فإن قالوا: الدليل على ذلك نفع النور، فربما ضرنا النور في أكثر حوادث الأمور، ولما يوجد من نفع قليل غيره، أنفع مما يوجد من أكثر كثيره، لتمرة أنفع في الغذاء لأكلها، من الأنوار في الغذاء كلها، ولئن كانت الدلالة من الدآل على المنكر ضرا، يعود عندهم شرا، إن النور لأدل على طلبات الأشرار، وأكشف لهم عن خفيات ما يبغون من الأسرار، التي عنها تجلى نورهم، وبه كثرت في الضر شرورهم.
وإن كان دليل عماة الظلمة، على ما بينوه أصلا في الظلمة، ضر الظلمة في بعض أمورها، لربما منعت كثيرا من الشرور بستورها، فلم يجد لمنعها بسواتر ظلامها، الأثمة سبيلا إلى تناول آثامها، ولسنا نجد عيانا نورهم من المضآر معرى، ولا ظلامهم في جميع الأحوال مضرا، إلا أن يكون نورهم عندهم غير النور المعقول، فيصيروا بعد إثبات أصلين إلى إثبات أصول، ويحكموا على غائب لا يرى، بحكم لا يتيقن ولا يمترى، يتبين به عند أنفسهم قصرة عماهم، ويصح لهم بله غيرهم فيه خطاهم.
ثم يقال لهم أيضا: حدثونا عن نور الشمس، وما يباشر أبصار المبصرين منه عند شروقه باللمس، أليس نافعافي نفسه، وعند مباشرة لمسه ؟!
فإن قالوا: بلى، وكلما تلألأ؛ لأنه يتلألأ فيشرق وينير، وكذا الأمر به كل نور إما قليل وإما كثير.
قيل: فما باله يعشي أبصار الناظرين ويؤذيها ؟! وما بال بعض الحيوان لا تبصر مع ضوء الشمس وتلاليها ؟!
فإن قالوا: لعلة أن النور إذا أشرق على ناظر الانسان، وغيره مما يبصرمع ضوء الشمس من الحيوان، رد مع شروقه ما في النواظر، من الظلمة إلى الناظر، فلم ير فيه، ولم يطق النظر إليه.
قيل: فالظلمة في قولهم تستر، فكيف مع مكانها في الناظر تبصر، وقد ترى الأبصار، إذا أشرقت الأنوار، تبصر حينئذ الأشياء، وترى الظلمة والضياء، فلو كانت الظلمة لها سترة، لما أبصرت ما ترونها له مبصرة.
Shafi 135