نفسه الرحمة) (١)
(صحيح) وقال: (سبقت رحمتي غضبي) (٢)
و(غلبت رحمتي غضبي) وهذا عموم وإطلاق فإذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة
الثامن: أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم إنما يخلق لحكمة كما ذر حكمته في غير موضع فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكنا كما يوجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة وكذلك ما يقدره من المصائب فيه حكمة عظيمة فيها تطهير من الذنوب وتزكية للنفوس وزجر لها في المستقبل للفاعل ولغيره يجنبها غيره والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا قال في الحديث الصحيح: (إنهم يحبسون بعد خلوصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة) (٣) . والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا تصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر فإذا عذبوا بالنار عذابا يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة كما يوجد في تعذيب الدنيا وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة
أما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا والآخرة لا يكون إلا في العذاب فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر من غيره ولهذا كان من الجهم (٤) لما رأى ذلك ينكر أن يكون الله أرحم الراحمين وقال: بل يفعل ما يشاء. والذين سلكوا طريقته كالأشعري وغيره ليس عندهم في الحقيقة له حكمة ورحمة