مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله خير خلقه وأمين وحيه وعلى آله قرناء كتابه الأمناء على رد متشابهه إلى محكم آياته، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
يقول المفتقر إلى عفو الله ومغفرته/ عبد الرحمن حسين شايم المؤيدي الحسني:
أما بعد: فلما كان نظم السيد العلامة الهادي بن إبراهيم الوزير رحمه الله للخلاصة المسمى: (لباب المصاصة) نظما فائقا بذ البلغاء وأعجز الفصحاء، وزاده حسنا ورونقا موضوعه، لأنه في أصول الديانات، توحيد الله تعالى وعدله، ومعرفة الوعد والوعيد والنبؤات والإمامات. وقد أتى فيه رحمه الله بالعجب العجاب، وحوى نظمه رحمه الله ما لذ وطاب، وقد شرحها الناظم رحمه الله بشرح متوسط بين الإيجاز والإطناب، وللسيد العلامة عبدالكريم بن عبدالله أبو طالب رحمه الله شرح نفيس مطول، جمع فأوعى، ولما سألني بعض من يجب إسعافه ويحسن إتحافه أن أصحح من مبانيها رسوما، وأستخرج من معانيها علوما، رأيت إجابته وإسعافه بطلبته، فوضعت عليها تعليقا مختصرا لينتفع به الطالبون ويستفيد منه الراغبون، ونستمد من الله تعالى المعونة والأجر، ونسأله السداد والتوفيق والهداية إلى أوضح طريق، والمرجو من الإخوان أن من وجد خللا أصلحه أو نبه عليه، هذا إذا لم يجد له محملا صحيحا، لأن ذلك من المعاونة على البر والتقوى.
ترجمة الناظم رحمه الله تعالى
هو السيد الكبير الخطير: الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير.
قال في تاريخهم: هو السيد السند الإمام المعتمد ذو الفضائل والآثار، والذي لم يسمع بوجود مثله في الأعصار، والركن الأشم في أولاد الإمام الهادي والمربي على أقرانه في أهل الحواضر والبوادي، جامع أشتات العلوم ومناظرها في المنثور والمنظوم.
مولده: في هجرة الظهراوين يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر المحرم سنة ثمان وخمسين وسبعمائة 27/ محرم/ 758ه.
Shafi 8
قراءته: قرأ القرآن على والده، ثم أخذه مع ابن عمه محمد بن أحمد بن بن محمد المرتضى إلى عمه المرتضى الذي كان طالبا للعلم في حينه في مدينة صعدة، فقرأ فيها مدة طويلة في علوم العربية نحوا وتصريفا ومعانيا وبيانا، وكذا تفسير القرآن الكريم على العلامة إمام المحققين وترجمان أهل عصره أجمعين إسماعيل بن إبراهيم بن عطية النجراني، وعلى الفقيه العلامة محمد بن علي ناجي في علوم الآداب، أيضا واللغة، منها ديوان أبي الطيب المتنبي، وقرأ في الأصولين والفروع على القاضي العلامة ملك العلماء عبدالله بن الحسن الدواري، وعلى عمه المرتضى بن علي وكان إماما في علم الكلام قد أتقن كتب الكلام المتداولة، وكذا علم عمه أحمد بن علي.
وقد سمع جامع الأصول بمكة المكرمة على قاضي الحرم الشريف محمد بن عبدالله القرشي المخزومي.
له رسائل ومسائل وأشعار لا تحصى كثرة.
مصنفاته: له مصنفات عديدة منها: كتاب كفاية القانع في معرفة الصانع ونظم الخلاصة -التي بين يديك-، وشرحها المسمى: تلقيح الألباب في شرح أبيات اللباب.
وكتاب: الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين.
Shafi 9
والتفصيل في التفضيل، وكتاب الرد على ابن العربي، وهداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت الطاهرين، وكتاب الرد على الفقيه علي بن سليمان في العارضة والناقضة، وكتاب كاشفة الغمة عن حسن سيرة إمام الأمة، وكريمة العناصر في الذب عن سيرة الإمام الناصر، وكتاب السيوف المرهفات على من ألحد في الصفات.
