتي في متنه
ونشرت بين سطوره إسلامي
فإذا دعوت إلى الوفاق فإنني
أدعو بحق الحب وهو مدامي
أفرغته في مقولي ويراعتي
وجعلت منه بدايتي وختامي
تمثال الأمير
قيلت في خلده عند رفع الستار عن تمثال الأمير فؤاد أرسلان.
أرأيته وقد استوى الضدان
صلب الجماد ونضرة الإنسان؟
شمس الأصيل تلوح في برديه، أم
هو نوره طفحت به العينان
أم تلك نار ضلوعه ردت له
في المعدن المصهور بالنيران؟
يا حاملا لبنان طي فؤاده
هل كنت إلا القلب من لبنان
هذا مثالك، والضريح إزاءه
فكأنه فوز على الأكفان
فوز على لحد طواك فما طوى
إلا التراب بظلمة النسيان
ولئن صمت فدون صمتك لم يزل
صوت الخطيب يرن في الآذان
حتى يخال الناظروك بأنه
شفتاك هذا اليوم تختلجان •••
أفؤاد ، والإخلاص فيك سجية
أنظر تر الإخلاص في الإخوان
يوم الرحيل بكوك واحتفلوا له
واليوم للقيا احتفال ثان
سلبتك منا الأرض في آذارها
فغلبتها ورجعت في نيسان
وأقمت في صحراء خلدة هيكلا
للمجد يرعى نوره القمران
ترنو إلى البحر المحيط محدثا
كالموج عما فيك من جيشان
وتبث في الغاب الخلي كوامنا
من حرقة في صدرك الولهان
أعيا أباطيل الحياة وردها
حب تأصل فيك كالإيمان
حلقت في آفاقه متجاهلا
خطر الصواعق وهي منك دوان
وكذا السياسة لا تراعي صاحبا
جعل الكرامة فوق كل مكان •••
أهلت بقربك خلوة أحببتها
فكأنها ملأى من السكان
في جوها وصخورها ورمالها
أثر من المعروف والإحسان
يفد الحجيج إليك تحت لوائها
مستمطرين سحائب الرضوان
يتذكرون وهم وقوف خشع
في ساحتيك، مواقف الشجعان
أيام كنت، وأنت في نوابهم
سيف رقيق الشفرتين يماني •••
اليوم سالمك الزمان فبت في
حرم تصان به من الحرمان
فتطيب روحك في ربى لبنانها
وترف في الوادي وفي البستان
تلقي على الأوطان درس مجاهد
لم يرض غير العز للأوطان
درس إذا فات الشيوخ بأمسهم
فغدا يرد صداه في الفتيان
لبنانكم وطن الجميع فوحدوا
مسعاكم فيه إلى العمران
لا تفرقوا درزيه عن جاره
لا مسلم فيه ولا نصراني
أفؤاد نحن على ولائك لم نزل
يرعى القصي عهوده والداني
يفني الزمان الجسم أما ذكرك ال
غالي فليس على الزمان بفان
زهرة الإحسان
قيلت في حفلة المدرسة السنوية، وكان الناظم قبل مغادرته ببيروت طبيبا للمدرسة.
لي غادة حسناء، رومية عرباء
فتانة الأسماء، قلبي بها ولهان
قد مر من عمري عشرون في الهجر
ولم يزل فكري بذكرها نشوان
أتيت ناديها فلم أجد فيها
من حسن ماضيها شيئا على نقصان
تثقف الأحلام، وتحضن الأيتام
وتنشر الأعلام للبر والعرفان
أربت على الخمسين، ولم يشبها شين
وشبت قبل الحين وهي كالشبان
إن أنكرت رسمي ما أنكرت نظمي
أي معهد العلم، كم فيك لي من شان
هل تذكر الطبيب، أم تذكر الخطيب
كلاهما كئيب، مما تقاسي الآن
من ضيق بنيانك، من عري جدرانك
من فقر سكانك، من قلة الأعوان
فلينظر الغريب، وليذكر القريب
نظافة الحبيب ليست من الإيمان
يا معهد التعليم، وموطن اليتيم
من مجدك القديم، نور على لبنان
لو أن أقوالي تغني عن المال
نظمت للحال في وصفه ديوان
دومي على الدهر، مرفوعة القدر
محمودة الذكر، عابقة العطر
يا زهرة الإحسان
ومثلت في زهرة الإحسان رواية الحبل في العنق، فقال فيها وفي الممثلات:
في زهرة الإحسان عطر ناعم
تفنى عطور الزهر وهو الباقي
ما استنشقت روحي شذاه مرة
إلا ذكرت الله في استنشاقي
وحمدت مدرسة إلى أحضانها
يأوي شهيد البؤس والإملاق
طبعت على صدر اليتيم خيالها
وحوته من ألحاظها بنطاق
فضلوعه في غرسها، ودموعه
في كأسها، والروح في الأوراق
وممثلات عطرت أنفاسها
أنفاسهن فزدن بالإحراق
طاف الجمال بهن فهو مخيم
في الثغر والوجنات والأحداق
يختال بالأدب الصحيح لواؤه
ويزينه تهذيبهن الراقي
والحسن في الأجسام غير متمم
إن لم يتم الحسن في الأخلاق
أسمعنني نغم البلابل في الربى
فازددت أشواقا على أشواق
وسكرت من خمر الصبابة بعدما
ذهب الشباب بها ومل الساقي
فعرفت بعد تجاهلي أن الفتى
ما عاش رهن فؤاده الخفاق
وغدوت بعد «الحبل في العنق» امرأ
يهوى بقاء الحبل في الأعناق
المدرسة الأهلية
في حفلتها السنوية
دعيني من الجيد والمعصم
ولحظ سللت فلم ترحمي
ولا تذكري لي رماح القدود
وورد الخدود ودر الفم
هو الحسن في العقل قبل المحيا
فحلي حديثك ثم ابسمي
ومن خلق ناعم فالبسي
حريرا على الجسد الأنعم
ولا تأمني نضرة في الخدود
إذا هي للقلب لم تنتمي
وحسبك يا هند روح ترف
من الطهر في ثوبها المعلم •••
فتاة بلادي دعاني الوفا
فجئت إليك بقلب ظمي
أردد ذكرك في خاطري
وأنشد روحك في الأنجم
وأصبو لربع عليك حنا
يغذيك من روحه والدم
رضعت به العلم ملء الجنان
فحان لك اليوم أن تفطمي
وكل فطام له موسم
وهائنذا جئت في الموسم
أذوق بك الأدب المستطاب
وأرشف من كأسك المفعم
وأنشد يا ليل فيك النعيم
فبالله يا صبح لا تهجم
ولولاك لم يحل لي منبر
ولا كنت بالشاعر الملهم
تبلج ثغرك عن دره
فأومض في فكري المظلم
نظمت لعيدك منه العقود
وكم مر عيد ولم أنظم
ألا يا حمائم وادي الجميل
جميل بواديك أن تنعمي
عليه تعلمت أن تخفقي
ومنه تعودت أن تحلمي
وعشك فيه فلا توحشيه
بهجر طويل المدى مؤلم
تزودت منه كريم المنى
فعيشي بذكر له أكرم
وطيري على ضوئه في الحياة
وعودي إلى ظله فاحتمي
ومن حبه فخذي جرعة
لحب بلادك تروي الظمي
فكل دروسك ليست تفيد
إذا هي بالحب لم تختم
مهرجان المتنبي
خطب فيه الناظم «هل كان المتنبي مجددا؟» وتجد خطابه في الجزء الثاني من «على المنبر»، وقد بدأ خطابه بهذه التحية لدمشق.
لبنان يسكب في جفون الشام
قبلا كذوب الطل في الأكمام
قبل الشقيق إلى الشقيق حملتها
ومزجت فيها صبوتي وهيامي
قالت تحب الشام، قلت وهل سوى
بردى يبرد يا شآم أوامي؟
الشرق شرقي أين لاحت شمسه
ودم العروبة في دمي وعظامي «لي في هوى وطني كتاب خالد
يبقى على المكتوب من أيامي» «سجلت نصرانيتي في متنه
ونشرت فوق سطوره إسلامي» •••
أتقوم سوق عكاظ تحت سمائها
وأعافها وابن الحسين أمامي
هو ثار ثورته فهل من شاعر
ليعيدها في دولة الأقلام
نبغي الجديد وما الجديد بنافع
إن لم يكن في القول والإلهام
وختم بهذه الأبيات بلسان المتنبي:
سفرة في الحياة
يا لعمر مشيا فيه معا
جسدي النازل من شهوته
سلم العار وروحي السامية
يا لعمر مشيا فيه معا
مشيا، كل إلى غايته
مثل خصمين، ولم يختصما
فهو لا يشبع من لذته
وهي، لا تعرف إلا الألما
يا لعمر مشيا فيه معا
المعاصي من نصيب الأول
وكفاف الزهد حظ الثانيه
غره المال وطيب المنزل
وبها سر دفين
وحنين
لسماء البادية
وحديث الساقية
والليالي الصامتات النائية
يا لعمر مشيا فيه معا
عاش من أطماعه في لجب
بين شك وحذر
وقعود وسفر
وتحد للقدر
يتباهى، طالبا مل
كا وجاها، وحلاها
زهرة من أدب
هي فخر العرب
يا لعمر مشيا فيه معا
أبغض الناس كثيرا وأحبا
وأراد العيش حربا
قلم ينفث سحرا وفم
وحسام ليس يرويه دم
وعتاب وهجاء
ورضى بعد جفاء
فهو ما بين السحاب
والتراب يتقلب
وهي من خلف الحجاب
تتعذب
يا لعمر مشيا فيه معا
إن يكن في سيره ضل السبيل
ورماه الطيش في ليل عنيف
فهي لم تبرح مع الأفق الجميل
تسحب النور على ذيل عفيف
يا لعمر مشيا فيه معا
رفعته فهوى
قومته فالتوى
ضاع منها في أعاصير الهوى
فإذا ما حملت معه ذنوبه
فهي لم تبرح من الله قريبه
ولقد مات غريبا
مثلما عاشت غريبة
جسدي النازل من شهوته
سلم العار وروحي السامية
مبضع وقلم وسيف
رثاء الدكتور نجيب صليبي حاكم الفليبين
يا شعر جد بندى رطيب
أروي به قبر النجيب
قالوا غريب الدار غا
بت شمسه قبل الغروب
قلت الذي ملك البيا
ن وكان مفخرة الشعوب
ومشى اسمه في كل قط
ر لا يسمى بالغريب •••
ما القبر في حجر يقا
م وزخرف الفن العجيب
هو للبطولة حين تن
شد في الخواطر والقلوب
فينير من أفق الضمي
ر دجى المشاكل والخطوب
ويخط نهجا للأدي
ب إذا التوت طرق الأديب •••
إني أرى حدين يس
تبقان في كف الطبيب
قلم يسيل، ومبضع
ما جف إلا عن خضيب
هذا إلى الجسم المصا
ب وذاك للرأي المصيب
قطرات حبر أو دم
نزلت على ترب خصيب
سوداء أو حمراء غا
يتها القضاء على العيوب
علم النبوغ يرف بالل
لونين في الأفق الرحيب •••
يا موحشا لبنانه
من قبل ذا السفر الرهيب
1
أنا إن رثيتك لا أقل
لد أو أبالغ في النحيب
لا البدر هاو من ذرا
ه ولا الطبيعة في شحوب
لكن لحنا للمكا
رم نام في الوتر الطروب
يتألمون له إذا اف
تقدوك في اليوم العصيب
هي دمعة جمدت على
شفة المرتل والخطيب •••
في ذمة التاريخ ما
قدمته يا ابن الصليبي
علما وإقداما وتض
حية وحبا للقريب
ذكر يطل من الحبي
ب مجددا رسم الحبيب
يمشي على نغمات عو
د أو على نفحات طيب
الليل
نظم قسم منها في بيروت في خطاب للمرحوم نجيب مصور، وقد كلفه بها، ثم زيد عليها وألقيت في مصر في خطاب عن الألم.
يا فحمة الليل كم أضرمت بي نارا
وهجت تحت رماد القلب أسرارا
وكم سدلت على عيني ستار دجى
وما رفعت لعين الفكر أستارا
هل أنت يا ظلمات الكون شاعرة
بحر أنفاس صب فيك قد حارا
بشاعر هام في نجواك ملتمسا
وحيا ليملأ سمع الدهر أشعارا
الكون في حضنك الهادي ينام وفي
جنبيه قلب حماه النوم مختارا
من دونك البحر عمقا والسما سعة
والصمت صمتك نام الكون أو ثارا
والموت أقرب شيء شبهوك به
لو أن للموت إقبالا وإدبارا
هذا جبينك لا طي يجعده
وكم طويت به ناسا وأعمارا
تنهدات الورى، ما تصنعين بها
قولي وهل تحفظين السر أدهارا
وما تقول لك الأحلام طائرة
من الجفون إذا طيف الكرى طارا
وأين تخفين نور السابحات على
متن الأثير إذا ما عرشك انهارا
تغوص في بحرك الداجي وتطلع أم
تطوي إلى الشاطئ المجهول أبحارا؟ •••
يا ليل، يا ليل، كم ناداك من طرب
صوت المغني فما حركت أوتارا
إن كنت للراحة الكبرى خلقت فكم
أرحت عينا وكم أتعبت أفكارا
وكم قتلت ضميرا كان يخفق في
جو النفوس فغارت عندما غارا
ليل المحبين هل هذي عيونهم
ناموا فأطلعتها في الليل أقمارا
وهل تطل على الآلام بعدهم
أم ترسل النور للأحباب تذكارا •••
تزحزحي يا غيوم الأفق وانقشعي
وأرسلي يا عيون الأفق أنوارا
بل فاحمليني على أشباه أجنحة
حتى أرى غير دار البؤس لي دارا
أودع القطعة اللحم التي أسرت
روحي وأصبح في الآفاق سيارا
فلا أرى الدم فوق الأرض مندفقا
والبغض يضرم فيها النار والعارا
1904، 1918
وداع الإسكندرية
قيلت في حفلة التوديع التي أقيمت للناظم في النادي السوري في الإسكندرية سنة 1930.
لا تعذليه إن رأيت ذهولا
إن الفراق عليه كان ثقيلا
عشرون عاما في حماك طويتها
ووضعت حبي فوقها إكليلا
أمل الشباب، ودمعه، وجهاده
خلفت سترك فوقها مسدولا
ورجعت منك بوحشة وصبابة
زاد المحب إذا أراد رحيلا
يا مبسم الوادي ودرة ثغره
كم أشبعتك قصائدي تقبيلا
في جوك الصافي وفجرك والدجى
والروض عباق النسيم عليلا
وشواطئ أمواجها سرب القطا
يسمعنها بدل الهدير هديلا
كم وقفة لي فيك أستوحي الهوى
وأطارح البحر الحديث طويلا
ويظل ملح هوائه يروي دمي
حتى يذوب بأدمعي ويسيلا
هذي نجومك سوف أرصدها إذا
ما بت في الجبل الأشم نزيلا
لأراك في نجواي غير بعيدة
وأرى لقربك في السماء سبيلا •••
يا عهد أحبابي عليك تحية
هل كنت إلا مطلعا وأفولا
لي في كتابك للصداقة حجة
سجلتها بيد الوفا تسجيلا
فقرأت منها في وجوه أحبتي
هذا المساء حواشيا وفصولا
ما كنت أحسب للفراق حسابه
لو لم يكن قلبي بهم مأهولا
لو لم تكن مصر التي أحببتها
وعشقت خضرة أرضها والنيلا
فحملت في نظري جمالا خالدا
منها وفي عنقي حملت جميلا •••
في ذمة الخطباء جهد قريحة
فضحوا بها يوم الوداع زميلا
ما كان مغلول اللسان وإنما
ترك الفراق فؤاده مغلولا
والشعر يا أمراءه، لم يبق لي
من بعدكم شوط به فأجولا
هذي قوافيه وتلك بحوره
قد ملكتكم عرضها والطولا
طلعت قصائدكم علي روائعا
أرأيت عند طلوعه الأسطولا
تجري قذائفه سلافة حكمة
ويكون قصف رعوده ترتيلا •••
يا مصر صنت هواك بين جوانحي
وتركت بعدك مدمعي مبذولا
لو لم يكن لبنان قبلة ناظري
لم أتخذ يا مصر منك بديلا
الأرض تخاطب الإنسان
نظمت هذه القصيدة في عرض الكلام عن التجديد في الشعر (انظر: على المنبر ج1) مثلا خاصا للتساهل في الجمع بين الأوزان المتقاربة، وفي القافية. وللتوسع في استعمال الألفاظ على غير معناها المفهوم.
