بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبيوقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة-٢١] وقال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف-١٢٨] .والآيات القرآنية الدالة على أن العزة والمنعة والدولة والنصر – كل ذلك – آيل إلى من حقق التوحيد، وصبر على الأذى، كثيرة جدا، وفي الآيات الكونيةما يشهد لذلك ويصدقه، ويجسد هذا الوعد ويحققه. ولو استطردنا في ذكر الآيات الكونية التي منها: أخبار الرسل مع أممهم، والمصلحين مع أقوامهم، لطال بنا المقام، واتسعت ذاكرة الكلام. ولكن نشير إلى ذلك بدعوة سلفية واجهت أعداء ألداء، أقوياء أشداء، صمدت أمامهم صمود الجبل الشامخ، ورمت نحورهم برماح العلماء والمشايخ، معقلة عددهم، وضعف ذات يدهم.
هذه الدعوة هي: دعوة الإصلاح والتجديد في نجد، التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى -.لقد كابدت هذه الدعوة في بدء قيامها أنواع الاضطهاد، وصنوف الظلم، وألوان العذاب، حتى إن الدولة العثمانية ألقت كامل قواها في سبيل القضاء على هذه النواة الصغيرة ... فجندت الجيوش الحربية لقتالهم، واستنفرت القدرات العلمية لهتكهم، وحذرت الناس من الاستماع لدعوتهم وقولهم، وألصقت
الافتراءات والكذبات بهم. ولكن بحمد الله تعالى: كل هذه الجنود تضعضعت وانكسرت، وفشلت أمام جنود الحق وتقهقرت.
أما الجنود الحربية فقد هيأ لها أوائل آل سعود – رحمهم الله تعالى –شبانا يرون القتل مجدا، وشيبا في الحروب مجربينا.
وأما الجنود العلمية فقد هيأ لها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى_ طلابا للعلم عن السنة يذودون، وبالكتاب يصولون ويجولون. فنفوا عن الكتاب تحريف المحرفين، وانتحال المبطلين، وشبهات المشبهينن. وأشهد أن نبينا وقدوتنا وسيدنا محمد المبعوث بالهدى والنور، والسعادة
والسرور، صلى الله عليه صلاة دائمة ما تعاقب الليل والنهار. وعلى آله البررة الكرام الأطهار، وأصحابه المصطفين الأخيار، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن خروج المناوئين لدعوة الرسل وأتباعهم، وإثارتهم الشبه تارة، والأحقاد أخرى، أمر قدره الله ﷿ وشاءه وقضاه، وصبغه بحكمته البالغة في الكمال منتهاه، وسيره سنة في الأمم لا تخرج عنه ولا تتعداه.
وقد سبق في علم الله: أن العاقبة للمتقين، والدائرة على الضالين المكذبين. ولكن الله سبحانه أراد أن يمحص المؤمنين ويبلوهم، ويختبر محبتهم له وصبرهم، بتسليط هؤلاء المناوئين عليهم، وسومهم بأنواع العذاب على أيديهم.
حتى إذا كان الناس على صنفين: مؤمنين أخيار. وكافرين فجار. أنجز الله
لعباده المؤمنين وعده، وأنزل لنصرهم ملائكته وجنده.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات ١٧١ _١٧٢_١٧٣) وقال تعالى: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾
1 / 5
وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة-٢١] وقال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف١٢٨] .والآيات القرآنية الدالة على أن العزة والمنعة والدولة والنصر – كل ذلك – آيل إلى من حقق التوحيد، وصبر على الأذى، كثيرة جدا، وفي الآيات الكونيةما يشهد لذلك ويصدقه، ويجسد هذا الوعد ويحققه. ولو استطردنا في ذكر الآيات الكونية التي منها: أخبار الرسل مع أممهم، والمصلحين مع أقوامهم، لطال بنا المقام، واتسعت ذاكرة الكلام. ولكن نشير إلى ذلك بدعوة سلفية واجهت أعداء ألداء، أقوياء أشداء، صمدت أمامهم صمود الجبل الشامخ، ورمت نحورهم برماح العلماء والمشايخ، مع قلة عددهم، وضعف ذات يدهم. هذه الدعوة هي: دعوة الإصلاح والتجديد في نجد، التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى -.لقد كابدت هذه الدعوة في بدء قيامها أنواع الاضطهاد، وصنوف الظلم، وألوان العذاب، حتى إن الدولة العثمانية ألقت كامل قواها في سبيل القضاء على هذه النواة الصغيرة ... فجندت الجيوش الحربية لقتالهم، واستنفرت القدرات
العلمية لهتكهم، وحذرت الناس من الاستماع لدعوتهم وقولهم، وألصقت الافتراءات والكذبات بهم.