وكان رحمه الله تعالى كثير الذكر، وله مراسلات مع أهل زمانه في مختلف النواحي من المخاليف اليمنية وأمراء مكة حتى اشتهر وظهر وذاع صيته رحمه الله، فذكره العالم الحفاظة المحدث المؤرخ ابن حجر العسقلاني المصري في تاريخه، وأثنى عليه، وذكر أخاه محمدا في ذلك التاريخ بما هو أهله.
وفاته: توفي رحمه الله بذمار بحمام السعيدي آخر نهار تاسع عشر ذي الحجة الحرام صائما في سنة إثنتين وعشرين وثمانمائة هجرية.
وضجت اليمن لموته، ورثاه العلماء بمراثي عظام، فرحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار، وألحقنا به صالحين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
نقلت هذه الترجمة بتصرف من مطلع البدور (ج/2/ص/ 351) لابن أبي الرجال (مخطوط).
Shafi 10
مسائل في إثبات الصانع سبحانه وتعالى
أبا حسن يا ابن الجحاجحة(1) الغر .... من القمر انوار(2) والكوكب الدري
إليك من الأفكار عني نتيجة .... كواسطة التقصار(3) كلل بالدر
محبرة(4) يستوقف الركب لفظها(5) .... ويستخرج الماء المعين من الصخر فهاك علي بن المرتضى بن مفضل(1) .... من الجوهر الشفاف(2) شفافة القدر
Shafi 11
وإن كنت لم أصبغ يدي في بلاغة(3) .... ولم أك ذا خل(4) هناك ولاخمر
وما أنا بالسباق في النظم جودة .... ولا أنا بالغواص في لجة(5) البحر
ولكنني لما رأيتك والدا .... رأيتك لاتحتاج مني إلى العذر(6)
فخذها على بعد المزار غريبة .... حوت من أصول الدين عشرا إلى عشر
إلى مثلها هذى الخلاصة كلها .... ثلجت(7) تحقيق لأسرارها صدري فحمدا لمن فزنا بعرفان ذاته .... على مثله حمدا وشكرا على شكر(1)
Shafi 12
المسألة الأولى من مسائل التوحيد (في أنه لابد لهذا العالم من)
صانع صنعه)
اعلم أن مسائل التوحيد تنقسم إلى قسمين: إثبات، ونفي، فمسائل الإثبات ست: الأولى: أن لهذا العالم صانعا، والثانية: مسألة قادر، والثالثة: أنه عالم، والرابعة: أنه تعالى حي، والخامسة: أنه سميع بصير، والسادسة: أنه قديم.
ومسائل النفي أربع: الأولى: أن الله تعالى لا يشبه الأشياء، الثانية: أنه تعالى لا تجوز عليه الحاجة، الثالثة: أنه تعالى لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، الرابعة: أنه واحد لا ثاني له.
ومسائل الإثبات مقدمة على مسائل النفي، لأنها لا تعلم مسائل النفي مالم تعلم مسائل الإثبات.
ثم إن حقيقة التوحيد في اللغة: مصدر وحد الشيء، جعله واحدا بالفعل والقول. وفي الإصطلاح: هو العلم بالله تعالى وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه منها، ويدخل في ضمن ذلك العلم بنفي القديم الثاني.
فأول موج فيه أولى غياصة .... مقالتنا بعد الدليل لذي حجر
بأن لهذا الخلق لابد صانعا .... وقد ضل لب الفيلسوفي والدهري
بناء بلا بان له وكتابة .... بلا كاتب أين العقول التي تدري
وفي هذه الأجسام أكوان كائن .... تدل على أصل الحدوث لمستقري
وإن شئت حررت الدليل بأنها .... أقيمت فقامت بالأماكن(2) والأمر
ولابد فيها من مقيم لأنها .... بغير مقيم لاتقوم على قدر
ولما أثرنا للعقول أدلة .... تضيء كأنوار النجوم التي تسري هدمنا بها بنيان قوم تفلسفوا .... وتاهوا(1) ولم يستعملوا نظرالفكر
Shafi 13
قال الجوهري: الغوص: النزول تحت الماء، وقد غاص في الماء، والهاجم على الشيء غايص، والغواص: الذي يغوص على اللؤلؤ، وفعله الغياصة. إه..