لقد شبت، وما شبت
تقول الأرض للناس
فمن شرق إلى غرب
ومن قطب إلى قطب
ومن رأسي لأطرافي
يمر الدهر كالحلم
على جسمي
فلا يوهن من عزمي
ولا يرهق أعطافي
وكيف أصاب بالهرم
ومن ذهب الضياء دمي
وأمي الشمس في الفجر
بقبلتها على ثغري
تجدد حر أنفاسي
صحبت ذنوب الزمان فلم
أجد مثل يومي وآفاته
جنون على رممي زحفه
وفي أضلعي وقع ضرباته
يلذ ضرب المعول
يقول لي
أنت الغذاء والمنى
يا أمنا
لا تبخلي
وأما ضربة العار
لسلب معادن الأرض
وسكب سلاحها الناري
على الأطماع والبغض
فما لي بعدها آس •••
حملتكم على صدري
وفي الأنواء مضطربي
وتحت سنادس خضر
كتمت لظى تأجج بي
وفوقي النار تستعر
أثرت شواظها القاني
فثار عليك يا جان
وطاف بربعك الناعي
فما للأم من حام
وما للأخت من راع
وطفلك مهده دام
تناغيه وتحتضر
تركت عليه من أمل الر
رجوع شعاع محترق
وطيف اليتم في العيني
ن لم يترك سوى الأرق
يناجي ظلمة اليأس
ألا في ذمة الله
خيال لاح للسلم
أطل بنظرة الساهي
وطار بخفة الحلم
فما كحلت أجفاني
فرشت له على جنبي
وثير مطارف الحب
فأسرع دونه المدفع
وخرب ذلك المضجع
وغطاه بأكفان
وكانت بهجة العيد
فلم يترك على بابي
سوى الأعياد للدود
وعن قيثارة الغاب
أناب أنين أرماسي
لقد شبت وما شبت
تقول الأرض للناس •••
يا لسحر حملته في جبيني
من ربيع الآمال والأيتام
وعناق السماء في زرقة البح
ر وفي خضرة الشعاع النامي
واختلاج الفضاء والليل يمشي
حافيا في السهول والآكام
ورماد الضياء يذريه فوقي
قمر ساهر على أحلامي
وصلاة تعلو مع الموج والري
ح على زفة من الأنغام
وشذا السكر عابقا في برودي
من مدام الهوى أو الأوهام ...
صور للجمال شوهتموها
بدخان من حالك الآثام
أطفأ النور في الثغور وألقى
شبح الجوع في العيون الدوامي •••
ما لنجوى الأسلاك لا تستفز ال
يوم أصداؤها سوى آلامي
ولخط الحديد أرجف من قض
بانه وهي أضلعي وعظامي
والجواري، من الضفاف إليها
نظرات ليست حديث هيام
وعلى الطائرات ألف سلام
يوم كانت لراحتي وسلامي
رسل الفقر والدمار وقبلا
حملت ثروتي وصانت حطامي
وإلى هذه المخازي انتهيتم
بعد نهك العقول والأجسام
وعصور من ظلمة وشقاء
وخنوع وثورة وانتقام؟
بئس عمرانكم وحكمة جيل
أفسدته سياسة الحكام •••
ألا فارجع إلى داري
وإن شطت بك الدار
ولا تهزأ بأسراري
ففيها النور والنار
لمن يؤمن أو يسعى
أليس الجوع والحب
مدار حياتك المرة
فحسبك فيهما حسب
بساطة عيشة حرة
وجود ينصف الزرعا
إذا ابتسمت على ثغري الأماني
فهل تبقى سماؤك مكفهرة
وما معنى الحلاوة في دناني
إذا كانت على شفتيك مرة
عصرت من دم قلبي
في كأس حبك خمرا
فما تمليت حبا
ولا تذوقت عصرا
أكلما فاض رزقي
بدلت باليسر عسرا
فتحرق الزرع شهرا
وتمنع الزرع شهرا •••
وضعت القيد في نحري
فضاعت فيك آمالي
ورحت تزيد في فقري
تريق دمي على قبري
تمزق شمل عمالي
إلام إلام يا عاتي
تحول عنك خيراتي
وتغرق بالدم الزاهي
بساتيني وجناتي
وتجحد نعمة الله
لقد غامرت في الحرب
بآمالي وأموالي
وكانت معك لي حال
فلم تثبت على حال
ولم تشفق على شعبي
فأين المنقذ الفادي
يعيد إلي أمجادي
وينشر في دجى الحقد
على الباقين من ولدي
شعاع الرحمة الهادي
بقوة ساعد حر
يدير الرفش والمعول
وثورة فتية غر
يلين لعزمها الجندل
عساك تلين يا قاس
لقد شبت وما شبت
تقول الأرض للناس
الشاعر والمومياء
الشاعر :
يهنيك نومك يا ابنة الأزمان
في القفر يرعى ليلك الهرمان
هل أنت آسفة على عمر مضى
أم أنت ناعمة بعمر ثان
بدلت بالقصر التراب، وبالشذا
ملء الإزار، القار في الأكفان
نزعوا فؤادك فاسترحت من الهوى
وسكنت بعد الوجد والخفقان
تمشي العصور وأنت واقفة فلا
تتأثرين لنازح أو دان
وتقوم حولك صيحة الدنيا فلا
ترتاع منك لسمعها أذنان
المومياء :
أمريد سر سكينتي لا تغترر
فأنا بها أشقى وغيري الهاني
لا ينفع الميت البقاء فليته
ما كان في الأحياء من أبقاني
بل ليتهم طرحوا رفاتي في الفلا
لوحوشها نهبا وللعقبان
أو في التراب أصير من أجزائه
والريح تذريني بكل مكان
فأعود للكون الذي فارقته
ويجدد الدهر الجديد كياني
تلك الحياة، وليس ما ضمختم
جسدي به وكحلتم أجفاني
في ظلمة القبر السحيق ومهجة الص
صخر العميق يبيت جسمي العاني
لا النيل يرويني، ولا بدر الدجى
يوما ينير شعاعه جدراني
جاري أبو الهول المقيم على المدى
سهران فوق رماله يرعاني
أخذ العصور بصدره فكأنما
عيناه في الإعصار غائرتان
وأبيس في أوج الضريح محلق
فوقي ولا يقوى على الطيران
1
وحيال قبري كل آن ضجة
تطوي إلي مراحل النسيان
طورا أنين العاصفات وتارة
إيقاع دمع العارض الهتان
والريح تسحب في العراء ذيولها
ما بين نقع ثائر ودخان
كل يناديني فتخفق أضلعي
لصداه تحت لفائف الكتان: «قومي فقد دعت العناصر والبسي
حلل الطبيعة وامرحي بأمان
نحتل من جسم الوجود صميمه
ونشارك الأفلاك في الدوران
قومي لعلك زهرة البستان، أو
روح تحرك زهرة البستان
ولربما اتخذت محاجر كاعب
منك الفتور للحظها الوسنان
كم من دم عصر المدام وأعظم
صاغت عناصرها حلى التيجان
ومجنح هز الغصون، فمذ هوى
ردت جوانحه إلى الأغصان
2
ما أنت عبر الكون إلا آلة
يعتدها في معمل العمران
بل قطرة من بحره وشرارة
من شمسه في الهيكل الإنساني»
الشاعر :
يا عبرة الأيام جئتك لاهيا
فرجعت منك بحكمة وبيان
شكواك للإنسان قائلة له
لا تغترر بالعلم والعرفان
تبني ويهدمك الزمان وهكذا
يبقى البناء وليس يبقى الباني
إن الحياة جناية، أفما كفى
حتى أردت خلودها يا جان
عللت نفسك بالدوام، فلم تدم
إلا الشناعة في مثال فان
الأعمى الجائع
أقامت جمعية إغاثة العميان برئاسة السيدة شمس سعد حفلة خيرية في سينما روكسي، وطلبت من الناظم شعرا يقال في الحفلة، وقد ألقت الأبيات السيدة لوريس بريدي، وهذا ما بقي منها في الذاكرة:
الفجر حول سريره يتبسم
والفجر في عينيه ليل مظلم
تمشي أشعته على أهدابه
فيردها عنه ستار محكم
وتنيره الأقمار كل عشية
لكن منظرها عليه محرم
ذهب القضاء بنجمتيه فما الذي
توحي إليه شمسه والأنجم
هذا هو الأعمى، وحسب فؤاده
جوعا فكيف به إذا جاع الفم
شفتاه تحترقان مثل جفونه
لا الدمع يطفئ من لظاه ولا الدم
هذا هو الأعمى الذي شرفتمو
هذا المكان لأجله فشرفتم
سيظل ذكر جميلكم في قلبه
نغما على الدنيا به يترنم
الصامتون
كان أحد الأدباء في مصر قد أرسل إلى الناظم - وهو في الإسكندرية - أبياتا بهذا العنوان لشاعر إنكليزي مشهور وسأله ترجمتها شعرا عربيا، وهي هذه:
كم رمى الدهر من يراع وعود
ففجعنا بمنشد ونشيد
ووقفنا على القبور نحيي
من دعاة القريض كل شهيد
ونسينا تحت الثرى غرباء
حملوا «صامتين» ثقل الوجود
لم يبح منهم بشكوى لسان
ربما كان من ملوك القصيد
لهف قلبي على بلابل ماتت
ما سمعنا لها صدى تغريد
لا تخصص بالدمع من غاب عنا
تاركا ذكره بكل صعيد
وابك قوما أقلامهم لم تعبر
عن مآسي أحلامهم والعهود
كلل الشوك هامهم ثم ساروا
لفناء، وغيرهم لخلود ...
تحية القدس
كانت جمعية اتحاد الشبان المسيحيين قد دعت الناظم إلى القدس لإلقاء محاضرة فيها، فافتتح كلامه بهذه الأبيات:
أرض النبوة والحديث المنزل
أوحي إلى قلبي البيان ومقولي
الحكمة الغراء منك معينها
وهديل شعرك في المتيم والخلي
داود تاج الملك فوق جبينه
وبكفه قيثارة المتوسل
والجو هيمنة تذيع على الملا
أنغام أوتار الحكيم الأول
روى دم الفادي ثراك وعطرت
برديك أنفاس النبي المرسل
ما رومة البلد المخلد ذكره
فيك الخلود، وأنت أطيب منزل •••
الله في جمعية قامت على
إيمانها بالله والمستقبل
لما رأت عهد انحطاط عهدها
هبت لترقية النفوس إلى عل
وبنت لها في الشرق أفخم معهد
فكسا جمال الروح صم الجندل
أحيا سليمانا فهل لي وحيه
حتى أكون خطيب هذا المحفل
غذيت من «أمثاله» لهدايتي
ورويت من «إنشاده» لتغزلي
وذكرت هيكله فجئت مسلما
وهديتي من عطر أرز الهيكل
يا ليل
خفف الوطء عليا
علني أفهم شيا
منك يا ليل
كلما أطلقت فكري
فيك يجري
كنت كالخابط في أمواج بحر
تحت عمق
يتلوى مثل قيد حول عنقي
وبأذني طنين لا يبين
من هدير الشر، وصراع القدر
كلما أنعمت فيك النظرا
لأرى ما لا يرى
خلت أني بالغ تلك الحدود
والسدود
خلف غابات الظنون
فإذا بي حاسر الطرف كليل
دمك الأسود في عيني يسيل
حرقا تحت الجفون •••
إنني أسمع همسا وأخال
أن لليل شفاها
تملأ الظلمة آها
وأحاديث طوال
أترى هذا صدى للقبل
تركته سكرات العاشقين
أم صلاة من قديم الأزل
لم تزل ترهف سمع العابدين
أم هو الوحي رسول الأمل
وحبيب المنشدين
أم عتاب
وحساب
في ضمير المجرمين
أم معاد ونشور
للقبور
تلتقي فيه العصور
بين شكوى وحنين؟ •••
طلع البدر يشق الحجبا
معجبا
فالغيوم
كلحاف
قطنه مندوف
أو قطيع من خراف
أبيض الصوف
والنجوم
في السماء
تخفض الطرف حياء
وعلى الأرض بياض الكفن
وصلاة الزمن •••
ما نجوم الليل إلا
مقل ترنو إلينا
مقل الأموات ممن
ذكرهم غال علينا
فإذا ما الشمس غابت والدجى
غمر الأرض أمانا وحنانا
أقبلت من عالم الغيب علينا
لترانا
يا نجوم الليل من تلك الثقوب
أرسلي النور إلى قلبي الكئيب
واغمري بالوحي روحي علها
ترتوي من ظمأ فيها غريب
وليكن يا ليل في صمتك لي
صيحة تنفذ أعماق القلوب
عندما أروي أحاديث بلادي
وبعادي
حاملا أوراق غاري
نحو دار غير داري
يعرف الناس بها قدر الأديب ...
وليكن يا ليل في صمتك لي
صيحة تنفذ أعماق القلوب
أبعث الشعر بها بين الملا
ينشر الحب ويحيي الأملا
ويظل الليل ستار العيوب
1939
أثينا
أذيعت من راديو الشرق يوم انتصار الأنصار.
حدثينا عن العلى حدثينا
فلواء الأنصار فوق أثينا
حرروها فحرروا صفحات
عز فيها التاريخ دنيا ودينا
بلد الظرف والأناقة والفك
ر ومهد الأبطال والخالدينا
ومنار الحرية البكر لما
فجرتها الدماء من «سلامينا»
يا لها ذكريات عهد قديم
لم يزل مجده يضيء القرونا
يوم كانت سلطانة البحر بحر الر
روم والفرس دونها صاغرونا
يوم كانت جيوشها تزرع الأر
ض أمانا وحكمة وفنونا
ولها في مجالس الأنس جيش
آخر يزرع الحياة مجونا
جيل أسبازيا وفدياس والسم
مار والعازفين والمنشدينا
وعلى الأكربول أبدع ما لل
فكر والفن شيد البانونا
لم يكن مثلها غنى وجمالا
وبركليس مثله لن يكونا •••
إيه يا موطن الغطارفة الإغ
ريق، زدني جوى وزدني حنينا
لست أنسى عدوان روما وطاغي
ها، وكيف استباح منك العرينا
فرأى ما أشاب منه النواصي
وأثار الإعجاب في العالمينا
ثم جاء النازي يصب عليك الن
نار طيرا ودارعا وسفينا
ويدين الأحرار، حتى إذا ما
أزفت ساعة انتقامك، دينا
فخبا نجمه وضل هداه
وحبتك الأقدار نصرا مبينا •••
يا منرڤا من الألمب أطلي
وابسمي كالشعاع للفاتحينا
دارك اليوم حرة، وبنوها
أسد في الوغى كما تعهدينا
قد قرعنا لك النواقيس ليلا
وأنرنا الشموع للهازجينا
وأدرنا الكئوس باسمك تترى
وأعدنا أعياد ڤانوس فينا
حدثينا عن العلى حدثينا
مهرجان الكتائب
يوم الأحد 12 تشرين الثاني سنة 1943 أقامت الكتائب اللبنانية حفلتها السنوية في سينما روكسي، وألقى الناظم فيها هذه القصيدة، ثم طبعها المؤتمر الوطني على نفقته لتوزع هدية للشباب اللبناني، وصدرها بهذا البيت للناظم:
إني لأبذل أنفاسي بلا ثمن
حتى أراك كما أهواك يا وطني
والمؤتمر الوطني حزب تألف عامئذ من صفوة اللبنانيين؛ احتجاجا على اعتقال السلطة الفرنسية رئيس الجمهورية والوزراء، وسعيا للإفراج عنهم.