ولكن بحمد الله تعالى: كل هذه الجنود تضعضعت وانكسرت، وفشلت أمام جنود الحق وتقهقرت. أما الجنود الحربية فقد هيأ لها أوائل آل سعود – رحمهم الله تعالى –شبانا يرون القتل مجدا، وشيبا في الحروب مجربينا.
وأما الجنود العلمية فقد هيأ لها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى_ طلابا للعلم عن السنة يذودون، وبالكتاب يصولون ويجولون. فنفوا عن الكتاب تحريف المحرفين، وانتحال المبطلين، وشبهات المشبهين
1 / 6
كل ذلك بفضل الله أولا وآخرا، فله الحمد والشكر وحده لا شريك له. ولم يزل لكل قوم من الفريقين وارث، لعلومهم وأفكارهم ناشر باعث. وكان من بين الوارثين للقوم المخذولين، رجل بلغ من الوقاحة منتهاها، ومن
الجهالة أخبثها وأرداها، ذلك الرجل هو: داود بن سليمان بن جرجيس، المنفق سلعته بالكذب والزور والتلبيس، المحامي عن المشركين والوثنيين إخوان إبليس. ألف كتبا قرر فيها الشرك والسفاهات، وجلب إليها أردأ الحجج والبينات، وملأها بالأكاذيب والترهات. وقد ورث القوم الصالحين المنصورين، عالم جليل، فاضل نبيل، اشتهربالديانة والصلاح، والسعي إلى ما يقرب من الفلاح. ذلك العالم هو الشيخ: أحمد ابن إبراهيم بن عيسى – رحمه الله تعالى وتولاه -.تصدى لسفسطات الجاني المذكور فنقضها الواحدة تلو الأخرى، وأوضح ما وقع فيها من الشرك ونصر الهوى، ومجانبة الأمانة والتقوى، كل ذلك في رسالةصغيرة الحجم، كبيرة الفائدة والعلم، امتازت بحسن عبارتها، ونصوع حجتها، ووضوح أدلتها، وقوة مخاصمتها. وقد سمى هذه الرسالة: "الرد على شبهات المستغيثين بغير الله" وهي التي بين يديك. فمع هذه الرسالة نتركك لتأخذ العلم من مخبئه ومستودعه، وتلذذ بمشاهدةجمالها ونضرته، والله المسؤول المرجو أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريمغفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين ٩/٢/١٤٠٩هـ
1 / 7
النسخ المعتمدة
طبع هذا الكتاب لأول مرة في مصر على نفقة الشيخ محمد نصيف. وهو الذي أشرف على طباعتها. ولم يذكر تاريخ الطبعة. وقد اعتمد في هذه الطبعة على نسخة خطية منقولة من خط المؤلف كتبها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عامر، سنة ١٢٩٧هـ.ثم أعيد طبع الكتاب على نفقة محمد بن جميح ضمن مجلد كبير جمع عدةكتب ورسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولبعض علماء نجد. واعْتُمِد في هذه الطبعة على نسختين: إحداهما خطية أخذت من مكتبة الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف قاضي شقراء، وثانيتهما: نسخة الشيخ
محمد نصيف، المتقدم ذكرها. وقد اعتمدت النسخة الثانية، لصحتها غالبا، وكمالها، فإن في طبعة الشيخ
محمد نصيف – ﵀ – نقصا، كما في ص ٣١ من الطبعة التي بين يديك. وقد أثبت أغلب الفروق بين النسختين في الحاشية.