والحجر: العقل لأنه يحجر أي يمنع الإنسان عما لا يليق به.
والفيلسوف: واحد الفلاسفة، وهم الذين أنكروا الصانع المختار، وقالوا بإثبات العقول والعلل والأفلاك، والدهرية الذين حكى الله مذهبهم بقوله تعالى: {وما يهلكنا إلا الدهر}[الجاثية:14]، وأنكروا الإله الصانع المختار الملك الجبار، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
وفي هذه الأجسام أكوان كائن: أشار بهذا البيت إلى دليل الأكوان، وهذا الدليل إستدل به جماهير من أئمة أهل البيت عليهم السلام وجماهير المعتزلة، وتحريره: أن يقال أن هذه الأجسام لم تخل من الأعراض المحدثة، ولم تتقدمها، ومالم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله، وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاوي، يرجع في تفصيلها إلى شرح الناظم، وشرح الخلاصة، وشرح الأساس عدة الأكياس، وغيرها من المؤلفات.
والجسم حقيقته: هو الطويل العريض العميق.
(قوله: أكوان كائن) الكون عندهم: هو المعنى الموجب كون المتحيز في جهة، والكائن الحاصل في جهة على حد الإستقلال، واحترزوا بقولهم: على حد الإستقلال، عن العرض.
والأكوان عندهم خمسة أقسام: حركة، وسكون، واجتماع، وافتراق، وكون مطلق، على خلاف في الأخير.
قوله: (وإن شئت حررت الدليل...إلخ) أشار بهذا البيت إلى الدليل الذي اعتمده بعض أئمتنا عليهم السلام، وأبوالحسين البصري، وابن الملاحمي، لأنهم ينفون الأكوان ويجعلون الكائنية بالفاعل، ولهم تفاصيل ليس لنا غرض في تفصيلها. وللسيد الإمام نور الدين حميدان بن يحيىكلام نفيس في مجموعه، وكذلك الإمام عماد الإسلام يحيى بن حمزة له عناية في نصرة هذا القول، الذي هو نفي الأكوان.
Shafi 14
ومعنى البيت: أن هذه الأجسام أقامها الله تعالى في أماكنها بأمره فقامت على حسب إرادته.
المسألة الثانية (في أن الله تعالى قادر)
حقيقة القادر: هو المختص بصفة لكونه عليها يصح منه الفعل مع سلامة الأحوال، أفاد هذا في الخلاصة، وهو عند أبي الحسين البصري، وابن الملاحمي من يصح منه الفعل مع سلامة الحال، وهذا بناء منهم أن صدور الفعل من الفاعل على سبيل الصحة والإختيار يعلم منه ضرورة أنه يقتضي قادريته، وقد أورد على الحد الأول أسئلة ذكرها في شرح الخلاصة وفي غيرها من المطولات يطلبها من أرادها.
وعدنا فقلنا أن ذا العرش قادر .... لصحة فعل منه في البر والبحر
ولما رأينا الشاهدين تخالفا .... عرفنا يقينا أن ذاك(1) لذي الأمر
وأن وجود الفعل فرع لصحة .... وقد وجد الفعل الحكيم بلانكر
فصح لنا أن المهيمن قادر .... لأفعاله اللاتي على نسق تجري
قوله: (بصحة فعل... إلخ): إعلم أن للصحة معان: أحدها: صحة في مقابلة الإستحالة، يقال: العالم يستحيل وجوده فيما لم يزل، ويصح وجوده فيما لا يزال، أي ليس بمستحيل.
Shafi 15
وصحة في مقابلة الإيجاب، يقال: الفاعل يقع منه الفعل على سبيل الصحة، بمعنى أنه مخير في ذلك، ولا يقع منه على سبيل الإيجاب، بمعنى أنه ليس بمخير.
وصحة بمعنى زوال الأسقام، يقال: صح العليل من سقمه.