حي الكتائب، وانشر فوق لبنان
روح الكتائب في شيب وفتيان
وابعث بشعلتها في كل جارحة
حب الجهاد وجدد مجد عدنان
شمس العروبة في لبنان ما غربت
يوما ولا غاب عنه نورها القاني
كم من شهيد لها فيه، وكم بطل
وثائر من عرين الأسد غضبان
وذي يراع طوى الآفاق يزرعها
ما ضمت الضاد من حسن وإحسان •••
شباب لبنان هل كنتم لنصرته
إلا سلاحين من حق وإيمان
أزمان لا حق مرفوع اللواء ولا
إيمان يلهب عزم اليائس الواني
كانوا إذا ذكر استقلاله ضحكوا
كأنه حلم في جفن وسنان
أردتموه على الأيام متحدا
حرا فكنتم له في كل ميدان
تحاربون من الأخلاق ما عبثت
به تقاليد عادات وأديان
وتنشرون من التاريخ ما نقشت
أجدادكم فيه من عز ومن شان
كم وقفة لكم يعلو الجبين بها
في جلب مكرمة أو دفع عدوان
فتملئون بأعمال لكم غرر
كف الفقير وجوف الجائع العاني
وتضربون على أيدي الألى احتكروا
موارد العيش من قاص ومن دان
قد كان في البرج منكم مشهد عجب
يا عجب ما شهدت في البرج عينان
جاءت كتائبكم من كل ناحية
عزلاء تمشي صفوفا بين نيران
والشعب من حولكم قد ضج من جزع
والبرج ضج بزنجي وسوداني
فارتد عنكم كمي القوم في خجل
وعدتم بجبين غير خجلان
من صير الناس أحرارا بثورته
هل يستعين على حر بعبدان
الله أكبر من نصر صحائفه
تبقى على الدهر ما يبقى الجديدان •••
بالأمس هبت على لبنان عاصفة
أودت بما فيه من حكم وسلطان
فروع العرب الأحرار مصرعه
من الشآم إلى أطراف حوران
إلى العريش فصاحت مصر صيحتها
إلى العراق فهبت أسد بغدان
إلى الحجاز، إلى البيت العتيق، إلى ال
قدس الحرام، إلى بطحاء عمان
وأصبح البلد المنكوب في مرج
كأنه يتمشى فوق بركان
فكنتم المثل الأعلى لخدمته
في ساعة عز فيها كل معوان •••
لولا النساء وصيحات النساء لما
سمعت غير صدى واه وولهان
خرجن في موكب تغني طلائعه
مهابة الحق عن غار وريحان
كأنهن أسود الغاب ثائرة
يا من رأى أسدا في زي غزلان
ما بنت لبنان إلا نور غرته
يا بارك الله فيها، بنت لبنان
واليوم عادت إلى الأيام بهجتها
وعاد لبنان وهو الظافر الهاني
فأنجزوا ما تبقى من رسالتكم
وطهروا الجو من غل وأضغان
لبنان لا يتخلى عن حكومته
فليس دستور قوم لعب صبيان
كم عاهدوه على استقلاله ومضوا
به فما نال منه غير حرمان
الله عزز هذا اليوم شوكته
فليس يثنيه عن تحقيقه ثان
أعلامه الحمر رمز إن أرزته ال
خضراء تسقى وتفدى بالدم القاني
ذكرى بشامون بيت من قصيدته
تغنيك روعته عن ألف ديوان •••
شباب لبنان قولوا للشيوخ مضى
عهد الجمود ولفوه بأكفان
الأمس ملكهم، لكن غد لكم
وما غد غير تجديد وعمران
دم الشباب غلى فيه فأكسبه
صلابة العود في المبني والباني
وما الشباب بأيام يعد بها
إن لم يكن منه للعليا جناحان
قيثارة في يمين الدهر ما لمست
إلا تفجر منها قدس ألحان
ألحان مجد وإقدام وتضحية
وثورة ومروءات وغفران
يا فجر يوم إليه منتهى أملي
ونوره مالئ قلبي ووجداني
غداة يجمع داعي الحب شملكم
على تسابيح إنجيل وقرآن
وفي القلوب وفي الآذان قاطبة
صوت المؤذن والناقوس سيان
غداة تمحى حزازات الصدور فلا
يثيرها الدين حربا بين إخوان
ولا يفضل مخلوق لمذهبه
من مسلم ويهودي ونصراني
الطائفية، يا رباه مغفرة
بلية الشرق هذي منذ أزمان
دك المعاقل والباستيل أهون من
دك التعصب في محرابها الجاني
غول الأساطير لم يفتك هرقل به
إلا لينقذ منه العالم الفاني
والطائفية غول العصر، فاتحدوا
حتى يكون هرقلا كل لبناني
حلم جميل أغذيه فيسعدني
وكم تعهدت من حلم فأشقاني
حلم ولكن مع الأحلام قد تلد الد
دنيا عجائب معروف وعرفان
وما المعالي إذا حققت عن كثب
إلا وليدة أحلام وإيمان •••
شباب لبنان، لا نامت لكم همم
ما كان لبنان لولاها بيقظان
خلف البحار إلينا اليوم شاخصة
عيون أهل وأحباب وخلان
في عهده الأول المذموم ما يئسوا
منه، فكيف بهم في عهده الثاني
كم ساهروه الليالي في مضاجعهم
وشاركوه بأفراح وأحزان
هم وسعوه حدودا حيثما نزلوا
وصوروه من الفصحى بألوان
وأرسلوا الفكرة العرباء حاملة
للغرب عن أصغريه خير تبيان
ولم يزالوا على بعد الديار بهم
يشدون بالأرز في سر وإعلان
لا تجعلوا خيبة الآمال تصدمهم
إذا حلت لهم رجعى لأوطان •••
شباب لبنان، هذا اليوم عيدكم
بل عيد كل فتى للمجد ظمآن
ماذا تريدون مني بعدما شعل ال
بياض رأسي، وهد الدهر بنياني
لولاكم ما أثار الشوق كامنة
مني ولا هزني للشعر شيطاني
هذا دمي إن تنادوني وذا قلمي
كلاهما عربي الأصل لبناني
يوم العمال
نظمت هذه القصيدة يوم كان الروس والحلفاء متحدين على ألمانيا، وقد بدءوا في هزم الجيوش الألمانية وردها على أعقابها.
هتف المجد والدماء تسيل
لك يا «حمر» كل مجد يئول
فغر الغول فاه يطلب نصرا
فإذا كلهم على النصر غول
نزعوه من بين شدقيه نزعا
وأروه الأيام كيف تدول
جيشه الضخم دكه الضرب حتى
ضاق عرض له وأقصر طول
وابل النار والحديد عليه
وعليه ثلوجها والوحول
بعد «خركوف» كيف، وستالينك
راد قبلا وآخرا «ترنبول»
ومياه الڤولكا نجيع عليه
يتلاقى القوقاز و«الأوريل»
ما تملى الأوكران ضما ولا أش
بع شما خيشومه البترول •••
أين ما هولت به دولة النا
زي وأين التزمير والتطبيل
وأغاني برلين بالفوز والفو
ز مبين لجيشها مكفول
قوة ما تشاء عنها فحدث
أين كسرى وقيصر والمغول
شيدوا أسها على البغي حتى
عبدت للبغاة فيها العجول
كسرتها شكيمة الحمر كسرا
مثلما تكسر النصول النصول
بذلوا دونها دما عبقريا
بورك الباذلون والمبذول
في صفوف تمشي إلى الموت منها
وإلى النصر فتية وكهول
ونساء لدى الكفاح رجال
وعليهن مثلهم تعويل •••
يا فتاة السوفيات أي جمال
لم يخلده فيك صنع جميل
حملتك الأحداث عبئا ثقيلا
كم يضير الحسناء عبء ثقيل
جسمك الغض يحمل الزاد ليلا
ومزار الأحباب ناء طويل
وجريح على اللظى يتلوى
مر دهر ولم يبل غليل
فاض منك الحنان بردا عليه
وسلاما رواقه مستطيل
تنجدين الأنصار خلف الأعادي
والهدى أنت إن يضل الدليل
وتقيمين في المصانع يرعى
آلة الحرب زندك المصقول
أعوز الأرض ساعد يجتليها
واستغاثت حزونها والسهول
فهززت المحراث يؤتى جناها
واطمأنت مزارع وحقول
ومن الحسن أوجه وعيون
ومن الحسن ساعد مفتول •••
شهر أيار، والحياة شجون
أنت للعام شهره المعسول
منك للزهر في الرياض سبيل
ولحرية الشعوب سبيل
فتح القلب تحت شمسك كالور
د وقد كاد يعتريه الذبول
ضج بين الضلوع بعد انتظار
طال وهو المقيد المكبول
فرحا بالذي بعثت، فلا الفل
لاح عبد ولا الأجير ذليل
يا لها ثورة على ساعد العم
مال قامت فروعها والأصول
عصفت بالسرير والتاج فانها
را وأقوى حماهما المأهول
وجلا كل كابر وشريف
عن مغانيه فالمغاني طلول
وانتهى المال والعقار إلى الدو
لة فهي المدبر المسئول
وتساوى الجميع في سرحة العي
ش فلا فاضل ولا مفضول •••
إيه لبنان أنت ذا اليوم حر
فتطلع فالأفق زاه جميل
لك أن تهتدي به بعد ليل
طال، والليل في الشقاء يطول
بهظتك العصور ظلما وأبلى
جدتيك الحرمان والتعليل
حان للعامل الضعيف بأن يق
وى وأن ينفض الغبار الكسول
ما لأخلاقنا تزيد فسادا
كلما زاد بيننا التأثيل
ودهانا على الفساد غلاء
ملأ الخافقين منه العويل
قد شقينا به وذبنا وحرنا
وصبرنا، ما كل صبر جميل
عجبا أن نكون في بلد الخي
ر وهذا الغلاء فيه نزيل
نكبة الشرق أننا لا نضحي
أبدا، والكرام فينا قليل
نكبة الشرق أن فينا خنوعا
فنحابي من أجله ونميل
يسرق الجائع الرغيف فيمنى
بضروب التشهير وهو ذليل
والذي يسرق الألوف عزيز
وله دون غيره التبجيل
ليت شعري ألا نفوس جريئا
ت فيستعبر الظلوم الجهول
تظهر العيب للذي فيه عيب
وتقول الصحيح إما تقول
ويح قومي ماذا دهى اليوم قومي
فأثار البلاد خطب جليل
فتنة شبها طماع وحقد
وغذاها الضلال والتضليل
أتراهم لا يقنعون بحق
أم دم الحق عندهم مطلول
أم يودون أن يظلوا أرقا
ء فلا مجلس ولا تمثيل •••
أرزتي رايتي وعزي وحرزي
لك مني السجود والتقبيل
باركتك الأحرار في كل أرض
واصطفاك القرآن والإنجيل
تخذتك البلاد رمزا أصيلا
هل يساوي الأصيل فيك الدخيل
لك في معقل الأمان علينا
ذمم كلنا بها مسئول
إن يفتني حمل السلاح فعندي
قلم كالحسام ماض صقيل
طالما ألهب النفوس زئير
منه أو أطرب النهى ترتيل
لا تقولوا قد شاب شعري فشعري
أبدي شبابه لا يحول
روزفلت
في كل أرض يوم نعيك مأتم
يبكي الشقي عليك والمتنعم
ما كان ضرك لو صبرت هنيهة
ليكون عيد النصر عيدك معهم
فقدوا ابتسامتك التي كانت لهم
نورا، إذا عبس الزمان المظلم
أسست للأجيال بعدك عالما
وأردته لا دمع فيه ولا دم
ما زلت تنفحه بأروع ما به
يجري لسان، أو يسطر مرقم
حتى إذا اكتمل البناء، وأصبحت
قاعاته لك تستعد وتبسم «وقف الردى بك حيث أنت فلم يكن
متأخر عنه ولا متقدم»
أرهقت والستون ملء إهابها
نفسا، على الستين، لا تتجهم
فهل اتخذت الهدنة الكبرى لها
والهدنة الأخرى قريبا تبرم؟
الله أكبر، يا له من مأتم
بصداه يفتتح الغداة الموسم •••
في ذمة التاريخ غضبة مصلح
حمل وفي عصف الرياح الضيغم
نبهت للجلى عزائم أمة
كانت تنام على الحرير وتنعم
ونفخت روحك في البلاد جميعها
فإذا البلاد مدافع تتكلم
وخلقت قانون «الإعارة» بدعة
للعبقرية تستحل وتغنم
وطفقت تبعث بالذخائر جمة
فيضيع منها ما يضيع، ويسلم
تبغي انتصار الحق في حرب إذا
ذكرت، فأيسر ما يقال جهنم
متجشما في كل مؤتمر لها
سفرا على الأخطار لا يتجشم •••
جئت السفينة، والجواء عواصف
مجنونة، والأفق أربد أقتم
وشوامخ الأمواج يقذف بعضها
بعضا فتكتسح الشراع وتلطم
فقبضت باليمنى على سكانها
ومشى بها في اليوم قلب ملهم
1
حتى بلغت بها جناحا آمنا
وأريتهم كيف المصاعب تقحم
عبء، فلو حمل المقطم بعضه
لم يبق، إن ذكروا الجبال مقطم
أرسى على جسم أشل، وإنما
عند العزائم لا تقاس الأجسم
غالبت سقمك، واستفزك مقعدا
فسموت حتى صافحتك الأنجم
2
يمشي بك الإيمان مشية ظافر
فيما تخط على الزمان وترسم
حبا بإنسانية مقهورة
ذل الضعيف بها وعز المجرم
وتنكرت مثل الحياة، فلا ترى
إلا الفساد بأهلها يتحكم
فبعثتها في العالمين رسالة
لولا التقى، صلوا عليك وسلموا •••
يا أرض «كولمب» تحية شاعر
منك استمد الوحي فيما ينظم
لبنان نحو ثراك يهفو أرزه
ونجومك الزهراء يلثمها الفم
كم عاش تحت لوائها أبناؤه
وجرى بحبك في عروقهم الدم
ما هاجروا وطنا، ولا هي غربة
حيث التقى القلبان، منك ومنهم
يبكي الرئيس بمائه وسمائه
وعليه خفق نسيمه يترحم
ويقول: يا أختاه، روحي لم تزل
خلف البحار على الضريح تحوم •••
يا ناشر الإصلاح بين بنوده
يهدي إلى الخير الورى ويعلم
عجلت عنا بالرحيل ولم يزل
في الأرض موتور وفيها معدم
أتظل في البشر العداوة مثلما
كانت، فثعبان يفح وأرقم؟
والمستبد يضج في استبداده
والبائس المظلوم لا يتظلم؟
ومطامع للأقوياء غريبة
حينا يباح بها وحينا تكتم؟
أخشى من المستعمرين إذا هم
أرخوا العنان لها، ولا من يلجم
أتظل جازعة على استقلالها
أمم بغير بقائها لا تحلم؟
ويظل بين جهاده وحداده
قلب العروبة شاكيا يتألم؟
أم ينجلي الليل الطويل ويكتفي
قدر بأعناق الورى يتحكم
ويكون مما سال من دمهم لهم
عبر فيصلح أمرهم وينظم
وتتابع الدول الحليفة نهجها