اسم الكتاب:
طبع باسم "الرد على شبهات المستعينين بغير الله" في الطبعة الأولى. أماالطبعة الثانية فقد كتب على وجهها: "الرد على شبهات المستغيثين بغير الله".ولعل ما وقع في الطبعة الثانية خطأ، وذلك لأن المشرف على الطبع ذكر في بيان الأصول المعتمدة في الطبع اسم الكتاب موافقا للطبعة الأولى. لذا أثبت هذاالاسم على وجه هذه النسخة.
1 / 9
ترجمة المؤلف
هو الشيخ العالم العلامة المحقق الداعية: أحمد بن الشيخ العالم العلامةالمحقق: إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى. ينتهي نسبه إلى قبيلة بني زيد المنحدرة من قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرةابن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ولد هذا العالم الجليل في موطن أبائه "شقراء" يوم الخميس، العاشر من ربيعالأول، عام ١٢٥٣هـ. نشأ في حجر والده العلامة إبراهيم بن عيسى. فرباه تربية حسنة، وغرس في قلبه حب العلم وأهله. فحفظ القرآن وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة. ثم شرع في طلب العلم بهمةعالية، ورغبة صادقة. قرأ على والده: التوحيد والفقه والحديث والأصول. كما لازم علامة نجد ومفتيها الأكبر: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين. قام برحلات علمية، منها إلى مكة، والرياض، والعراق. فقرأ في مكة على:
العالم الجليل محمد بن سليمان حسب الله الشافعي المكي. والشيخ العلامة المحقق حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي. وقرأ في الرياض على: الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ عبد اللطيف. وفي العراق على نعمان الألوسي. وصالح بن حمد المبيض.
ولاه عبد العزيز بن رشيد قضاء المجمعة وبلدان السدير عام ١٣١٧هـ.
1 / 11
وكان الشيخ قبل ذلك في مكة تاجرا في الأقمشة يتحرى الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، وينتهز الفرص لدعوة من يتعاطى معه التجارة.
قال الشيخ الفاضل محمد نصيف:
وكان – أي المترجم له – يتردد بين جدة ومكة لشراء الأقمشة من الشيخ عبد القادر بن مصطفى التلمساني. كان يدفع له أربعمائة جنيه ويشتري بألف، ويسدد الباقي على أقساط بضمانة مبارك بن مساعد.
وقد دام التعامل بينه وبين الشيخ التلمساني زمنا طويلا. وكان لصدقه وأمانته وفائه بوعده أثر طيب في نفس التلمساني. حتى إنه لم ير ضرورة للضامن..وقال له:
" إني عاملت الناس من أربعين عاما فما وجدت أحسن من التعامل معك يا وهابي، فيظهر أن ما يشاع عنكم يا أهل نجد مبالغ فيه من خصومكم السياسيين...."
فسأله الشيخ أحمد أن يبينها له.
فقال التلمساني: يقولون إنكم لا تصلون على النبي ولا تحبونه.
فأجابه الشيخ أحمد: سبحانك هذا بهتان عظيم. كيف ومن لم يصل عليه في التشهد في الصلاة فصلاته باطلة، ومن لا يحبه فكافر.
وإنما نحن أهل نجد ننكر الاستعانة والاستغاثة بالأموات، ولا نستغيث إلا بالله وحده، ولا نستعين إلا به سبحانه، كما كان على ذلك سلف الأمة.
وقد استمر النقاش بينه وبين التلمساني ثلاثة أيام. وأخيرا هدى الله الشيخ التلمساني للحق، وصار موحدا ظاهرا وباطنا.