وصحة بمعنى إعتدال المزاج، يقال: فلان صحيح، أي معتدل الطبائع والمزاج كما يقوله الأطباء، والصحة: إسم للتأليف الذي تحله الحياة، سمي تأليف أحدنا صحة.
وصحة بمعنى الإجزاء، يقال: صلاة فلان صحيحة، أي مجزية.
وصحة بمعنى إجتماع الشرائط المعتبرة شرعا، يقال: عقد هذا البيع صحيح، المعنى: أن شرائط البيع مجتمعة فيه، أفاد هذا في شرح الخلاصة.
واعلم: أن المتكلمين يستدلون على أن الله سبحانه قادر بأن الفعل قد صح منه، والفعل لا يصح إلا من قادر، ومرادهم بالصحة هنا الإمكان، ومعناه أن الفعل كان ممكنا قبل وجوده، والدليل على ذلك أن الفعل قد وقع والوقوع فرع الصحة، فلو كان مستحيلا لما وقع، وفي البيت إشارة إلى عجائب المخلوقات في البر والبحر.
قوله: (ولما رأينا الشاهدين تخالفا...إلخ) يعني أن الحيين في الشاهد لما اتفقا في كونهما حيين، وافترقا، فصح من أحدهما ما تعذر على الآخر، علمنا المفارقة بينهما قطعا، فعلمنا أن من صح منه الفعل فهو قادر.
Shafi 16
المسألة الثالثة (في أن الله سبحانه وتعالى عالم)
حقيقة العالم: هو من يصح منه الفعل المحكم مع سلامة الأحوال، وعرفه الناظم في شرحه بقوله: هو المختص بصفة لكونه عليها يصح منه إيجاد الفعل محكما إذا لم يكن ثم مانع ولا ما يجري مجراه. أه.
وفي صحة الفعل الحكيم دلالة .... على عالم سبحانه عالم السروالجهر
وفي القادرين الشاهدين دلالة .... على ذاك(1) فاعلم والدليل لمن يدري
وفي ملكوت الله أكبرحجة .... على عالم ثم الدليل من الفكر(2)
وفي زهرات الروض صنعة عالم .... بألوانها اللاتي تفتح بالزهر
قوله: (وفي صحة الفعل الحكيم دلالة...إلخ) نتكلم على حقيقة العالم والمحكم والإحكام والحكمة.
أما العالم فحقيقته: هو المختص بصفة لكونه عليها يصح منه الفعل محكما إذا لم يكن ثم مانع ولا ما يجري مجرى المانع، وهذا الحد اعتمده جماهير من المعتزلة ومن أئمتنا كثير، وللإمام القاسم عليه السلام في الأساس كلام يرجع إليه.
وحقيقة المحكم: المرتب المنتظم، هو كل فعل حسن فعله فاعله لغرض صحيح. أفاده الناظم في شرحه، وفي شرح الخلاصة، وفي شرح النجري على المقدمة، وفي الفرائد للمهدي عليه السلام قريب من ذلك.
قوله: (وفي الشاهدين..إلخ) ارجع إلى ما قلناه في مسألة قادر.
(وفي ملكوت الله..إلخ) الأدلة على أنه تعالى عالم كثيرة، ومن نظر في عجائب الصنع وما فيه من الإحكام ولطائف الإتقان ما يفوق صنعة كل صانع، ويكفي النظر في خلق الإنسان، وقد دلنا الله تعالى على ذلك بقوله:{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.[الذاريات:21]
Shafi 17
المسألة الرابعة (في أن الله سبحانه وتعالى حي)
ودنا بأن الله حي وأنه(1) .... قدير عليم عالم السر والجهر
وذلك فرع للحياة وقادر .... دليل على حي لمن كان يستقري
وقد صح أن الله من قبل قادر .... فصفه بحي خالق الموت والنشر
هو الحي لاحي سواه وإنه(2) .... يعيد البرايا بعد موت إلى الحشر
عرف الناظم الحي في شرحه بأنه: المختص بصفة لكونه عليها يصح أن يقدر ويعلم، والدليل على ذلك أنه قادر عالم، وكل من كان قادرا عالما وجب أن يكون حيا.