في دعم بنيان السلام ليسلموا
وتؤيد الميثاق وفقا للذي
أملاه وحيك في الحياة عليهم
فتطل روحك من سماء خلودها
وتقول: يا بشراي مت وعشتم
يوم تشرين
إيه يا شعر، إن يومك جاء
فاشتملها أرضا وطفها سماء
كم بعثناك في النفوس لهيبا
وأردناك في العقول ضياء
وحبسناك أن تضيع بخورا
وأبيناك أن تذوب بكاء
ولهذا اليوم ادخرناك حتى
نملأ الخافقين منك سناء •••
إن لبنان أصبح اليوم حرا
نازعا من قيوده أشياء
1
يزرع الجو والبطاح جمالا
ويغذي بطيبه ما شاء
ويجاري بالعبقرية فيه
أمم الغرب حكمة وارتقاء
فترى بنت «يعرب» كيف يحيا
شامخا بينها، ويرعى الوفاء
2 •••
يوم لبنان قد خططت سطورا
خطر المجد فوقها كبرياء
لبست هامة المعالي سناه
وأطلت به ضحى وضاء
ومشت موجة الدهور تروي
سدرة الخلد نبأة عذراء
كيف يهوي الجبار فهو صريع
وأخو الحق يعتلي الجوزاء
إن صرح الطاغوت مهما تناهى
فحطاما يغدو ويغدو هباء
طال ليل الشقاء من قبل حتى
خلت دهري مطبقا ظلماء
نحمل الضيم صابرين فلا نق
طع عهدا ولا نضيع رجاء
وننادي بالحق، حتى إذا ما
حصحص الحق، واستعرنا نداء
هجم البغي في سكون الدياجي
فاستباح الحمى وسد الجواء
ورمى بالرئيس في ظلمة النف
ي وألقى من حوله الزعماء •••
يا لها ساعة تألق فيها
وجه لبنان عزة وإباء
غضبت أمة سقاها لبان ال
مجد تأريخها فعزت مضاء
وانبرى الشعب صاخبا يتلظى
وتنادى فزلزل الأرجاء
زمجر العرب حوله فإذا الأر
ض زئير في لفتة حمراء
ورأينا على العرين رجالا
ورأينا على العرين نساء
تتحدى الحراب، ليست تبالي
أن تنال الحراب منها دماء
ظلمة أطبقت لتطلع فجرا
رب خطب يسر من حيث ساء •••
يوم لبنان كنت نورا ونارا
تبعث الموت والحياة سواء
فعلى الحق تستقر أمانا
وعلى البطل نقمة نكراء
باركتك الشعوب ثورة حق
حفظتها لنا يدا بيضاء
ورواها التاريخ معنى نبيلا
كنت فيه اليتيمة العصماء
عيدك اليوم هز منا قلوبا
غير أن القلوب تحمل داء
إن جرحا به فلسطين تنزى
لهو جرح يصيبنا شركاء •••
يا لذكرى تشرين منا يمينا
أن يكون استقلالنا استعلاء
لا كلاما يخط في الطرس أو يت
لى فيمضي مع الهواء هواء
جل ما تطلب الكرامة منا
أن ترانا لرعيه أكفاء
ما بدق الطبول نحفظ مجدا
لا ولا بالضجيج نحمي اللواء
فانشدوا وحدة القلوب وصونوا
إرث لبنان إن أردتم بقاء
كان مهدا للأنبياء قديما
وسيبقى يجدد الأنبياء
يوم الشهداء «6 أيار»
لم يموتوا، لكنهم أحياء
تنشد الأرض ذكرهم والسماء
ساحة البرج أين أعوادك السو
د وأين المشانق الحمراء
تحجب الظلمة الوجوه فتمضي
وتظل الأرواح وهي ضياء •••
شهر أيار، لا سقتك الغوادي
خنقت فيك نبتة عذراء
يوم قالوا الإخلاص في العرب خون
فمشت في السلاسل الأبرياء
ما كفى الحرب والمجاعة حتى
روعتهم عواصف هوجاء
بطش البغي بالشباب وبالشي
ب وللبغي بطشة نكراء
فذوت وردة الأماني وأقوت
من شذاها الحدائق الغناء
وخبت جذوة الجهاد، وغطت
صفحة الأفق غيمة سوداء
وجناح العروبة انهد مما
حملوه، وغصت الكبرياء
بعض قرن أتى عليهم وهذا
صوتهم لم يزل له أصداء
وجراح في جنب لبنان لولا
غضبة حرة لعز الشفاء
كم مضى الأجنبي ينكأ فيها
كيفما سولت له الأهواء
فإذا الشعب لفحة من ضرام
وإذا ثورة الدماء الجلاء •••
شهر أيار أنت ذا اليوم رمز
فيك كان الأسى وفيك العزاء
كل عام ترودنا منك ذكرى
يلتقي المجد عندها والوفاء
فنزور الأحرار والقبر ناء
ورفات الأحباب فيه هباء
ونغذي استقلالنا بلبان
صب فيه إيمانهم والرجاء
أولا تسمعون شبه حفيف
من وراء القبور، وهو نداء؟
أيها العائشون نحن سكبنا
من دمانا لتستفيق دماء
أيها العائشون نحن وضعنا
أسسا للعلى فأين البناء
أيها العائشون، في خطرة الذك
رى وفي نبضة العروق دعاء
نحن كنا للحق نعم الضحايا
أفكنتم للحق نعم الوقاء «ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت» زمرة أشقياء •••
إيه قومي على الحياة سلام
إن أضلت سبيلها العقلاء
حق هذا العهد الجديد علينا
ما تشاء العلا ويهوى الإباء
وتراث من الضحايا مجيد
ما عليه سواكم أولياء
فاحفظوا العهد والتراث، وإلا
نحن والله لا هم الشهداء
المؤتمر الوطني
لبنان ما أشهاك للمتكلم
وألذ طعمك في الضمير وفي الفم
ألهمتني قبل الشباب ، ولم أزل
بعد المشيب، وسر حسنك ملهمي
فإذا نظمت الشعر فيك فرائدا
ففريد شعري فيك ما لم أنظم
قالت وقد مالت على قيثارها
لبيك هذي قبلتي لك فاسلم
ماذا تريد بأن أغني، فالهوى
باق، وفي صدري العواصف ترتمي
أتريد عتبا أم تريد صبابة
شدو الحمامة أم زئير الضيغم؟
فأجبت: لا هذا ولا هذا، بلى
غني لي الأمل الفسيح ورنمي •••
لبنان أنت رسالة قدسية
مثل المنارة في الظلام المبهم
في زيتها اعتصر الخلود لبانه
فكسا معاطفها جمال الأنجم
مرت بك الأجيال تقبس زادها
مما تفجر من سنا متضرم
قد كنت محراب الدهور، ولم تزل
في هيكل التاريخ أقدس مجثم
شاد القدامى في ظلالك مجدهم
ومشوا بنورك في العباب المعتم
في كل أفق يطبعونك قبلة
وعلى امتدادات الدروب كمعلم
ساروا ويذكيهم أوارك وقدة
متقدم يمشي إلى متقدم
يبنون بكر الدهر حيث رمت بهم
همم كحد السيف لم يتثلم
إني لأسمع صوت إرث خالد
من غور ماضيك السحيق المفعم
يستنهض الجيل الجديد لينتضي
من عزمه الوثاب ما لم يحلم
ماذا على الأيام إن وقفت بنا
بالأمس وقفة حائر أو محجم
اليوم جردت العزائم وانتهى
فيض الحياة إلى المحيط الأعظم
أفما ترى في الأفق بارقة المنى
تستل من قومي غطيط النوم
شبعوا من النزوات تعصف فيهم
رعناء في جو بغيض مظلم
وتنبهوا للطائفية فانثنوا
يتنادمون على فحيح الأرقم
الطائفية، يا لها من نكبة
صبت على الفردوس نار جهنم
حاربتها دهرا بشق يراعتي
وصبغت أعواد المنابر من دمي
وصفعت خديها، فلم أظفر بما
يشفي غليل الشاعر المتألم
عجبا أنحيا في بلاد حرة
ويكون هذا العصر عصر تقدم
ويظل مشغوفا بحمل سلاحها
متعلم، يهوي على متعلم؟
قتلوا الكفاءة باسمها، ومشوا على
جثث من الأخلاق ... يا رب ارحم
الدين، نعم الدين إن يك داعيا
للحب، يروي من حمياه الظمي
الدين، نعم الدين إن يك حاملا
لجراحة الأرواح أزكى بلسم
الدين تضحية وروح تسامح
وضحى على وجه الزمان الأقنم
الدين ليس بآلة للكسب في
يد خادم للدين أو متزعم
إني، وما قولي تعلة باطل
والله يشهد بالذي في أعظمي
أفدي بمال الأرض دين مجاهد
وأبيع دين المستغل بدرهم •••
لبنان يطربني أراك وقد سرى
أرج التحرر فيك للمتنسم
لبنان يطربني أراك معانقا
ركب المجرة في امتداد أعظم
لكن على جنبات صدرك لم يزل
جرح بعيد الغور لما يلأم
هذي فلسطين يلفعها الأسى
ويلفها ثوب كلون العندم
إنا لنجرعها كئوسا مرة
مما تجرع من عدو مجرم •••
أشباب لبنان الصباح عليكم
مني سلام المؤمن المستسلم
اليوم يومكم فصونوا إرثكم
من مسرف في الحكم أو متحكم
ومن الدسائس، إن تحاك شباكها
فتضيع فيها حكمة المستلهم
جلت الجيوش، وما كفى فغريمكم
ما زال في الأضلاع منكم يحتمي
لا تتركوا للأعجمي بقية
الطائفية من بقايا الأعجمي
وتمتعوا بجمال أخصب تربة
وألذ سلسال وأغنى منجم
هي أرضكم، مهما تك الأمم التي
مرت عليها في الزمان الأقدم
عربية النسمات، لبنانية
من عيسوي أنجبت أو مسلم
1916
حفلة النجادة في عيد الجلاء
يا قلب ما لك في انسحابك عاذر
ما دام يمشي في ركابك شاعر؟
عاهدتني أن تستريح، ودون ما
عاهدتني فلك الزمان الدائر
أبكل عيد صرخة لك حرة
وبكل ناد منبر لك حاضر
قسما وملء جوانحي زهد من الد
دنيا وملء الفكر وجد غامر
لولا الشباب وحبكم في أضلعي
ما طاع لي قلم ولبى خاطر
أنا صخرة القفر التي لا تستقى
ما لم يفجرها بنان ساحر
أي عصبة العهد الجديد ولم يكن
إلا بك العهد الجديد يفاخر
ماذا ادخرت لحفظه وصيانه
والدهر معط والزمان مؤازر؟
يوم الجلاء، أعز ما قرت به
نفس، وطاب فم، وكحل ناظر
ألقى على لبنان من أنواره
حللا كساه بها الرئيس الساهر
حامي الحمى الشيخ الحكيم ومن له
في ذمة الأرز العزيز مآثر
يوم الجلاء مقدس لكنما
يوم الجلاء بداية لا آخر
وأمامكم شوط بعيد قبل أن
يعلى البناء ويطمئن العامر
إرث من الماضي البغيض، مجمع
في كل عضو منه سوس ناخر
مشت السياسة في حواشيه كما
يمشي على البلد الأمين الغادر
وطغت على حركاته أمواجها
فمغامر من أجلها، ومقامر
ومؤامرات، تشترى في سوقها
وتباع بالسلع العجاف ضمائر
ونفوذ دين أو نفوذ زعامة
والحكم بينهما ضعيف حائر
والعلم والأدب الرفيع مسخر
للمال وهو بما يسخر ساخر
وأشد من هذا وذا حزبية
في كل منطقة عليها ساهر
يرعى دسائسها فإن هي أخفقت
فمسدسات خلفها وخناجر
هاتوا المعاول يا شباب وهدموا
إن كان للآتي يشيد الحاضر
حتى تشق عن النفوس سحائب
حجبت بها طي النفوس منائر
حتى نرى للظلمتين تصدعا
الجهل والفقر المرير الجائر
حتى تقال «الضاد» من عثراتها
فلقد كفى يا ضاد حظ عاثر
حتى تعود قلوبنا كسمائها
بصفائها، والحب فيها الآمر
لا تتركوا للبغض منها مأخذا
البغض في الإنسان وحش كاسر •••
أشباب لبنان وحسبي منكم
نفس محررة وعزم فائر
اليوم إن حملتم تبعاته
فغدا يكون لكم جناه الناضر
لولا الشباب، فماذا يرجى من غد
إن الشباب غد الزمان الزاخر
إن الشباب عقيدة وصلابة
يوم الحفاظ، فصابر أو ثائر
إن الشباب هو النواة فكلها
ثمر وإظلال ونفح عاطر
الشرق من حدب إليكم تائق
والغرب من عجب إليكم ناظر
إن عيروكم بالقليل فحسبكم
جهد ليظفر بالكثير الصابر
أو نافسوكم في الخلال فعندكم
من ثروة الأخلاق قسط وافر
أو فاخروكم بالسلاح فعندكم
شمم العروبة في الصدور ففاخروا
أو شايروا التاريخ كنتم قبلهم
في هيكل التاريخ حين يشاير
1
قولوا لمن أخذت عليه شكوكه
طرق اليقين فلج وهو يكابر
الهيكل الوطني قدس بنائه
بكم يتم خفيه والظاهر •••
يوم الجلاء تباركت شمس على
جفنيك أيقظها الإله القادر
إن يحفروا في الصخر ذكرك خالدا
فلك القلوب وأنت فيها الحافر
فيصل الثاني
في الحفلة التي أقامتها محطة الإذاعة اللبنانية لذكرى مولد الملك فيصل الثاني.
أي يوم على الزمان فريد
بشرتنا به عذارى العيد
نازلا في السواد من كل عين
حاملا ذكريات ماض مجيد
يا لسيف الحسين يلمع في البي
د، وجند الحسين ملء البيد
ثورة للشريف أضفت على العر
ب بفجر من الحياة جديد
حملت للشآم تاجا على خف
ق قلوب لها وخفق بنود
فاستوى لحظة كفته، فخطت
في جبين الشآم آي الخلود
أصعدت فيصل البطولة فيه
درجات المسود المعبود
1
وحواليه من شباب وشيب
كل مستبسل وكل شهيد
لم يرعه المستعمرون ولا أج
فل منهم لعدة أو عديد
غير أن الأقدار عز عليها
أن يضحى بحلمه المنشود
فإذا للعراق منه نصيب
وله في العراق عز الرشيد
دولة شادها على أسس العد
ل وحب الإصلاح والتجديد
وكساها من عزمه حلل المج
د ومن حلمه جمال الورود
فإذا ما تلفتت نحوها اليو
م قلوب بالحمد أو بالنشيد
وابتهجنا لعيد فيصلها الثا
ني، فشوقا لروح ذاك العميد
ترك الجد للعروبة غرسا
سوف تجنى ثماره في الحفيد •••
إيه بغداد إن عيدك هذا
هو عيد الآمال، عيد الوعود
وللبنان حقه في التهاني
فهو ما زال ذاكرا للعهود
أيد الله عرش فيصل باليم
ن وأحيا بالابن مجد الجدود
محمد
قيل في كلية المقاصد الخيرية في عيد المولد.