ثم سأله الشيخ التلمساني أن يوضح بعض أوجه الفرق بينهم وبين خصومهم – يعني في توحيد الأسماء والصفات – فقال الشيخ أحمد:
إننا نعتقد أن الله فوق سماواته، مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تأويل، وهكذا في جميع آيات الصفات والأحاديث، كما هي عقيدة السلف الصالح، وكما جاء عن الإمام أبي الحسن الأشعري في
1 / 12
كتابيه: الإبانة في أصول الديانة، ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين.
وقد دامت المناظرة بينهما خمسة عشر يوما. لأن الشيخ التلمساني كان أشعريا، درس في الجامع الأزهر كتب العقائد: السنوسية، وأم البراهين، وشرح الجوهرة، وغيرها.
وقد انتهت هذه المناقشة الطويلة باقتناع الشيخ التلمساني بأن عقيدة السلف هة الأسلم والأعلم والأحكم.
ثم صار الشيخ التلمساني داعيا من دعاة العقيدة السلفية، وطبع كتبا كثيرة ووزعها بالمجان..
ثم قال الشيخ المحسن المفضال محمد نصيف:
وإذا كان الله ﷾ قد هدى الشيخ التلمساني على يد الشيخ أحمد بن عيسى، فقد هداني – أنا أيضا – على يده، اهـ.
ولقد كان للشيخ أحمد مكانة مرموقة عند جميع طبقات الناس لما اشتمل عليه من أخلاق فاضلة، ومعاملة صادقة، وورع نقي، وقلب تقي، ولسان من الفحش بري، ومن الخير دني.
حتى إنه أشار على الشريف عون بن محمد بأن يهدم القباب المبنية على القبور، فأزالها، تلبية لنصيحته، إلا ما كان من قبر خديجة وابن عباس فإنه تركه مخافة من تشويش السلطان عبد الحميد العثماني.
وبجانب نشاط الشيخ في الدعوة إلى الله باللسان كان يدعو بقلمه، فيقرر به التوحيد ويؤيد أهله، وينفي الشرك ويحارب جنده. فخلف مؤلفات نفيسة
منها:
١- شرح النونية لابن القيم، في مجلدين كبيرين، قال شيخنا العلامة عبد الله بن جبرين – حفظه الله -: وهو من أنفس الشروح وأجل الكتب في هذا الفن.
٢- تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي، مجلد كبير، طبع ضمن مجموعة كتب طبعها"الكردي" عام ١٣٢٩هـ.
1 / 13
٣- الرد على دحلان في كتابه "خلاصة الكلام".
٤- تهديم المباني في الرد على النبهاني.
٥- الرد على شبهات المستعينين بغير الله. وهو رد على داود بن جرجيس العراقي.
وهو المقصود بقول ابن عم المؤلف الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى
أزاح قتام الشرك منه بنبذة ... لها الوحم ردء والحديث مؤيد
٦- مجموعة قصائد قيلت في مناسبات مختلفة.
وافته المنية المحتمة بعد صلاة الجمعة في اليوم الرابع من جمادى الثانية من عام ١٣٢٩ في بلدة المجمعة بسدير.
وصلي عليه صلاة الغائب في المملكة.
وقد مدحه كثير من العلماء الأجلاء نظما ونثرا، فمن ذلك ما قاله الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى:
إمام حوى علما وحلما وعفة ... وزهدا ونسكا فضله ليس يجحد
غزير المعاني لوذعي مهذب ... أديب أريب ألمعي مسدد
أزاح قتام الشرك منه بنبذة ... لها الوحم ردء والحديث مؤيد
بقيت ابن إبراهيم للدين ناصرا ... تناضل عن دين الرسول وتنهد
وقال أيضا فيه:
هو الفتى نجل إبراهيم من فخرت ... به العلوم على التفصيل والجمل
هو الإمام الفقيه الحبر قدوتنا ... أكرم به من إمام سيد بطل
مؤيد راسخ في العلم متبع ... أثر المطهر طه خاتم الرسل
فرحم الله الشيخ أحمد رحمة واسعة، فلقد كان عالما حقا، مجاهدا صدقا،
1 / 14
قاضيا عدلا، منفقا سحا، وترجمته الحافلة حقيقة بأن تفرد في مجلد، وهو ما نأمله من أصحاب الرسائل العلمية، التي تقدم في شخصيات بارزة.١
_________
١ من مصادر الترجمة:
١- علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله البسام.