المسألة الخامسة (في أنه تعالى سميع بصير)
سميع بصير حيث لا آفة به .... تعالى عن الآفات ذي العز والقهر(3)
وتحقيق هذا الوصف تنزيه ذاته .... فسبحان ذات الله عن آفة تسري
وبعد وجود المدركات فمدرك .... بلا مانع في حقه وبلا ستر
وليس بذي جسم تحل بجسمه الن .... قائص جل الله ذو الخلق والأمر
عرف الناظم في شرحه السميع البصير بأنه: المختص بصفة لاختصاصه بها يصح أن يدرك المسموع والمبصر إذا وجدا، واعلم: أن المرجع بهما إلى كونه تعالى عالما، وتقرير هذا موضح في الأساس وشرحه.
وقال الأمير الحسين، والمهدي، والناظم، وغيرهم، والبصريون من المعتزلة: أن المرجع بها إلى أنه حي لا آفة به، مع أنهم فرقوا بين سميع وبصير وسامع ومبصر ومدرك، وإليه أشار بقوله: وبعد وجود المدركات فمدرك، والحق عدم الفرق فإن كل ذلك بمعنى عالم.
Shafi 18
المسألة السادسة (في أنه تعالى قديم)
قديم الوجود الأول الآخر الذي .... يجل(1)عن الأولاد والأهل والصهر
ولو لم يكن ربي قديما لكان في .... الحدوث له وصف وذلك للحصر
قديم الوجود..إلخ: حقيقة القديم في اللغة: ما تقادم وجوده، وعلى هذا يحمل قوله تعالى:{حتى عاد كالعرجون القديم}[يس:39] وهو في إصطلاح المتكلمين: الموجود الذي لا أول لوجوده.
والدلالة على أنه تعالى قديم ما أشار إليه الناظم بقوله: ولو
لم يكن ربي قديما...إلخ، وتحقيق ذلك أن نقول: لو لم يكن قديما لكان محدثا، ولو كان محدثا لما صح منه خلق الأجسام، ولأنه لو كان محدثا لاحتاج إلى محدث وتسلسل إلى ما لانهاية له.
(فصل في كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفات)
وإذ كملت هذي الصفات فأنه(2) .... لها مستحق لا كما قال ذو الكفر
ولكن لذات الله إذ يستحقها .... تقدس عما يفتري كل مستجري
لأن المعاني لا تليق بذاته .... وإن كان هذا مذهب الجاهل الغمر
Shafi 19
ومعنى لذات الله نفي ثبوتها .... لشيء سوى ذات الإله بلا أمر اعلم: أن المتكلمين يسمون هذا الفصل فصل الكيفية، والكيفية ما يسأل عنه بكيف، والماهية ما يسأل عنه بما، والمائية ما يسأل عنه بأين، وهو المكان، والكمية ما يسأل عنه بكم وهو العدد، فسموا هذا الفصل فصل الكيفية لأنه يقال: كيف يستحق سبحانه هذه الصفات هل لذاته أم لمعان أم لغير ذلك.
ثم إن الناظم رحمه الله ذكر في البيت: وإذ كملت هذي الصفات...إلخ، وفي البيت بعده: ولكن لذات الله، وفي البيت بعده: لأن المعاني لا تليق...إلخ، مسألة هامة تابعة لمسائل الصفات، فنقول: إن الله يستحق هذه الصفات لذاته، وتفسير ذلك أنه لا يحتاج في ثبوتها إلى فاعل ولا معنى يوجب هذه الصفات، وليست صفاته أمور زائدة على ذاته كما تقوله الأمورية، ولاهي أحوال ولا مزايا، وليس الموجب لثبوتها مقتض، ولا معان كما تقوله الأشاعرة، بل صفاته ذاته جل جلاله، ومعنى ذلك: أنه قادر بذاته لا بأمر غيره زايد على الذات، وعالم بذاته وسميع بصير بذاته.
والمعنى: أنه ليس إلا ذاته، وليست الباء هنا كمعناها في قولك: (كتبت بالقلم) بل كقولنا: (جاء زيد بنفسه) أي جاء هو لا غيره، وإيراد الأدلة والحجج لإبطال مذهب الأشاعرة وغيرهم مذكور في بسائط كتب الأصول كشرح الأساس والينابيع وغيرهما.