نبي العرب ألهمني بيانا
على عجزي، أهز به الزمانا
وأرفع للنفوس لواء حق
وأبسطه على الدنيا أمانا
وأجعل في حنايا كل صدر
لمولدك المبارك مهرجانا •••
ألا في ذمة التاريخ يوم
به التاريخ ضاء وعز شانا
تبلجت الجزيرة عن سناه
فألبس رملها العاري جمانا
وحول وحشة الصحراء أنسا
وأفسح للخلود بها مكانا
ودوى صوته في كل أذن
على الآفاق، يطربها أذانا •••
رمال البيد كم أغريت ظعنا
فكابد فيك من ظمأ وعانا
يلج بقفرك الخاوي حداء
ولا يقضي الحداء له لبانا
وما درت القوافل أي سر
عليه نام صدرك منذ كانا
وأي غد يطل به، جنانا
وماء كوثرا يروي الجنانا
تمر بك الليالي كالحات
ومكة كالعرائس عنفوانا
وفي أجفانها حلم بعيد
تجر به المطارف أرجوانا
وحول اللات والعزى طواف
يروعها ويستبق الأوانا
ونجم الجاهلية في أفول
ورب عكاظ معقود لسانا
وأجنحة الملائك في الأعالي
يمور حفيفها آنا فآنا
إلى أن شاء ربك فاستقرت
وقالت للمقدر كن فكانا
ومن مهد قريشي عديم
تعالى النور فاكتسح الزمانا
فيا لك مولدا حضنته دنيا
ليأخذ بالهدى الدنيا احتضانا
ويا لك من يتيم عز يتما
وحلى الفقر حلته وزانا
يحمل نفسه زهدا وسهدا
وتشريدا وجوعا وامتهانا
ولا يثنيه وعد أو وعيد
ليلوي دون دعوته العنانا
يرى في الشمس مطمح ناظريه
ويغمر وجهه القمر افتتانا
فلو وضعوهما في راحتيه
لما رضي التخاذل أو توانى
حواه «حراء» كنز الدهر حينا
ولغزا في دجى الغار استبانا
يروح إليه جبريل ويغدو
فينفحه الفصاحة والبيانا
ويصلته على الكفار سيفا
متى يقطر دما يقطر حنانا •••
وكان هناك في الحكم انتداب
على الأعراب يثقلهم هوانا
فللروم الشآم عنت ودانت
وللفرس العراق عنا ودانا
فحطم بعد قيصر مجد كسرى
وقال خذوا لوحدتكم ضمانا
وأعطاهم على الإسلام دينا
يوزع في الورى الشيم الحسانا
ولم يحبس عن الأنثى حقوقا
ولم ينقض لسلطتها كيانا
فكان لها جلال الأم عرشا
وإحسان النبوة صولجانا
تخضب بالحياء لها جبينا
وما خضبت لزينتها بنانا
فيا دنيا استعزي إن فجرا
جديدا للمكارم فيك بانا
يفيض سماحة ويشع عدلا
ويصلي من بغى حربا عوانا
تعاليم لو العرب استمرت
عليها، أين منها أن تهانا •••
يتيم الدهر، للدهر انقلاب
دها الأجيال منه ما دهانا
وهذا اليوم بارقه الأماني
تطل فلا تضل بها خطانا
ليجمع شمله في المجد شعب
على شرف العروبة ما استكانا
ولبنان الذي للضاد فيه
منابع لم يفجرها سوانا
وقد أبقى له في كل أرض
يحل بها بنوه ترجمانا
يحيي اليوم عيدك مستقلا
فتملأ بهجة العيد الجنانا •••
بني أمي، خبرنا الغرب دهرا
وشاهدنا مطامعه عيانا
فكيف يغرنا منه سراب
نشد له الرحال وما سقانا
تباعدنا زمانا وافترقنا
فهلا جاء موعدنا وحانا
وهلا كان غير الحب حال
يوحدنا ويبلغنا منانا؟
وما استقلالنا إلا سبيل
لنوسع في مدى العليا مدانا
ضرعت إلى السماء بحق عيسى
وحقك يا محمد أن يصانا
أول أيلول
أذيعت من محطة الشرق الأدنى بمناسبة تجديد ولاية الرئيس.
وطني لروعته الكواكب تسجد
السحر بعض صفاته والسؤدد
لبنان كم بهرت بدائعك النهى
وشدا بحمدك شاعر ومغرد
ولكم أتاك السائحون فكبروا
لجمال ما شهدوا وما لم يشهدوا
ما داس أرضك زائر إلا انثنى
وفؤاده بهوى ثراك مقيد •••
قل للرئيس، وقد أطل على الورى
أيلول يهتف باسمه ويعيد
عهدان بينهما سناك مفرق
هذاك مذموم وهذا يحمد
مشت البلاد به إلى استقلالها
يهدي خطاها نجمك المتوقد
كم حاربوا إيمانها وتحكموا
بالحاكمين وأبعدوا من أبعدوا
وأبوا على أحرارها دستورهم
إلا إذا كانت لهم فيه يد
فطغت على العرب الأشاوس موجة
حمراء من غضب يقيم ويقعد
ما زال يعصف فيهم حتى استووا
والحق حقهم الذي لا يجحد
والأرزة الخضراء تخفق فوقهم
وعلى جوانبها دم متجمد •••
جئت السفينة والجواء عواصف
مجنونة والأفق أقتم أربد
فأدرت دفتها بكف محنك
وبلغت من غاياتها ما تنشد
فإذا على البلد المفدى سيد
يرعى مفاخره ونعم السيد
وإذا بلبنان الكبير كما اشتهى
وبكل أرض ذكره يتردد
وله مع الدول البعيدة موثق
وله مع الدول القريبة موعد
خطت له «الضاد» الطريق فجازها
للمجد يجمع شملها ويوحد
وأضاء في أفق العروبة فرقدا
لا غاب عن أفق العروبة فرقد
لولا فلسطين الشهيدة لم يكن
مهج تسيل ولا عيون تسهد
قد أثخنوها بالجراح ولم تزل
تحنو على تلك الجراح وتضمد •••
ست شدائد قد طويت ودونها
عزم على هام الخطوب مجرد
ولباقة في الحكم بالغة المدى
وبلاغة في القول لا تستنفد
وعلى الرئاسة منك نور ساطع
وعليك منها جوها المتلبد
إن جددوا لك عهدها فلأنها
آمالنا بك يا رئيس تجدد
حققت بالأمس الكثير وحسبنا
ما فات منها أن يحققه الغد
خليل مطران
كانت الحكومة اللبنانية قد كلفت الناظم النيابة عنها في المهرجان التكريمي الذي أقيم في القاهرة للشاعر وهو في قيد الحياة، ثم حالت أسباب صحية دون اشتراكه في هذا العيد، فلم ينظم من قصيدته سوى الأبيات التالية:
من مصر جئت على رجاء لقاء
ولمصر عدت على جديد رجاء
1
فأنا على الجبل الأشم كما أنا
في مهبط الوادي، قريب ناء
أضرمت نار الحب ملء جوانحي
وسكبت خمر الحب ملء إنائي
فإذا أشار الأرز من هضباته
أبدى النخيل خياله في الماء •••
أخليل والتاريخ أبلغ ناطق
ببيانك الضافي على الشعراء
هل كنت إلا فكرة عربية
شق النبوغ حجابها للرائي
لبنان أطلعها على سفح المنى
من حالمات البحر والصحراء
حفلت بها الأغوار من فلك النهى
وحبا الضياء بها على الجوزاء
فسرت إلى أعماق كل سريرة
وسمت إلى آفاق كل سماء
2
وداع الرئيس دودج
لا تنكري شدوي ولا تحناني
القلب قلبي والبيان بياني
يا دار عندي ذمة لك لم تزل
ترعاك في صدري وفي أجفاني
كم وقفة لي فيك، كان حديثنا
من بعد ما مرت، حديث زماني
واليوم إذ يطوي الهزار جناحه
لم يبق غير صداه في الآذان
لولا الرئيس لما رجعت مجددا
عهدي، ولا عاف السكوت لساني
قالوا سيرحل عن بلادي في غد
جيل من المعروف والعرفان
ويغيب عن لبنان من أعماله
كالشمس مشرقة على لبنان
فأجبت ليس بغائب عن موطن
من كان ملء مسامع الأوطان
أولست في أي العواصم حاضرا
بالروح بين كتائب الفتيان؟
كانوا على هذي المقاعد قبلما
حملوا مشاعلهم لكل مكان
تلك الرسالة قد نهضت بعبئها
وكسبت فيها السبق في الميدان
لا الدين أوحاها إليك ولا الغنى
لكنها دفق من الوجدان
فرغبت عن عز القصور وبذخها
لتكون إنسانا مع الإنسان
هيهات أن ينسى جهادك بيننا
أيام قلب الشرق في غليان
والحرب طاغية على أبنائه
بالجوع والأمراض والحرمان
وفقير ذا البلد الصغير معذب
وغنيه في غفلة النشوان
فبذلت مالك وادعا متهللا
ورضيت أن تشقى وغيرك هان
تسعى على الأقدام وحدك ماشيا
من رأس بيروت إلى شملان
درس على الأيام تلقيه لمن
قدت قلوبهم من الصوان
ليس الغنى بالمال يخزنه الفتى
إن الغنى بالخلق والإيمان •••
وشريكة لك في الحياة عرفتها
فعرفت فيها نفحة الريحان
لو ينظم الشعراء بعض صفاتها
كانت قوافي رحمة وحنان •••
أحببت هذا الشرق يوم عرفت ما
في الشرق من حسن ومن إحسان
فرفعت صوتك في بلادك شاكيا
مما يلاقي العرب من عدوان
لو يسمعون إليك لم يعصف بهم
طيش الغرور ونزوة الطغيان
ولما تفجرت السماء وأرضها
بالمقدسين تفجر البركان
بمعارك جبارة ما خطها
أومير في إلياذة اليونان
وجحيم نار ما تصور مثلها
فيما تصور شاعر التليان
واها فلسطين الشهيدة قد رأت
عيناك ما لم تشهد العينان
لولا شباب العرب حولك حوم
لم يبق من أمل لرد الجاني
من مصر جاءوا والحجاز وجلق
يتلهبون لظى ومن بغدان
ملأ الفضاء زئيرهم ثم استووا
فإذا عرين الأسد في عمان
الله فيما قدموا في أمسهم
ويقدمون غدا بلا حسبان
وكأن أرضا خضبت بدمائهم
أرض زهت بشقائق النعمان
يا جيش لبنان الفتي تحية
لو أستطيع نظمتها بجمان
ما أنت بالعدد الكبير وإنما
أكبرت فيك مواقف الشجعان •••
مولاي عفوا ما أتيت مودعا
لأثير فيك لواعج الأحزان
لكن في قيثارتي وترا له
صوت الشجي وأنة الثكلان
والثلج في رأسي ولكن لم يزل
في الصدر زوبعة من النيران
ولقد تعشقت البلاد كأهلها
لا بدع أن أشجاك ما أشجاني
أما الفراق فقد رضينا حكمه
ما للمعنى بالفراق يدان
لكن في الأثر الذي أبقيته
أنسا يخفف لوعة الهجران
فإذا سكت فأنت فينا خاطب
وإذا بعدت فأنت منا دان
تبدو ابتسامتك التي عودتنا
خلل البحار وتلتقي الروحان
ثم قلد رئيس الجمهورية الرئيس دودج الوسام، فأضاف الناظم هذه الأبيات:
ومشى الرئيس إلى الرئيس مصافحا
وكلاهما في الفضل سباقان
أعطاك أرفع ما به يعتز ذو
مال وذو علم وذو سلطان
تذكار تكريم وحسب فأنت لا
تهتز مثل سواك للإعلان
إن كان يلمع فوق صدرك نوره
فوراء صدرك منبع اللمعان
استقبال الملك فيصل الثاني في شتوره
سليل المجد والخلق الأبي
وحامل عطر أنفاس النبي
وتاج النور تعقده المعالي
على بغداد في حرم الوصي
ونغمة ذلك البيت المرجى
تردد في البكور وفي العشي
يرحب فيك لبنان ويمشي
إليك بقلب مشتاق وفي
وينشق منك آمالا كبارا
تطالعه على العود الطري
ويذكر خالك البطل المفدى
ومفخرة الشباب الهاشمي
عروس الشعر تسعى يا ابن غازي
إليك بخالص الحمد الذكي
وما ضر العروس بياض شعري
سواد القلب يخفق في الروي
إذا ملأت سماء الشرق نورا
مآثر بيت جدكم العلي
فقد تركت لها في كل قلب
هوى من مسلم أو عيسوي
بيت الدين
دعا رئيس الجمهورية بعض الأدباء والصحافيين إلى حفلة شاي في قصر بيت الدين، فأنشد الناظم هذه الأبيات، وفيها إشارة إلى حالته النفسية في تلك الأيام.
ناري وما أدراك ما هي ناري
الزهد والأشواق ملء إزاري
ما ضقت ذرعا بالحياة، وإن دجا
أفقي، ولا مل الغناء هزاري
فإذا رضيت عن الزمان فحيلتي
وإذا غضبت، فحيلة الأقدار
أستل من غسق الحوادث حكمتي
وأبثها للنفس خلف ستار
وأقول للقلب الخفوق بجانبي
لبنان شعرك، والوفاء شعاري
أنشد له العهد الجديد وصغ به
أسطورة الأبطال والأحرار
وأعد على الدنيا مفاخر بقعة
حملت جلال الأرز قبل الغار •••
الله، ما أبهى جبينك يا ربى
وأعز ما حملت من تذكار
في صرح بيت الدين مجد خالد
وجماله سر من الأسرار
أرئيسنا المحبوب هذه وقفة
في الدار تحيي ذكريات الدار
جددت سوق عكاظ في عرصاتها
وأبحت للشعراء قدس مزار
كانوا على عهد الأمير ثلاثة
فانظر لهذا الجحفل الجرار
من كل ذي قلم تضمن حده
معنى من الأزهار والأطيار
وإذا أهيب به ليوم كريهة
ألفيته أمضى من البتار
ومن الصحافيين حولك عصبة
روضتها للسبق في المضمار
الباحثون عن الأطايب للنهى
الطابخون لها مع الأخبار •••
مولاي هذي بنت فكر سانح
ساهرتها ليلي وبعض نهاري
أودعتها أمنية لولاك ما
غلب اليقين بها على الإنكار
أيكون للأدباء في لبنانهم
وهو المشع بساطع الأنوار
ناد، فيرفع شأنهم ويضمهم
ويقيهم في العيش كل عثار؟
لا يكرم التاريخ شعبا لم ينل
أدباؤه حظا من الإكبار
ومسطر التاريخ خص أديبه
بالذكر قبل كميه المغوار
أمنية لا شك في تحقيقها
ما دمت ترعى صائب الأفكار
عمر الداعوق
قيلت في حفلة الأربعين في سينما ريڨولي.
