آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٢٠) رفع اليدين في الصلاة تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (٦٩١ - ٧٥١) تحقيق علي بن محمد العمران وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى دار عطاءات العلم - دار ابن حزم

المقدمة / 1

مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين إلى يوم الدين، وبعد: فهذا بحث جليل أفرده الإمام شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر المشهور بابن قيِّم الجوزية (ت ٧٥١) رحمه الله تعالى، في مسألة فقهية واحدة، وهي مسألة: رفع اليدين في الصلاة، وجَعَل الخلافَ فيها معقودًا بين فريقين: الأول: جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة، القائلين بأن رفع اليدين في الركوع، والرفع منه، والقيام من الركعتين سنة ثابتة عن النبي ﷺ. والفريق الثاني: بعض العلماء من الحنفية وغيرهم، القائلين بعدم سنية رفع اليدين في تلك المواضع. فحرَّر الأقوال في المسألة، وذكر دلائلها النّقلية والعقليّة، واستقصى فيها ما شاء له أن يستقصي، واستدلَّ لكلِّ مذهب بما يعجَز أصحابه أن يستدلوا له، وناقشَ مواقف الفُرَقاء منها، وبما أجاب به كلُّ فريق، ووازن بين تلك المذاهب، فنظر فيها نظر المُنصف المريد للحقِّ. ولئن كان المؤلِّف لم يصرِّح باختياره وترجيحه لأحد القولين في المسألة ــ فيما بين أيدينا من الكتاب على الأقل (^١) ــ فإنه يقود القارئ _________ (^١) إذ ربما صرح به في مقدمة الكتاب المفقودة.

المقدمة / 5

إلى الرأي الراجح، ويأخذ بيده إلى الصواب دون أن يلجئه إليه إلجاءً، وسبيله في ذلك: كثرة الأدلة، وقوَّة الحجج التي يسوقها لطرفي النزاع، وسداد الأجوبة، ورد الاعتراضات، وهذا ظاهر في كتابنا بحمد الله تعالى لا خفاء به، إذ استغرق الاستدلال والاحتجاج للقائلين بالرفع أكثر من (٢٠٠) صفحة، وللفريق الآخر نحو (٣٣) صفحة. على أن المؤلف قد نصَّ على اختياره في عدد من كتبه، وصرَّح بذلك تصريحًا لا مزيدَ عليه في كتابه «زاد المعاد»: (١/ ٢١٨ - ٢١٩) قال: «وروى رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة (يعني للإحرام والركوع والرفع منه) نحوٌ من ثلاثين نفسًا، واتفق على روايتها العشرة، ولم يثبت عنه خلاف ذلك ألبتة، بل كان ذلك هديه دائمًا إلى أن فارق الدنيا، ولم يصح عنه حديث البراء: «ثم لا يعود» بل هي من زيادة يزيد بن [أبي] زياد. فليس تَرْك ابنِ مسعودٍ الرفعَ مما يُقدَّم على هديه المعلوم، فقد تُرِك من فِعْل ابن مسعود في الصلاة أشياء ليس معارضها مقاربًا ولا مدانيًا للرّفع، فقد تُرِك من فعله التطبيق والافتراش في السجود، ووقوفه إمامًا بين الاثنين في وسطهما دون التقدم عليهما، وصلاته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ولا إقامة لأجل تأخير الأمراء. وأين الأحاديث في خلاف ذلك من الأحاديث التي في الرفع كثرةً وصحةً وصراحةً وعملًا، وبالله التوفيق» اهـ. وللمصنِّف ﵀ اهتمام بإفراد جُملةٍ من المسائل الفقهية بمؤلفات خاصة، ينتهِج فيها نهجًا واحدًا من تحرير الأقوال، واستيعاب الأدلة، والنظر فيها على طريقة الاجتهاد، وترجيح ما ينصره الدليل والبرهان، مثل: «إغاثة اللهفان

المقدمة / 6

في حكم طلاق الغضبان»، و«حكم إغمام هلال رمضان»، و«نكاح المحرم»، و«حكم تارك الصلاة»، و«ما يحلّ ويحرم من لباس الحرير»، وغيرها. وقد تأخَّر طبعُ هذا الكتاب مع وجود نسخته الخطيَّة على طَرَف الثُّمام، بل هي بأيدي الباحثين منذ زمن ليس بالقصير (^١) = بسبب أن نسخته الوحيدة ــ آنذاك ــ كان لا يمكن الاعتماد عليها؛ لنقصها، ولكثرة البياضات والخروم فيها، ولكونها حديثة النَّسْخ. ولم يكن في النية الجازمة التوجُّه لأخراج هذا الكتاب ضمن هذه السلسلة من مؤلفات الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الوقت على الأقل؛ للأسباب السالفة ذاتها، ولكن لما يسَّر الله تعالى الحصول على نسخة نفيسة للكتاب، وظهر أنها أصل تلك النسخة المتأخرة= قويَ العزمُ على تحقيق الكتاب، وسَلْكه ضمن كتب هذا المشروع المبارك إن شاء الله تعالى. على أنه لم يحصل تمامُ الفرح بها؛ إذ النقص حاصل فيها أيضًا، لكنها نسخة نفيسة بخط أحد تلاميذ المصنف، ونَسَخها من خطه، وكتَبها في حياة مؤلفها (كما سيأتي بالتفصيل عند الكلام عليها). وقد تفضل الأخ الكريم الشيخ عبدالله بن محمد المديفر بإخباري بأمر هذه النسخة حالَ وقوفه عليها، ثم بادر بتصويرها وإرسالها على (CD) فجزاه الله خيرًا ونفع به. _________ (^١) انظر «ابن قيم الجوزية: حياته آثاره موارده» (ص ٢٥١ - ٢٥٢) لشيخنا العلامة بكر ابن عبدالله أبو زيد رحمه الله تعالى.

المقدمة / 7

وبين يدي الكتاب سأقدم عدة مباحث هي: - تمهيد، وفيه: سبب عناية العلماء بهذه المسألة، وذكر المؤلفات فيها. - مباحث دراسة الكتاب، وفيها: - اسم الكتاب. - تاريخ تأليفه. - إثبات نسبته للمؤلف. - عرض موضوعات الكتاب. - موارد الكتاب. - وصف النسخ الخطية. - طبعات الكتاب. - منهج التحقيق. - نماذج من النسخ الخطية. وفي آخر الكتاب توَّجْنا العملَ بفهارس مفصَّلة؛ لفظية وعلمية، كما هو دأبنا في هذه السلسلة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. كتبه عليّ بن محمّد العِمْران في ٢٨/جمادى الآخرة/١٤٣٠ مكة المكرمة حرسها الله للتواصل: [email protected]

المقدمة / 8