Shafi 20
المسألة السابعة والثامنة (في أنه تعالى لايشبه شيئا من خلقه)
وأنه تعالى غني)
وأشهد أن الله لاشيء مثله(1) .... غني وسيع الجود ربي بلا نكر
ومن خلق الأشياء كان لنفسه .... غنيا(2) عن الأشياء ليس بذي فقر
وأشهد أن الله لا شيء مثله...إلخ: هذا شروع في مسائل النفي وهي الصفات التي يجب نفيها عن الله لأنها من صفات النقص، والبيت الأول قد اشتمل على مسألتين: الأولى: أنه تعالى لا يشبه شيئا من المحدثات، لأنه لو أشبه شيئا منها لكان جسما أو عرضا، ولوجب أن يكون محدثا مثلها أو تكون قديمة مثله، وكل ذلك لا يصح.
أما المسألة الثانية: وهي مسألة غني فحقيقة الغني: هو الحي الذي ليس بمحتاج، والذي يدل على ذلك أن نقول: إن الحاجة هي الدواعي الداعية إلى جلب المنافع ودفع المضار، والمنافع والمضار لا تجوز إلا على من جازت عليه الشهوة والنفار، والشهوة والنفار لا تجوز إلا على من جازت عليه الزيادة والنقصان، والزيادة والنقصان لا تجوزان إلا على الأجسام، وقد أوسع المتكلمون في هذا الدليل نطاق الكلام، وحسبنا أن نقول: أن الحاجة لا تجوز إلا على المخلوق المحدث، وقد ثبت بالأدلة القطعية أنه تعالى خالق المحدثات من الأجسام والأعراض.
Shafi 21
المسألة التاسعة (في أنه تعالى لاتدركه الأبصار في الدنيا)
والآخرة)
وأن ليس بالأبصار يدرك عاجلا .... ولا آجلا تاهت عقول ذوي(1) الجبر
ضرار بن عمرو إنما ضر نفسه .... فلا كان قولا(2) من ضرار فتى عمرو
وهل تدرك الأبصار إلا مقابلا .... وماكان في حكم المقابل للبصر
وقد تاب موسى من سؤال لقومه .... ودك عليه الطور من جانب البر
مذهب الزيدية وجميع المعتزلة والإمامية والخوارج: أنه تعالى لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، والخلاف مع المجسمة والحشوية والأشاعرة ولنا أدلة عقلية ونقلية، وهذه المسألة يصح الإستدلال عليها بالسمع لأنه لا يتوقف معرفة السمع عليها. فالأدلة العقلية نذكر منها دليلين:
الأول: دليل المقابلة وتحريره: أن الأبصار لا ترى إلا المقابل أو ما في حكم المقابل كالوجه في المرآة، أو حالا في المقابل كالعرض في الجسم، والله تعالى لا يصح أن يكون مقابلا ولا في حكم المقابل ولا حالا في مقابل لأن جميع ذلك إما جسم أو عرض.
Shafi 22
الثاني: دليل الموانع وتحريره: أن نقول لو كان الله سبحانه يرى في حال من الأحوال لرأيناه الآن لأن الحواس سليمة والموانع مرتفعة، ولكل من الدليلين المذكورين تتمات تركناها خوفا من التطويل تراجع من البسائط.
أما النقل: فقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} [الأنعام:103] وقوله تعالى: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} [الأعراف:143]، وبيان وجه الدلالة من الآيتين موضح في الكاشف الأمين شرح العقد الثمين وفي ينابيع النصيحة وغيرهما من كتب الأصول يرجع إليها من أراد ذلك.