قالوا ألا ترثي عمر
وهو ابن لبنان الأبر
رجل الرئاسة والسيا
سة والكياسة والخفر
حامي المقاصد باعث ال
خيرات من قلب الحجر
فأجبت: إن رثاءه
بفم الزمان قد استقر
يا يوم مأتمه المهي
ب وهول ذياك السفر
والآلة الحدباء تح
مل فوقها بحرا وبر
والجمع خلف النعش مك
لوم تغالبه العبر
يبكي شمائل كالنسي
م محملا أرج الزهر
وذخيرة كانت لأي
يام الشدائد تدخر
ومعين كل فتى شكا
ومقيل كل أخ عثر
ركن تهدم للإخا
ء وللوفاء وللحذر
بل دولة ذهبت بما
فيها من الشيم الغرر •••
هل تذكرون جهاده ال
ماضي وعهدا قد غبر
أيام كان الناس في
حرب وكنا في خطر
فأتى بخبز للجيا
ع ورد عادية الغير
وأقام حكما صالحا
ما عابه إلا القصر
ثم انثنى يذكي العزا
ئم أو يفيق من الخدر
يستهدف الإصلاح في
شتى الحقول بما اشتهر
علم وتضحية وإق
دام وبعد في النظر
لا الضغط يثنيه ولا
تعب الجهاد ولا الكبر
فكأن جل حياته
وقف على نفع البشر
هي صفحة تبقى على ال
أيام ناصعة الصور
عبر من الماضي إلى ال
جيل الجديد المنتظر •••
يا هاجرا أحبابه
ما أنت آخر من هجر
مرت عليك الأربعو
ن ولا جواب ولا خبر
لكن رسمك لم يزل
ملء البصائر والبصر
وأنا الذي إن يفتخر
فبودك الصافي افتخر
كم كنت أرجو لو نظم
ت لك الرثاء من الدرر
ناجيت فيك قريحتي
فشكت وأعياني السهر
ما حيلة القلب الكسي
ر وقبله القلم انكسر
قلمي الذي حطمته
من بعد ما ذقت الأمر
ورأيت أقدار الرجا
ل تضيع في عهد أغر
لولا هوى لبنان، يط
ربني وإن شذ الوتر
لبلغت في الشكوى المدى
حتى يقال فتى كفر
ما قيمة الوطن المدل
ل وفيه تنتحر الفكر
ماذا هناك، فلا أرى
إلا ضمائر من مدر
والناس في سوق النفا
ق على وفاق في الضرر
بغض وأطماع وتف
رقة وأشياء أخر
غيض الوفاء فلا غرا
س في الرياض ولا ثمر
وقست قلوب الناس حت
تى الجندل القاسي انفطر
كم من غني ماله
كالغيم محبوس المطر
فكأنه بين القصو
ر موسد طي الحفر •••
عفوا بني أمي ففي
كأسي الشراب حلا ومر
أنا في الحياة أخو طري
ق عابر فيمن عبر
لم يبق لي من صحبة ال
أيام إلا ما ندر
لا شيء يربطني بها
سيان صفو أو كدر
حر من الرغبات والر
رهبات، من خير وشر
لكنني ما زلت أط
رب للحميد من السير
وأرى الحقيقة أن تقا
ل ولو بها النفس استعر •••
وإذا بكيت على عمر
أيرده لكم القدر
إن الخسارة لا تعو
وض والحكيم من اعتبر
فمشى على آثاره
ليغيب محمود الأثر
23 ك1 سنة 1949
إلى كاتبة1
يا هند ما هذي الطلا
قة في المحيا واللسان
أفما كفى سحر اللحا
ظ فقلت خذ سحر البيان
ونقلت ياقوت الكئو
س من الشفاه إلى البنان
فسكرت ما بين السطو
ر بما سكبت من المعاني
ورجعت والأشواق بي
كالنار تأكل من جناني
يا هند حسبك أن لي
قلبا غنيا بالأماني
حملته ثقل المشي
ب فما سلوت وما سلاني
رغم الزمان جعلته
وقفا عليك مدى الزمان
1950
قالت
قالت: أود بأن يكون هواك لي
حبا تنزه عن عيوب الناس
يسمو بنا نحو السماء فلا نرى
في كأسنا إلا صفاء الكاس
ونعيش بالروحين يجمع بيننا
أدب الحياة ورقة الإحساس
وتكون لذتنا التي لا تنتهي
خمر الحديث يطيب في الأنفاس
فتعود روحي بعد طول عذابها
مغمورة باللطف والإيناس
وينال قلبي بعد طول عراكه
فوزا على قلب الزمان القاسي
فأجبتها: أوليس هذا مذهبي
في الحب تعرفني به جلاسي
تتحطم الشهوات عند إرادتي
وتمر مثل سحابة في راسي
ويخونني أملي فتغسل عزتي
جرحي كما غسل الجراح الآسي
لكن حظي أن أعيش معذبا
والحب يربطني إلى أمراس
من كبرياء النفس عندي ثروة
لكنها شر من الإفلاس
وا رحمتاه للوفي إذا غدا
فيه الوفاء مسربلا بالياس
في وحدتي تبلي الدموع محاجري
وأظل مبتسما أمام الناس
يتنادمون على هديل قصائدي
وتدق في نعي المنى أجراسي
تموز سنة 1950
عيد الرئاسة
قيلت في بيت الدين في 21 أيلول سنة 1950.
عيد الرئاسة لا عدمتك عيدا
يبلى الزمان ولا تزال جديدا
أحيا بك التاريخ ساعات مضت
كم بيضت وجها وحلت جيدا
عصف الجهاد بها فكان صواعقا
وتفجرت مهج فكن نشيدا
وحنا على لبنان أفئدة له
كم سلن أنداء، وصلن حديدا
حتى أضاء الأفق باستقلاله
وتعطرت أجواؤه تجويدا
عيد الرئاسة أي قلب لم تجد
فيه لك التمجيد والتأييدا
لك كل عام زورة محبوبة
توحي بها لي في الحبيب قصيدا
وأنا الذي في كل ما خطت يدي
ما زلت عن مدح الرجال بعيدا
حق لهذا العهد أن يبقى به
لبنان يرعى للرئيس عهودا
ساس البلاد بحكمة ولباقة «سبعا» وأرضى سيدا ومسودا «والباقيات الخمس» سوف نرى بها
إن شاء ربك للفخار مزيدا
فتظل في أفق الزمان مضيئة
حتى نرى لضيائها تجديدا
ويعود شعري كل عام منشدا
عيد الرئاسة لا عدمتك عيدا
ليلة أنس
وأحيا السيد بولس فياض ليلة أنس وسمر في داره بعالية، جمعت بين رجال الحكومة والوجاهة والأدب، وطلب من الناظم أن يستعد لإلقاء كلمة فيها، فألقى في منتصف السهرة هذه الأبيات:
يا جلسة في دار بو
لس ما مللت بها جليسي
فنعمت بالنظرات وال
بسمات والقد الميوس
وفتحت نحو الأفق با
ب السجن للقلب الحبيس
ولبست من طرب الشبا
ب ونشوة الذكرى لبوسي
يوم الخميس، جمعت في
ك العمر يا يوم الخميس •••
لبنان أنت على الشفا
ه وفي العيون وفي النفوس
تترنم الدنيا بما
أودعت من كنز نفيس
في جوك الصافي وطي
ب شذاك والليل الأنيس
ومناظر تختال في
ها كالقلائد للعروس
خلف البحار رجالك ال
أحرار شامخة الرءوس
وهنا الوفا بعد الجفا
وتبسم الدهر العبوس
وهنا الأمان، وإن تك ال
أهواء حامية الوطيس
وطني فداك دمي، ولو
أسطيع قلت فداك كيسي
ألهمتني بالأمس أز
كى ما يراق على الطروس
واليوم حسبي منك لي
لتنا المضيئة بالشموس
أعددت من شعري لها
خمرا تدار بلا كئوس
أدعو للبنان الحبي
ب بها وأدعو للرئيس
في مهرجان الكتائب سنة 1950
19 «نوفمبر» في الروكسي
لا تحسبي أني رميت سلاحي
من بعد ما نزل المشيب بساحي
تلك الخيوط البيض تكسو هامتي
هي من غبار وقائعي وكفاحي
أنكرتها زمن الشباب فمذ بدت
أوقدت تحت شعاعها مصباحي
وأبحت للأحلام ميدانا بها
جددت فيه همتي وطماحي
تبدي لي المرآة ما تركته بي
غير السنين فأستلذ جراحي
وأحس أن وراءها قلبا له
في ذمة العلياء خفق جناح
كم سطرت للحب فيه آية
تبقى على رغم الزمان الماحي
ولكم همزت به جواد قريحتي
فشدا على دقاته صداحي
واليوم إذ شط المزار فلا أرى
في موكب الماضي سوى أشباح
وخبت على الأعصاب ثورتها فلا
سكرات أحداق ولا أقداح
وتملت العينان والشفتان من
وجنات ورد أو ثغور أقاحي
لم يبق للفكر المشرد غير ما
عودت من سطو على الأرواح
ألقيه في حضن النجوم مع الدجى
وأرده للشمس كل صباح
وأقول للقلم المهلهل في يدي
هل في مدادك غير ما في الراح؟
ليس التجعد في الجبين بضائري
السر تحت جبينك الوضاح
وصريرك الهادي أحب إلي من
نجوى البلابل في ذرى الأدواح
واللذة الكبرى لنفس حرة
هي ما تنمقه على الألواح
إني صحوت من الهوى لكنني
من سكرة الإبداع لست بصاح •••
بل كيف أصحو والكتائب جنتي
أشدو بها في غدوتي ورواحي
توحي روائعها البيان لخاطري
فأعود منها بالشذا الفواح
أنشدتها بالأمس شعرا خالدا
أطلقت فيه للنجوم سراحي
واليوم عدت بعيدها، أيعوقني
ما راح من عمري وطيب مراحي
وأنا الذي جددت فيها صبوتي
وجعلت من أفراحها أفراحي؟
قل للذين تنكروا للوائها
فطواه جد منهم بمزاح
ما المال، ما الآمال، ما الكأس التي
نحسو بها، والماء غير قراح
وبكل صدر لوعة مشبوبة
وبكل ناحية صدى لنواح
والحرب لم تترك بقية رحمة
للعامل المسكين والفلاح؟
إلا الحقيقة لا عزاء لمؤمن
نشد الصلاح وعاش للإصلاح
وهي التي تعطي الكتائب لونها
من جرأة وتجرد وسماح •••
يا أيها النشء الجديد تباركت
لك همة شحذت ليوم كفاح
جئت الزمان وفي السماء سحائب
سود وفي الآفاق عصف رياح
ففتحت صدرك للمكارم والعلى
وكبحت بالإيمان كل جماح
قربت نازحة القلوب ولم تزل
حتى فرشت الورد للنزاح
وأتحت جمع الشمل وهو مشتت
عبر البحار وكان غير متاح
هذا الشباب، وما أحيلى عهده
هل كنت فيه سوى الفتى المسماح
حوطت بالعمل المجيد سفينة ال
عهد الجديد وجرأة الملاح
شمخت تشق الليل، ليست تنثني
عن غايها إلا مع الإصباح
ومضت بمجذافين فوق عبابها
من ذات أسورة وذي أرماح
فإذا الأنوثة كالرجولة، قوة
تطأ الصعاب بوقدة الملحاح
وتدور في الجسم الأشل عزائما
ومراحما كمباسم التفاح
مرحى، فتاة الحي تنزل للوغى
وسلاحها بالروح خير سلاح
أدب وتضحية، وغضبة ثائر
كمنت كمون النار في القداح
هي قوة الحق الصراح يعدها
وطني ليوم كريهة وتلاحي
لكن هنالك في الأضالع دمل
ما زال يعجز مبضع الجراح
الطائفية ظلمة الشرق التي
كادت تميل بنوره اللماح
هيهات تفريها حكاية مصلح
أو زفرة الشاكي ولوم اللاحي
أقسمت بالحرف الذي حمل الضيا
والماء للأعمى وللملتاح
أن ليس كالحب الصحيح مروض
للروح يهديها لكل صلاح
نحر الدجى بالنور من مصباحه
فإذا الدجى شلو على المصباح
وإذا نفوس الناس مشرقة الكوى
عدن الصحاح وكن غير صحاح
وأنا الذي صحب اليراع يدي ولم
أبرح له حتى يحين براحي
لو لم تكن للحب فيه دعوتي
لا كان لي قلمي ولا لي راحي
1 •••
لبنان يا أنس القريب ووحشة الن
نائي الغريب وقبلة السياح
كم في كتابك من معان أنزلت
للحب بين مشارف وبطاح
نوح النسيم وبوح أزهار الربى
وشجون بدرك والنهار الضاحي
والليل والأمواج والهمس الذي
في الغاب أو في النبع أو في الواح
2
إن تعصف الدنيا بأحقاد الورى
فالقلب عندك في أمان جناح
3
هذي جنودك أقبلت وبنودها
من سورة نسجت ومن إصحاح
بارك عليها، كالألوهة عانقت
أبناءها فهم كجمع الراح
4
عزت مشابكها على كيد الألى
يتصنعون بأدمع التمساح
وانشق أريج العيد في أغنية
ريانة الأنداد والأرواح
5
من خلجة القلب الطهور جبلتها
وغمستها في طيبك النفاح
يا أرزتي الخضراء تيهي واخفقي
بدم على الجنبين، فيك مباح
لي منك حلمي في الحياة ويقظتي
ولك الصلاة عشيتي وصباحي
أشعار الخداع والحب
الخداع والحب رواية تمثيلية لشلر الألماني، نقلتها إلى العربية أيام الشباب مع صديقي المأسوف عليه نجيب نسيم طراد سنة 1900، وقد مثلت في دار قونصلاتو روسيا ثلاث ليال متواصلة، ووقف ريعها للجمعية الخيرية.
موضوعها : إن فرناند فتى من النبلاء كان يتردد على معلم موسيقى ؛ فعلق بحب ابنته لويز، وكان والد فرناند أمين سر الدولة مشهورا بالطمع والإجرام، فلم يرق لعينيه هذا الحب وحاول بشتى الوسائل إقناع فرناند بالعدول عنه فلم يفلح، فعمد إلى الحيلة والدس، وأرغم الفتاة المسكينة على كتابة رسالة غرام إلى حبيب مزعوم، بعد أن انتزع منها اليمين المغلظة لكتمان السر أو تعاقب بسجن أبيها وتعذيبه. ونجحت حيلة الأب فوقعت الرسالة الملفقة بين يدي فرناند وأثارت فيه الشكوك، واعترفت لويز بها لأنها كانت مقيدة باليمين، فنزل جوابها كالصاعقة على فرناند، فتناول كأس ماء وغافلها وصب فيه السم، وشرب وسقاها.
من مشاهد الفصل الأول، بعد عتاب والد لويز ونصحه لها بترك حب الأمير تقول لويز:
لويز :
تركت الصلاة وعفت التقى
وأصبحت بين الهوى والقدر
تنازع نفسي صروف الغرام
وتنزع صفوي صنوف الكدر
وفي الصدر مني عواطف وجد
إذا سكنت قلب غيري انفطر
كفرت لأني هويت ولكن
أيؤمن من بالهوى قد كفر؟
إلهي سألتك عفوا وحلما
فأنت المصور تلك الصور
إذا ما شغلت برسمك عنك
وذلك ذنبي ألا يغتفر (ثم تقول):
لم أنس أول مرة شاهدته
فيها وقد صبغ الحياء جبيني
وشعرت أن القلب زاد خفوقه
لتأثري فسندته بيميني
وسمعت صوتا في ضميري صارخا «ها هو» فما كذبت فيه ظنوني
فشعرت حينئذ لأول مرة
بالحب أشرق نوره يهديني
وتنازعت نفسي عواطف لم أكن
أدري حقيقة سرها المكنون
وعواذلي كثروا علي ولو دروا
ضعفي وقوة حسنه عذروني •••
ودعت يا أماه آمالي به
عبر الحياة وما الوداع يقيني
لكنه لا بد من يوم به
ذاك الذي سيميتني يحييني
إذ ذاك لا نسب يفيد ولا غنى
لكن فقري وحده يغنيني
إذ ذاك لا تجدي الملابس والحلى
لكن ثوب طهارتي يجديني
إذ ذاك لا تعلي المراتب أهلها
أما أنا فوداعتي تعليني
ومتى علوت أعود غير حقيرة
في عين من أهوى وذا يكفيني (وهنا مشهد اجتماع فرناند بها بعد ما قاسته من لوم أبيها الذي لا يعتقد بإخلاص فرناند؛ نظرا لما بينهما من تفاوت النسب.)
فرناند :
أذكى السلام عليك يا غصن النقا
من مدنف بهواك بات معلقا
حملته أجنحة الصبابة والهوى
فعساه أن يلقى جنانك مورقا
لويز :
وعليك ... ... ... ... ... ... ...
فرناند : ... لكن ما لوجهك أصفر
وعلام جفنك بالدموع اغرورقا؟
لويز :
لا شيء ... ... ... ... ... ... ...
فرناند : ... بل في الأمر سر مغلق
لا تجعلي للحب سرا مغلقا
فمتى صفت مرآة قلبك لي فقد
صفت الحياة ونجم سعدي أشرقا
لويز :
هذا كلام لا يفيد صبية
مسكينة إلا جوى وتحرقا
ما أقبح النسب المفرق بيننا
ما أحسن الحب الذي ما فرقا!
فرناند :
عجبا فما معنى كلامك ذا ومن
أوحى إليك اليوم هذا المنطقا
أولست أنت نصيب مهجتي التي
قنعت من الدنيا بحبك موثقا
أنت التي أسرت فؤادي بالهوى
إن أطلقته فليس يحيا مطلقا
لويز :
فرناند، لا تسدل على عيني من
حجب الهوى سترا أراه ممزقا
عبثا تحول ناظري عن لجة
لا بد في أعماقها أن أغرقا
ضعتي ومجدك مانعان لدى أب
بمصيبتي هيهات أن يترفقا
فرناند هم يسعون في تفريقنا
فاحرم حياتي قبل حرماني اللقا
فرناند :
تفريقنا؟ ومن الذي يقوى على
قلبين ضمهما الهوى ليفرقا؟
إن كنت أعرق منك في نسب لدى
قومي، فلست لدى إلهي أعرقا
والله في عينيك خط نصيبنا
وأراه من تاريخ مجدي أصدقا
لويز :
وأبوك؟ ... ... ... ... ... ... ...