٢- روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيخ محمد القاضي.
٣- مقدمة الشيخ محمد نصيف للطبعة الأولى من كتاب ابن عيسى "الرد على شبهات المستعينين بغير الله"
1 / 15
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أظهر الحق وأناره، ومحق الباطل وأباده، أحمده على ظهور حجج التوحيد ووضوحها، وأشكره على تبديد شبه الشرك وفضوحها.
وصلى الله على سيدنا محمد المحامي عن توحيد مولاه، القائل:
"إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله" ١ الزاجر لمن إلى ذرائع
_________
١) أخرجه الطبراني – كما في مجمع الزوائد – ١٠/١٥٩ عن عبادة بن الصامت، ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث. اهـ. وابن لهيعة قد اختلف العلماء في الاحتجاج بحديثه فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه، ولعل الراجح من أقوالهم الاحتجاج بحديثه في الشواهد والمتابعات.
وقد اعترض البكري على شيخ الإسلام ابن تيمية إيراده هذا الحديث، زاعما عدمصحته. فأجابه شيخ الإسلام بما حاصله:
هذا الخبر لم يذكر للاعتماد عليه، بل ذكر في ضمن غيره ليتبين أن معناه موافق للمعاني المعلومة بالكتاب والسنة، كما أنه إذا ذكر حكم بدليل معلوم ذكر ما يوافقه من الآثار والمراسيل وأقوال العلماء وغير ذلك، لما في ذلك من الاعتضاد والمعاونة، لا أن الواحد من ذلك يعتمد عليه في حكم شرعي.
ولهذا كان العلماء متفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح أن يكون هو العمدة من الأخبار التي تكلم في بعض رواتها لسوء حفظ أو نحو ذلك. وبآثار الصحابة والتابعين، بل بأقوال المشايخ والإسرائيليات والمنامات مما يصلح للاعتضاد.=
1 / 17
الشرك تعدى، القائل لمن قال له "ما شاء الله وشئت": أجعلتني لله ندا؟ ١ وعلى آله وصحبه المهتدين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
_________
=فما يصلح للاعتضاد نوع، وما يصلح للاعتماد نوع.
وهذا الخبر من النوع الأول. فإنه رواه الطبراني في معجمه من حديث ابن لهيعة. وقد قال أحمد: قد كتبت حديث الرجل لأعتبر وأستشهد به مثل حديث ابن لهيعة. فإن عبد الله بن لهيعة قاضي مصر كان من أهل العلم والدين باتفاق العلماء، ولم يكن ممن يكذب باتفاقهم، ولكن قيل إن كتبه احترقت فوقع في بعض حديثه غلط، ولهذا فرقوا بين من حدث عنه قديما ومن حدث عنه حديثا ... إلى أن قال ﵀: وقد روى الناس هذا الحديث من أكثر من خمسمائة سنة إن كان ضعيفا، وإلا فهو مروي من زمان النبي ﷺ، ومازال العلماء يقرؤون ذلك ويسمعونه في المجالس الكبار والصغار، ولم يقل أحد من المسلمين: إن إطلاق القول إنه لا يستغاث بالنبي ﷺ كفر ولا حرام ... إلخ اهـ من الرد على البكري ص ١٥٣-١٥٤.
١ أخرجه الإمام أحمد ١/٢١٤-٢٢٤-٢٨٣-٣٤٧. وابن ماجه ١/٦٨٤ من طريق الأجلح الكندي عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس به.