أما قول ضرار فقد قال الناظم رحمه الله: إنما ضر نفسه، لأنه خالف المعقول، وليس على قوله دلالة من المنقول، وكلما لا دليل عليه من العقل والنقل فهو باطل، وأشار بالبيت الأخير إلى أن موسى صلوات الله عليه لم يطلب الرؤية لنفسه لقوله تعالى: { { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك}[النساء:153]، ولأنه صلوات الله عليه عالم أن الرؤية لا تصح على الله تعالى، ولكن لما سألها قومه أراد أن ينضم إلى دليل العقل دليل سمعي لقطع شغبهم يذهب معه لحاجهم، وسلك في ذلك أبلغ مسلك، فسألها ليعلموا أنه إذا لم يعطها مع منزلته من ربه تعالى فهم بالمنع أولى، ولأنه لو سألها لنفسه لصعق معهم ولكان مثلهم وحاشاه عن ذلك، وأما توبته فهي للإقدام على السؤال قبل أن يأذن الله له بذلك.
Shafi 23
المسألة العاشرة (في أنه تعالى واحد لا ثاني له)
وأن إله العرش فرد موحد .... فجل جلال الواحد الصمد الوتر
عقيدة من في قلبه زهر الهدى .... بأنوار حق أو من الحق بالزهر
وأن آله العرش...إلخ. الواحد يستعمل في أصل اللغة على معنيين الأول: بمعنى واحد العدد. الثاني: بمعنى الشيء الذي لا يتجزأ كالجوهر عندهم.
وأما حقيقته في عرف اللغة فهو: المتفرد بصفات الكمال على حد يقل مشاركه فيها. وأما في إصطلاح المتكلمين فهو: المتفرد بصفات الإلهية على حد لا يشاركه فيها مشارك.
ومذهبنا أن الله تعالى واحد لا ثاني له يشاركه في صفات الإلهية التي استحق بها من عباده غاية التذلل والخضوع، وهذا تفسير العبادة التي تحق منا لله تعالى لأنه المنعم علينا بأصول النعم وفروعها، فأصولها خلق الحي وخلق حياته وخلق شهوته وتمكينه من المشتهى وإكمال عقله الذي يميز به بين الحسن والقبيح زاد على هذه الإمام زيد بن علي عليه السلام جهل الخلق بعلم الغيب وقبول التوبة بعد المعصية، وهذه نعمتان عظيمتان. وأما فروع النعم فلا تحصى كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}[إبراهيم:34].
والدليل على ما قلنا به أنه تعالى واحد لا ثاني له أن نقول: لو كان له ثان لصح بينهما الإختلاف والتمانع ، وكان يجب إذا أراد أحدهما تحريك جسم والآخر تسكينه أن يحصل مرادهما فيكون متحركا ساكنا في حالة واحدة وذلك محال، وأما أن لا يحصل مرادهما فيخلو الجسم من الحركة والسكون وذلك محال، وأما أن يحصل مراد أحدهما دون الآخر فمن حصل مراده فهو الإله القديم، ومن تعذر عليه فهو عاجز ممنوع، والعجز والمنع لا يجوزانب إلا على المحدثات، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}[الأنبياء:22] وقال تعالى: { {وما من آله إلا الله}[المائدة:95].
Shafi 24
باب العدل ومسائله
العدل له معنيان: لغوي واصطلاحي.
أما اللغوي: فهو يطلق على المثل يقال: هذا عدل هذا أي مساو له في القدر، قال الله تعالى: {أو عدل ذلك صياما}[المائدة:95] } ويطلق على الإنصاف، ويطلق على الجور فهو من أسماء الأضداد.
وأما الإصطلاحي: فالعدل عند الفقهاء من أتى بالواجبات واجتنب المقبحات. وأما في إصطلاح أهل علم الكلام: فقالوا قد يراد به الفعل وقد يراد به الفاعل وقد يراد به هذا العلم، فإذا أريد به الفعل فحده عند قاضي القضاة: هو كل فعل حسن يفعله الفاعل لينفع به الغير أو ليضره، واعترض بترك الظلم فإنه عدل وليس بفعل، وله أن يقول أن التروك عنده أفعال.
وقال الإمام مانكديم عليه السلام: هو توفير حق الغير واستيفاء الحق منه. وأما إذا أريد به الفاعل فقال المهدي عليه السلام: هو من لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب وأفعاله كلها حسنة، وما أحسن وأجمل قول الوصي أميرالمؤمنين عليه السلام: (العدل أن لا تتهمه) وكلامه عليه السلام أولى بالإتباع.