فرناند : ... ماذا يستطيع؟ ... ... ... ... ... ... ...
لويز : ... ... ... ... أخافه
إذ لا أراه على شبابك مشفقا
فرناند :
أنا لا أخاف سوى فتورك في الهوى
فسوى فتورك في الهوى لا يتقى
لا شيء يمنع رسمك المعبود عن
عيني، ولو حملوا الطلاسم والرقى
كلا، ولو جعلوا الجبال موانعا
لجعلتها لك يا لويز مرتقى
والدهر إن يقصد معاندتي فلا
أزداد إلا قوة وتعشقا
وإذا تمثل لي القضاء معارضا
عارضته ... وسألت أن يترفقا
ومناي أن لويزتي تحيا معي
لتذوق من كأس الحياة الأروقا
لتكون تربة أرضها زهرا وجو
و سمائها عطرا، ونورا مشرقا
لأظل أسقيها السعادة من يدي
فبغير كأس الحب ليست تستقى
لتعود لله العلي كما أتت
بل كي تعود إليه أبهى رونقا
فيرى بأن الحب يقدر وحده
يعطي خليقته الكمال المطلقا
لويز :
إن المحب سعيدة أحلامه
لكن تخبأ خلف يقظته الشقا
فرناند، سامحك الإله فطالما
صورت لي عيش الغرام مزوقا
هي شعلة أضرمت أفكاري بها
فسرى إلى قلبي اللهيب فأحرقا
هيهات تطفأ نارها إلا إذا ان
طفأ الضياء بناظري، ولك البقا (ثم يأتي أبوه معاتبا ومذكرا بفضله عليه ورغبته في ترقيته، وما فعل وارتكب من أجله.)
الأب :
أفرناند قل لي لمن قد ركبت ال
مخاطر بغية أمر خطير
فوجهت نحو الإمارة طرفي
وصوبت سهمي لقلب الأمير
وأضرمت نار العداوة بيني
وبين السماء، وبين الضمير
وقل لي لمن قد قبلت الرئاس
ة من بعد قتلي الرئيس الكبير
ومن قادني لارتكاب المعاصي
وطوح نفسي بهذا الغرور
فرناند :
أعوذ بربي من أن تكون
فعلت لأجلي هذي الأمور
وأخلق بالمرء أن ليس يخل
ق من أن يسبب هذي الشرور
الأب :
رويدك فرناند لا تغضبن
أهذا جزاء أبيك الغيور
جعلت لأجلك ليلي نهارا
وصفوي اعتكارا وعفت السرور
وذاق ضميري لسع العقار
ب منك وأنت عديم الشعور
نعم أنا أقبل صاعقة الإن
تقام ولعنة أهل القبور
ورث أنت مجدي وخل ذنوبي
أعذب فيها بنار السعير
فرناند :
أنا لست أرضى بإرث ذنوب
أبي فيه تبقى ليومي الأخير
الأب :
ولكن أتنسى بأنك لولا
مكايد سعيي لعشت فقير
فرناند :
أحب إلي من المال فقر
ففي شرف الفقر مال كثير
وأفضل لي الزحف فوق التراب
من السير زحفا لأوج السرير (وفي الفصل الثالث مشهد بين فرناند ولويز، بعد أن يكون الأب العاتي قد اجتمع إليها على حدة وتوعدها إذا هي لم تترك حب فرناند، فيعرض هو عليها الفرار معه.)
لويز :
قد كان آمرنا في الحب ما كانا
والآن عهد انفصالي عنك قد آنا
قطعت كل رجاء في هواك، وقد
أصبحت أرجو من الأيام سلوانا
فرناند :
أتيأس لويز من حبي وقد علمت
أني اتخذت الهوى دينا وإيمانا
وأنني مستعد أن أكون على
مذابح الحب والإخلاص قربانا؟
لتجمع الأرض قوات الجحيم فلا
تزعزع اليوم من حبيك بنيانا
وإن تكن رضيت عني لويز فما
يهمني والدي إن بات غضبانا
قد رام إطفاء قلب فيك مشتعل
فسوف أجعل منه القلب شعلانا
وأظهر اليوم أسرارا مخبأة
يلقى الفضيحة فيها كل من خانا
سالمته فأبى إلا محاربتي
فسوف يرجع من ذي الحرب خذلانا
والحب عذري بكفراني بحق أبي
فقد بغى بحقوق الحب كفرانا
شرائع الحب في عيني مقدسة
لذاك كل عزيز دونها هانا
لويز! قد عن لي فكر، ويا طربي
إن تم لي وعن الأوطان أقصانا
وهل لنا بعد ما نسعى إليه، وهل
يجدي البقاء لنا في أرض أعدانا
كأن غير مياه «الرين» ليس لنا
ما يعكس اليوم نورا منك فتانا
أشعة الحب من عينيك مرسلة
تضيء ظلمة قلبي أينما كانا
وما بلادي سوى أرض حللت بها
أيان سرت أرى أهلا وأوطانا
هناك يا منيتي إن كان ينقصنا
عز القصور فعنه الله أغنانا
إن لم نجد هيكلا لله، نعبده
فيه ونسأله عفوا ورضوانا
يرخي ستائره الليل الرهيب على
رءوسنا وسكون الكون يغشانا
ويطلع البدر فوق الأفق يأمرنا
بتوبة ونجوم الليل ترعانا
هناك تحلو مناجاة الغرام لنا
ولا نخاف من الحساد عدوانا
ونظرة منك تنسيني الحياة، فلا
أعود من حلم حبي فيك يقظانا (ولكن لويز ترفض السفر معه، ثم تعمل الدسائس عملها، وهنا يستكتبها أبو فرناند - مهددا إياها بالحبس وقتل والديها - كتاب غرام إلى شخص ثالث معروف في القصر، ويقع الكتاب بين يدي فرناند، فيصدق ما فيه ويستولي عليه اليأس فيقول):
فرناند :
لا، لا أصدق أن تحت ظواهر
ملكية تخفي الحقيقة أرقما
لكنما ذا الخط خط بنانها
لو كان يمكنه الكلام تكلما
خط، فلو هبطت ملائكة العلا
لم تقو معه أن تبرأ منهما
ذا خطها مدت إلى تسطيره
يدها التي مدت إلي لتلثما
يا ويحها، سفكت مداد دواتها
بحروفه، لكنها سفكت دما
الآن قد أدركت كيف تمنعت
من أن توافقني على ترك الحمى
قبلت بإبعادي، وتلك ضحية
ما كنت أحسبها خداعا قبلما ... •••
من ذا يصدق ... بعدما اتحدت عوا
طفنا، وأصبح قلبها بي مغرما؟
كانت رفيقي في الهوى، قطعت معي
غاباته، ورمت لأبعد مرتمى
وتسلقت قمم الغرام، ومذ رأت
وادي الشقا لم تخش أن تتقدما
فتحملت ألم الصبابة والهوى
لتطيع من تهوى وتعصي اللوما
وتألمت وبكت ... ولم يك كل ذا
إلا خداعا ضعت فيه توهما
إن كان أيتها الأبالس قوة
للمكر أن تخفي الحقائق مثلما ...
فعلام حتى الآن لم تتمكني
بدهاك من أن تخرقي باب السما •••
لما كشفت لها مخاطر حبنا
وأريتها وجه الخلاص ليسلما
ما كان أسرع ما تبدل لونها
تبدي التأثر وهي تضمر عكس ما ...
وبأي مظهر عزة وشهامة
غلبت أبي إذ جاءها متهكما
وبأي معترك شديد هوله
أغمي عليها دون أن تتألما
تالله يا لغة الخداع فما الذي
أبقيته للصدق كي يتكلما
يا أيها الإخلاص ماذا ترتدي
إن كان ثوبك للخيانة سلما •••
لله أول قبلة قبلتها
قد كان مثل فمي فؤادي مغرما
وعواصف الأهواء في عظيمة
لكن عفافي كان منها أعظما
أفلم يكن إذ ذاك بين ضلوعها
إلا البرودة والجفاء كما هما؟
كم كنت أشعر عند تطويقي لها
أن النعيم براحتي تجسما
وفؤادها إذ ذاك لم يك شاعرا
بسوى جريمتها ... ولم أك مجرما (ثم يعزم على قتلها والانتحار من بعدها، فيقول - وهو حتى الساعة لم يجتمع إليها ليتحقق صحة الرسالة):
قربت ساعة الهلاك فأهلا
إنما يا لويز قربك أحلى
فلتموتي معي فموتك واجب
لا وحق السماء لا بد منها
فهي ملكي ولست أصبر عنها
لست أرضى بأن أموت وتبقى
بعدما عشت في الصبابة معها
وأرتني الشقا ولم تك تشقى
كان لي في الشباب حلم تجلى
بمجالي الغرام، واليوم ولى
ومع الحلم كل عمري ذاهب
فاستعدي، فما رسول الهلاك
غير صب بالأمس كان فداك
واحجبي وجهك المخادع عني
أنا ما عدت قادرا أن أراك •••
يا إله الوجود دعها ودعني
أتولى تعذيبها بيديا
قد تخليت عن جميع الخلائق
لك يا ربها فعنها تخل
وبها اليوم لا تطالب شقيا
غيرها في الوجود لم يك طالب (وأخيرا هذا المشهد من الفصل الخامس عندما جاء فرناند لويز، لا يعرف كيف يبادئها الحديث. يهم فيرى من عذوبتها ما يلجم لسانه، وتقبل هي عليه فترى في وجهه ما لا تعهد فترجع خائفة حائرة. تعرض عليه الغناء فيرفض، واللعب فيأبى، والقراءة فلا يجيب. تقول ويصمت، وتبسم ويعبس، وتجد حينا وتهزل، ولا تدرك من سبب لهذا الغضب، وهو يتململ ويتعذب ويعض على شفتيه، إلى أن يطفح الكيل فيصيح بها):
كفي خداعك يا شقية وارجعي
فلقد شفيت من الغرام الموجع
واسترجعي تلك اللحاظ، فلم أدع
لسهامها في مهجتي من موضع
وتقدمي يا حية لم تنخدع
عيني بها إلا لتجلب مصرعي
قومي، اهجمي، انتفضي أمامي، واظهري
في هول منظرك القبيح المفزع
وتجردي من صورة ملكية
ما كان لولاها إليك تطلعي
وليحتجب ذاك الملاك فلم يعد
لي في الملاك وقربه من مطمع •••
أنا لا أدينك يا إلهي، إنما
لم تنقض الدنيا شرائعها معي
لم هذه الكأس الجميلة، إن يكن
لا شيء فيها غير سم مفجع
صورت أجمل صورة، وجعلتها
سترا لأقبح ما خلقت وأشنع •••
وعلام ذا الصوت الشجي كأنما
نغماته سحر يمر بمسمعي
هل يحسن الوتر المقطع يا ترى
لحنا كهذا اللحن غير مقطع (وينظر إليها بعين سكرى بالحب.)
لا عيب فيها، لا تنافر ... كلها
حسن يدل على اعتناء المبدع
إلا الفؤاد ... كأن ربك لم يطق
إبقاء صنعته بغير تصنع
ألويز بالله اذكري زمن الهوى
أيام قلبي عنك غير ممنع
أيام كاشفنا الصبا أسراره
وأنا وأنت من الصبابة لا نعي
أيام كنت أظن أن سعادتي
في قبلة تطفي وتلهب أضلعي
ألويز هل أذنبت نحوك يا ترى
حتى صنعت معي الذي لم أصنع
أنا ما قطعت صلات حبك مرة
فيما أسأت إليك حتى تقطعي؟
لويز :
إبك إبك يا فرناند
فبكاؤك أعدل من غضبك
فرناند :
أخطأت، ما هذي الدموع من الأسى
حتى تبرد لوعة المتوجع
هذا وداعي الهائل الأبدي لل
حب الذي بجناه لم أتمتع
أنا لست أبكي يا لويز علي، بل
أبكي عليك فلا تغرك أدمعي
قمر بأفق الحب ما حييته
حتى هوى، فكأنه لم يطلع
أبكي على أمل السماء لأنه
قد ضاع فيك وكان غير مضيع
إن الحداد على الطبيعة واجب
فأعز من فيها إليها قد نعي
وأحست لويز بفعل السم وعرفت بدنو الأجل، فلم يبق من سبب لإخفاء الحقيقة؛ لأن الموت يحل كل قسم، ولكن سبق السيف العذل.
لا تخافي هول الفراق فنفسي
لم تزل يا لويز تصبو إليك
لست أرضى الحياة عنك بعيدا
ولهذا ... أموت ... بين يديك
1902
تمت.
من شعر الصبا
ما نظم بين العاشرة والعشرين
من قصيدة في مدح معلمه المرحوم نعمة يافث وهي من أوائل نظمه.
خير الكلام الذي ترجوه ما صدقا
وأفضل الناس من بالصدق قد نطقا
ومن يقل غير ما تطوي ضمائره
فذاك غر تخطى الجهل والحمقا
يخوض في المدح لا إظهار مأثرة
بل قصد كسب فيفني الحبر والورقا
يقول وجهك بدر إن أتيح له
مال وإلا فوجه يشبه الغسقا •••
قف في ربى الشعر وانشد حكمة سطعت
أنوارها في سماء العلم مؤتلقا
يحلو المديح لذي علم ومعرفة
يريك من فضله ما يبهر الحدقا
كالعالم العامل الشهم الذي اشتهرت
أخلاقه وشذاها في الورى عبقا
1885
ومن قوله في حادثة:
يا ساعيا بالغدر بي
ن الأهل والإخوان مهلا
سترى مغبة ما سعي
ت وليس للإنسان إلا ...
البسة والمرآة
مترجمة عن فلوريان
أيها العالم يا من ينفق ال
عمر في تفسير ما ليس يفسر
قف قليلا واستمع عن بسة
قصة تدهش من فيها تبصر
رأت المرآة يوما فأتت
نحوها تنظر من فيها تصور
حسبت أن الذي لاح لها
غيرها فاستنكرت ما ليس ينكر
وعليه وثبت، فاصطدمت
صدمة كاد بها اللوح يكسر
فانثنت تطلبه من خلفها
1
لم تجد شيئا، فآبت تتفكر
كيف تأتيه فلا يفلت من
يدها، أو يختفي حينا ويظهر
فامتطت مرآتها ثم استوت
فوقها كمن علا صهوة أشقر
وانحنت شيئا فشيئا لترى
فرأت في البدء أذنا، ثم أكثر
ثم ... لكن غدر الثقل بها
فرماها، ولها الحظ تنكر
فهوت للأرض ثم انسحبت
وبفيها حكمة للدهر تذكر
كل ما نسعى إلى تفسيره
وهو عنا غامض غير مفسر
ليس في العيش ضروريا لنا
فلندعه فالضروريات أجدر
1886
من مرثية لأحمد الصلح
وطلب منه وهو في المدرسة رثاء أحمد باشا الصلح
2
فقال من قصيدة «وقد حاول فيها الخروج على التقاليد في الرثاء من ذم الدهر وغير ذلك»:
أيدري لباب المجد من أي سيد
عفا ربعه لما سرى نعي أحمد
وهل يعلم القطر المصاب بفقده
بأي رداء أهله اليوم ترتدي
بني العصر هذي وحشة الموت فانظروا
إذا كان فيها غير طرف مسهد
وذي شجرات المجد، هل من مرفرف
على شجرات المجد أو من مغرد
فقدنا إماما كان في الناس ذكره
يسير مع الركبان من كل منشد
سلوا بعده من كان يعشو لضوئه
إذا عاد في ليل الشدائد يهتدي (البقية مفقودة.)
