فابتسمت ابتسامة سعيدة فاتنة، ومضت في ثغرها كتعويذة سحرية. وأحس الملك بهيام يملك قلبه، ولم يكن من عادته أن يقاوم عاطفة فاستسلم في وجد بين، وقال وهو يتنهد: إنه هو المخلوق الوحيد الذي أدين له بأثمن ما في حياتي .. رادوبيس! كم أنت جميلة! هذا حسن يزري بأحلامي جميعا.
وسرت المرأة لقوله، كأنها تسمعه لأول مرة في حياتها، فرنت إليه بنظرة صافية حلوة زادته هياما، فقال وكأنه يضرع ويشكو: كأن سوطا تشتعل به النيران يلهب قلبي.
ثم أدنى وجهه من وجهها المشرق، وهمس: رادوبيس .. أريد أن أنغمر في أنفاسك.
فبسطت له وجهها، وأسبلت جفنيها. وجعل يهوي بوجهه حتى مس أنفه أنفها الرقيق، وداعب أهدابها الطويلة بأنامله ، وسها إلى عينيها السوداوين حتى صارت الدنيا ظلاما، وأذهله الهوى، فاستولى عليه تخدير ساحر، حتى تنبه على تنهدها العميق، فاعتدل قليلا، وهمس في أذنها قائلا: رادوبيس! إني أقرأ أحيانا مصيري، سيكون الجنون منذ الساعة شعاري.
وأسندت رأسها إلى كفها إعياء، وكان قلبها يخفق، فجلسا ساعة صامتين يسعد كلاهما بحديث نفسه، وما يحادث - وهو لا يدري - إلا صاحبه، وعلى حين فجأة قامت رادوبيس واقفة، وقالت له: هلا اتبعتني يا مولاي لتشاهد قصري؟
كانت دعوة سعيدة .. ولكنها ذكرته بأمور كاد أن ينساها، فوجد نفسه مضطرا إلى الاعتذار .. وما يضيره لو أجل اللقاء ساعة. والقصر وما فيه ملك يمينه .. فقال بأسف: ليس الليلة يا رادوبيس.
ونظرت إليه بإنكار، وسألته: ولم يا مولاي؟ - هناك قوم ينتظرونني منذ ساعات في القصر. - أي قوم يا مولاي؟
فضحك الملك، وقال باستهانة: كان ينبغي أن أكون مجتمعا برئيس الوزراء الآن، والحق يا رادوبيس أنني منذ حادثة النسر فريسة للعمل الشاق، وكنت أبيت نية زيارة قصرك، ولكن لا أجد فرصة مؤاتية، ولما رأيت هذا المساء يكاد يلحق بالذي سبقه، أجلت اجتماعا هاما ريثما أشاهد صاحبة الصندل الذهبي.
واستولت الدهشة على رادوبيس، وتمتمت قائلة: «مولاي.» وكانت تعجب من استهتاره الذي دفعه إلى تأجيل اجتماع هام من الاجتماعات التي تبرم فيها مصائر المملكة، لكي يشاهد امرأة شغل قلبه بها ساعة .. ووجدت عمله جميلا ساحرا لا نظير له بين أعماق العشاق ولا شعر الشعراء.
أما الملك فقام بدوره وقال لها: أنا ذاهب الآن يا رادوبيس .. واها! .. إن القصر خانق .. إنه سجن مسور بالتقاليد، ولكنني أمرق منها مروق السهم .. سأترك الآن وجها حبيبا لألقى وجها بغيضا، فهل رأيت أغرب من هذا؟ .. إلى الغد يا رادوبيس الحبيبة، بل إلى الأبد.
Shafi da ba'a sani ba