وإذ نجز التوحيد بعد تكافح .... ببيض براهين مهندة (1) بتر(2)
وبعد طعان بالأدلة إنه .... لألم(3) من طعن المثقفة السمر
بتلك قطعنا واقتطعنا بهذه .... كلا الفيلسوف المعتدي وكلا الجبر
وكم سبع قد سن في الشرك ظفره .... بغىسربنا(4) عدوا فعاد بلا ظفر
وما الثعلب النحاس(5) من عادة له .... يصول على ليث الشرا(6) البين المكر
ولا الحية الرقشاء في لسعاتها .... تخوف قرص(7) الخاز باز ولا الدبر
وما قابل الفهر الزجاج (8) مصادما .... فراح سليما من مصادمة الفهر
ومن ضرب الصخر اعتمادا(9) برأسه .... تفلق منه الرأس من ذلك الصخر ومايستوي البحران عذب ومالح .... وليس بغاث الطير تأوي مع النسر
Shafi 25
وإن محالا أن ترى(1) عين مبصر .... جناح الحبارى صافقامقل الصقر
ركبنا عباب البحر فوق سفينة .... ففزنا بها من كل سوء ومن شر
ومن ركب التيار في غير مركب .... فغير بعيد أن يصير إلى القعر
فكنا على فلك(2) النجى وخصومنا .... قد التقموا من بغيهم(3) في فم البحر
المهندة البتر: هي السيوف الماضية، المثقفة السمر: هي الرماح الشاجرة، وهذا استعارة.
قال الناظم عليه السلام: هي مأخوذة من قول الزمخشري رحمه الله في وصف العلماء: (في أفواههم بيض بواتر على رقاب المبطلين، وفي أيديهم سمر عواسل في ثغور المعطلين).
وقوله: البين المكر، المكر: الإحتيال والإنخداع، قال الناظم رحمه الله: وليس المراد هاهنا، وإنما قصدنا قول أبي زبيد الطائي يصف الأسد:
وفاجاهم يستن ثاني نحره .... له غبب كأنما بات يمكر
يمكر: يريد يحتفر التراب الأحمر، وهو الغرة غببة، ونحره من دماء من يفترس من الناس. الدبر النحل، الخاز باز الذياب، والفهر الحجر.
وقوله: (ركبنا عباب البحر) جواب وإذ نجز التوحيد، مع ما في ذلك من التنبيه على شدة الخوض في مسائل العدل حتى شبهها بالعباب.
وأشار إلى السلامة بركوب السفينة وهي الإعتصام بالأدلة القاطعة. فلله دره من سباق غايات وصاحب آيات!!! ورحمة الله عليه وسلامه.
Shafi 26
المسألة الأولى (في أنه عدل حكيم)
قضينا بأن الله عدل وأنه .... حكيم ببرهان له مطلع الفجر
وذاك بأن الله بالقبح عالم(1) .... وعنه غني دائما(2) أبد الدهر
مذهبنا: أن الله عدل حكيم ليس في أفعاله ما هو قبيح ولا ظلم ولا سفه ولا عبث ولا شيء من القبائح.
وحكى الإمام يحيى بن حمزة والمهدي عليهما السلام: أنه لا خلاف بين الأمة في أنه يوصف الباري تعالى بأنه عدل حكيم.
قال الإمام المهدي عليه السلام: لكن اختلفوا في معنى وصفه بذلك.
فالعدلية: يفسرونه بما تقدم من أنه لا يفعل القبيح...إلخ.
أما المجبرة: فإنما يريدون أن أفعاله لا توصف بالقبح لأن القبيح إنما يقبح للنهي أو لكون فاعله مملوكا، والباري ليس كذلك بل له أن يتصرف في ملكه كيف يشأ، والدليل على مذهب العدلية ما أشار إليه الناظم رحمه الله أنه تعالى عالم بقبح القبيح وغني عن فعله وعالم باستغنائه عنه وكل من كان بهذه الأوصاف فإنه لا يفعل القبيح ولا يختاره ولا يرضاه.
Shafi 27