1888
وقال بعد مرض قصير أقعده عن الدرس أياما:
إن العقول وإن سما إدراكها
إن أهمل استعمالها لا تنفع
كالسيف يقطع ما أجدت صقاله
فإذا نبذت صقاله لا يقطع
التقوى
شعر منثور
قيلت في إحدى الحفلات الخطابية الأسبوعية لصف المنتهين.
السلام عليك أيتها الحسناء الزاهية، المتهادية في مطارف الجلال، المتوجة بإكليل الكمال
الظاهرة لا من القصور، البارزة لا من الخدور
المقبلة نحونا لا كالمها، الطالعة علينا لا كالسهى
ما أجمل محياك ... وأطيب رياك ... وألطف حمياك!
تدب في الأرواح دبيب الأرواح، فخشوع في الإبصار، وخضوع في الأفكار، وتأس على الأسى، وعزاء على العذاب، وشفاء للعليل السقيم، وسمير من يبيت في ليلة سليم.
3
حياك الله ما أقوى سلطانك على القلوب، وأسعده لضحايا الآثام والذنوب، وأبعده عن العيوب، وأقربه من تبوئة ذويه النعيم.
خطيب الفضيلة
وعروس النعمة
روح المعرفة
ورأس الحكمة
كمال شرف الخلق
وغاية أمر الله في الخلق
حياك الله ما أحلاك في النفوس، وحيا الله روحك القدوس، وحيا الله وجهك الكريم
أي سادتي، لا حاجة للبيان وقد حصحص الحق للعيان، فلتطأطئ الرءوس ثماني ثمان، تلكم هي التقوى وهذا هو الإيمان
فابنوا على الحق آمالكم ... واقضوا بالحق أعمالكم ... ولباس التقوى ذلك خير لكم.
1890
من رسالة إلى صديقه المرحوم يوسف زيدان شقيق صاحب الهلال:
يا رسولي إلى حمى مصر بلغ
عن فؤادي تحية المشتاق
بكتاب ضمنته نار شوقي
فتعجب للنار في الأوراق
سال فيه على سطور الهوى ما
سال فيه من مدمعي المهراق
لست أنسى يوما تطأمنت الأع
ناق فيه للبين بعد العناق
يا رفيقي النائي المودع مهلا
لا تطيق النوى قلوب الرفاق
غبت عنا وأنت فينا مقيم
غائب الشخص حاضر الأخلاق
سبقتنا الأقدار فاخترت بعدا
مع أن القلوب جرد سباق
وغدا «البرق» بيننا ترجمانا
عل أن نجتلي بروق التلاقي
فإذا ما لبثت والود باق
كلنا ههنا على العهد باق
1888
ومن قوله:
بأبي ذات جفا عاتبتها
فأجابت ليس مثلي في الملال
قلت: تعذيبي مر وحرا
م، فقالت: إنما عندي حلال
كان الناظم قبل أن يفكر بدرس الطب يميل إلى الصحافة، فبعث وهو دون السادسة عشرة من العمر إلى المرحوم بشارة تقلا صاحب الأهرام رواية شعرية عنوانها «طابخ السم آكله»، مع بعض قصائد ومقالات حبرها لذلك العهد، وصدر المجموعة بهذين البيتين:
مولاي هذي نبذة أودعتها
من آنسات الفكر بعض خواطر
ولذا بعثت بها إليك تفاؤلا
حتى إذا قبلت بعثت بسائري
ثم بقصيدة في مدح جريدة الأهرام قال فيها:
لا تذهبن إلى القنوط تزهدا
ما دام يسعدك الزمان لتسعدا
أولست تذكر آية لك أنزلت
يا أيها الإنسان لم تخلق سدى
هذي حياتك فاغتنم لذاتها
قبل الفوات بما تراه أرشدا
إن تكتنفك من الوجود خلائق
فلقد جعلت على الخلائق سيدا
ولئن تنازعك البقاء فأنت أق
درها منازعة وأطولها يدا
ومنها:
العلم عاد لمهده فتيمنوا
إذ كان عود العلم عودا أحمدا
وعزيمة القدماء فينا جددت
ودم الفنيقيين فينا جددا
أفما تعي آذانكم صوت العصو
ر الآتيات بنا يرددها الصدى
هبوا فوجه الشرق رد بهاؤه
وتسابقوا فسبيلكم قد عبدا
ولقد رأينا من نوابغ قومنا
فضلا به جيد المعارف قلدا
بجريدة قد صححت بثمارها
ما كان من مقل البصائر أرمدا
يا موجد الأهرام من قدم أفق
وانظر لهذا العصر ماذا أوجدا
هاتيك ضمنت الجسوم وهذه
لب العقول وفكر أرباب الهدى
ثم بقصيدة في تهنئة صاحب الأهرام بزفافه، طلبت منه وهو على مقاعد الدرس مع تاريخ شعري هذا هو:
4
بشارة قد جنحت لخير ذات
حوت مع فضلها كل الطهارة «ببتسي» قد ظفرت وليس بدع
فأنت مثيلها سمة بشارة
فقل ما راق ذا التاريخ وجها
لقد نلت المراد لك البشارة
1889 [وجها = 15، لقد = 134، نلت = 480، المراد = 276، لك = 50، البشارة = 934]
وقد تلطف يومئذ صاحب الأهرام فأجاب الشاعر الفتى على كتابه، وقد ظن أنه يريد طبعه، ولكن الشاعر شرح له قصده وأمله بالانخراط في سلك محرري الأهرام، فجاء الجواب اعتذارا وأسفا؛ لأنه كان قد ارتبط مع ثلاثة محررين جدد، هم: خليل مطران وخليل زيدان ونجيب الجاويش، ولم يبق محل لرابع، وهكذا كانت الخيبة الأولى في حياة الشاعر.
الدارعة فكتوريا
من نحو ستين سنة جاء الأسطول البريطاني البحر المتوسط، ومر بميناء بيروت وطرابلس، وهناك أثناء تمرينات بحرية، أصيبت ڤكتوريا بضربة قاضية من إحدى مدرعات الأسطول، فغرقت وغرق معها من الشبان نحو مائتين وخمسين، وكلهم من خيار الأسر وصفوة الإنكليز، كانوا يتعلمون فيها ويتدربون، فاهتز العالم للفاجعة، ونظم الشاعر الشاب هذه القصيدة، وقد أثبتناها برمتها لفائدتها التاريخية.
أنة الغرب في الشرق
في رثاء الدارعة ڤكتوريا ورجالها، مقدمة إلى جلالة ملكة الإنكليز وإمبراطورة الهند.
الإنكليز اليوم في حسراتها
سكرى تصعد بالأسى زفراتها
أعلمت أية نكبة رزئت بها
من عاديات الدهر في غاراتها؟
قف بي فديتك لحظة متأملا
في حادث أودى بخير كماتها
بعثت بأسطول لها لسياحة
في البحر، ساعية إلى حاجاتها
فأتى، وبين صفوفه ڤكتوريا
لا تلحق الأبصار مرتفعاتها
بمدرعات كالجبال مناعة
تجري نظير الأسد في فلواتها
وصلت إلى بيروت في تطوافها
فرست بها حينا على ضفاتها
وأتت طرابلس الشآم وما درت
أن القضاء يحوم في فسحاتها
وقفت بعرض البحر كي تجري منا
ورة به جريا على عاداتها
وهناك قد ساق القضا ڤكتوريا
لتضمها الأمواه في لجاتها
صدمت بكمبردون فانشقت وقد
جرت المياه تغور في غرفاتها
فتخوف الأقوام عقبى أمرها
وبغوا خلاص النفس من آفاتها
أما رئيسهم الأمير فلم يبح
لهم الفرار مؤملا بنجاتها
لكن مياه البحر خانته فمذ
دخلت إليها عطلت آلاتها
إذ ذاك بادر بعض من فيها إلى
خوض المياه ليدركوا جاراتها
وسواهم ممن بقوا في جوفها
طلبتهم الأمواه من شرفاتها
أما الأميرال النبيل فإنه
لم يرض عيشته على علاتها
فاختار أن يتجرع الكأس التي
بخطاه جرعها أعز ذواتها
وأقام ينتظر المنية مطرقا
في الأرض ليس يخاف تهديداتها
حتى هوت فيه السفينة واختفت
من لجة الإبحار في ظلماتها
والقوم فوق البر ينتظرونها
ظنا بها غاصت بتمريناتها
والناس في باقي البوارج خلتها
من هول ذاك الخطب في سكراتها •••
ثبتت على الأمواج بضع دقائق
عجبا فأين محدثي بثباتها
من صدمة قد عطلت وهي التي
كانت تخاف الأرض من صدماتها
لهفي على تلك المعالم كيف قد
سمحت صروف زمانها بشتاتها
هي في أروبا قوة البحر التي
لمصابها شمل الأسى قواتها
فلتخفض الرايات كل سفينة
في البحر ترفع بعدها راياتها
ولتحفظ الذكرى لها أخواتها
ما وجهت لبلادنا خطواتها •••
يا زائرا مينا طرابلس التفت
وانظر هناك إلى بعيد جهاتها
واقطع من الأميال فيها خمسة
نحو الشمال وقف بعيد فواتها
فهناك تحت مياهها ڤكتوريا
غرقت إلى السبعين من قاماتها
تركت بلاد الغرب مشرق وجهها
وأتت فكان الشرق مغرب ذاتها
غرقت ببحر الروم من كانت تخو
ض الأوقيانوسات في غزواتها
ذهبت وما أبقت لها أثرا فوا
عجباه أين جميع محمولاتها
أين المدافع مرعدات في الفضا
إن أمطرت فوق العدى بكراتها
بل أين ما فيها من الآلات إن
هي أنفذت في البحر حراقاتها
بل أين من فيها من الآساد إن
وثبت تهز الأرض في وثباتها
بل أين من فيها من الأشبال قد
قصفت غصونا في ربيع حياتها
تركت بلاد شبابها ما ودعت
إخوانها فيها ولا أخواتها •••
اليوم أمست إنكلترا وقد
شمل الأسى أطراف معموراتها
اليوم فوق شطوطها تلقى من الس
سكان من عدتهم بمئاتها
ولد يشوق إلى أبيه ووالد
يبكي ابنه المدفون في طبقاتها
وهناك غادات تنوح صبابة
مزجت مياه البحر من عبراتها
أم تذوب على ابنها وليأسها
ملت من الدنيا ومن لذاتها
وحبيبة موعودة بلقاء من
تهوى ولكن لم تنل غاياتها •••
يا قطر لندن أنت منتظر إذن
ڤكتوريا لتعود من سفراتها
خبر بنيك وساكنيك بأنه
قد غيرت ڤكتوريا عاداتها
نسيت بنيها في الحمى ومعاهد ال
آرام والغزلان عند بناتها
يا قوم هل رأت الممالك أو روى الت
تاريخ خطبا مثل ذا لرواتها
جزعت بلاد الإنكليز لفقدها
جزعا يخلد في الورى لهفاتها
خسرت بها ركنا لها في بحرها
في جندها في شعبها وسراتها
في رأس من ولي البحارة عندها
وأميرها الممتاز في ساحاتها
ماذا يصيب ترى قرينته التي
قد أوحشتها الدار من مشكاتها
بل كيف حال مليكة لم يندرج
ذا الخطب يوما بين محذوراتها
يا صبر، فافخر أن ترافق قلبها
فسواك موقفه على عتباتها
عرفت ملوك العصر عظم مصابها
ولذاك عزتها على نكباتها
وجلالة السلطان في ذا الخطب قد
جادت بما اعتادته من حسناتها
لما أتاها نعي من صرعوا به
وهبت لها أرضا لضم رفاتها
ولتلك مأثرة تؤيد أنها
وقفت لخير قريبها نياتها •••
هذي حكاية حالها حررتها
بيد الأسى دفعت بتأثيراتها
شرقية عربية نزعت إلى
غرب البلاد تبثه خطراتها
لم تقتنع فيما أتت لو لم يكن
قد بخر الزفرات حبر دواتها
هي أنة الغرب التي في الشرق قد
رنت فحدث عن صدى رناتها
عزى الإله الإنكليز ولا سلت
صبرا فإن الصبر بعض صفاتها
ولها عن المفقود بالموجود من
أبطالها عوض ومن ساداتها
1891
وقال بعد خروجه من المدرسة - من قصيدة يرثي بها إلياس صالح صاحب قصيدة الحرية الأدبية التي أنشدها في الكلية «الجامعة الأمريكية اليوم»، وكان لها وقع عظيم، ثم سافر إلى مصر للاشتراك في تحرير المقطم، فلم يمهله القضاء لإظهار مواهبه الأدبية والشعرية:
أروعك الطير المغرد في الفجر
فقمت كئيب النفس منقبض الصدر؟ •••
أسير على العشب المرطب بالندى
فلا أقلق النوام في ذلك القفر
وآوي إلى ظل المدافن عندما
تطل علي الشمس موقظة فكري
أخاطب بالتذكار قوما تقدموا
وما أبقت الأيام منهم سوى الذكر
وأذهب بالنجوى إليهم محدثا
بشكواي أهل القبر يا جيرة القبر
إذا ما بدا للعين مثوى ابن صالح
وقفت لديه خاشع الطرف والفكر
وأطلقت دمعي حوله ساقيا به
ربيعا نضيرا من خلائقه الغر •••
وبعدك يا إلياس لم نلق صالحا
لنظم عقود السحر سطرا إلى سطر
تمثلت في ذهني فأنطقتني بما
يراه الوفا فرضا على الصاحب الحر
فبلغ سلامي معشرا قد بكيتهم
وما زال دمعي كلما ذكروا يجري
ونم في ظلال الأمن والراحة التي
تفوز بها الموتى إلى آخر الدهر
هناك ضياء الفجر أصفى أشعة
هناك نسيم الليل ألطف إذ يسري
1893
رثاء سليم جدي
كان سليم جدي شاعرا مطبوعا، أخذه الموت من بين ذويه وهو في إبان شبابه ومطلع شهرته، وقد رثى الدارعة ڤكتوريا أيضا بقصيدة عامرة، وله قصائد عديدة غيرها، فنظم صاحب الديوان في رثائه قصيدة نذكر منها ما علق بالذاكرة.
لا تجفلي يا حمام الأيك من دنف
قد بات من غدرات الدهر جفلانا
ولا يروعك إن ناح العشي فتى
نواحه علم الأطيار ألحانا
يبكي لإلف سقاه الود ثم قضى
كأنه وكأن الود ما كانا •••
وما سليم لينسى حزنه أبدا
فطال ما أنسه الأحزان، أنسانا
وإن بكيناه بالشعر الرقيق فكم
من مرة برقيق الشعر أبكانا
سأزرع البان أغصانا بتربته
لأنه كان غصنا يشبه البانا
وذا رثائي إذا أوجزته فكفى
إن كان من مدمع الآماق ريانا
وما أنا يا بني أمي بمنتظر
غير الشقاء فهذي حال دنيانا
قد أعجزتني الليالي فارحموا عجزي
والله يرحم موتاكم وموتانا
وقتل قسطا باولي غدرا في ليلة خسف قمرها، فكتب تحت رسمه:
قتلوه في ليل توارى بدره
حزنا على قمر الثرى المتواري
فكأنه علم الفظيعة قبل أن
تجري فحجب وجهه بسار
1895
وكان المرحوم نخلة بسترس قد ركب الباخرة «سهام» ليلحق بوالي بيروت في عرض البحر ويودعه، فحدث انفجار في الباخرة غرق فيها من غرق، وأعيد المرحوم جثة مشوهة بالنار. والظاهر أنه كان بالقرب من مرجل الباخرة ساعة انفجاره، فلم تمكنه النار من السباحة وهو يجيدها، فمات حرقا وغرقا، فكتب تحت رسمه:
هذا الذي كان مثل النار همته
وخلقه الماء في لطف وإعطاء
أصابه من «سهام» الدهر غائلة
فراح فيها شهيد النار والماء
تفضل بعض الأدباء بتقاريظ شعرية لهذا الديوان، ولا نعلم كيف ضاعت بين الأوراق، فنعتذر إليهم آسفين شاكرين.
Shafi da ba'a sani ba