قال في الزوائد: وفي إسناده الأجلح بن عبد الله مختلف فيه، ضعفه الإمام أحمد، وأبو حاتم، والنسائي، وأبو داود، وابن سعد.
ووثقه ابن معين، ويعقوب بن سفيان، والعجلي. وباقي رجال الإسناد ثقات اهـ
وقد لخص ابن حجر أقوال أهل الجرح والتعديل فيه، فقال: "صدوق" كما في التقريب.
1 / 18
أما بعد:
فقد وقفت على كراسة لبعض العصريين من أهل العراق سماها:"أنموذج الحقائق" وضمنها كثيرا من الهذيان والشقاشق، مضمونها الانتصار للشرك بالله المسمى "بالتوسل" وتجويز دعوة الأموات والغائبين من دون الله تعالى، واستحبابه، والتشنيع على من يمنع من ذلك وسبابه.
فأحببت أن أبين بطلان ما تضمنته كراسته من الشبهات الواهية، والترهات المتناهية، وأن أزيح شبهاته ببراهين التوحيد الساطعة، وأوضح ضلالاته بحجج الكتاب والسنة القاطعة، وكلام علماء الإسلام، ومصابيح الاهتداء في الظلام، لقد خاب ظن المشركين إذ راموا نقض أدلة التوحيد التي هي أرسى من الجبال، وأظهر من الشمس في نحر الظهيرة والبدر في ظلم الليال.
والرسالة المذكورة شبه لا شيء، لكن ربما يخيل بها لبعض قاصري الأفهام، أو لعله يحصل عليهم بها إيهام، ونحن نكتب على بعضها ما تنتقض به شبهاته، وتبطل به خيالاته وترهاته، وبالله توفيقي، وعليه اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، عليه توكلت وإليه أنيب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
واعلم أن هذا الرجل يكثر من نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ويظهر تعظيمهما وبينه وبينهما بون كبير فهما رحمة الله عليهما قد شحنا تصانيفهما وملآ تآليفهما بذكر التوحيد وأدلته وإيضاح براهينه، والجواب عن شبه
1 / 19
المشركين من أمثاله، وبيان ضلالهم، وتبديد شملهم، وقطع أوصالهم، وكم لهما في الرد على مثله كتاب وجواب.
وهذا المخذول إن نقل من كلامهما شيئا حذف بعضه، أو أفسده بالتصرف واستكرهه بالتأويل الباطل١ والتعسف، ليوافق مذهبه وانتحاله وليطابق إفكه وضلاله، ويحسن أن ينشد فيه:
أيها المدعي وصلا لليلى٢ ... لست منها ولا قلامة ظفر
إنما أنت من ليلى٣ كواو ... أُلحقت في الهجاء ظلما بعَمر
واعلم أنه قد تصدى للرد على رسائله، التي مضمونها الدعوة إلى الشرك بالله ووسائله، وانتصب لقمع أباطيله، وإيضاح تلبيسه وأضاليله جمع من العلماء، وجل من الأئمة الفهماء.
منهم شيخنا العلامة فقيه زمانه وقدوة عصره وأوانه: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين.
وشيخنا العلامة الأوحد، واللوذعي الهمام المفرد، ناصرالموحدين، وقامع الملحدين: عبد الرحمن بن حسن.
ومنهم شيخنا العلامة، والأوحد الفهامة: عبد اللطيف بن عبد الرحمن.
ومنهم العلامة المحدث، فخر الديار اليمنية: الشريف محمد بن ناصر الحازمي.
_________
١ سقطت: "بالباطل" من طبعة نصيف.
٢ في نسخة محمد نصيف: "سليمى سفاها".
٣ في نسخة محمد نصيف: "سليمى".
1 / 20
والشيخ العلامة المحقق: نعمان بن السيد محمود أفندي البغدادي.
ولنقدم بين يدي المقصود مقدمة نافعة، وقاعدة جامعة. فأقول وبالله التوفيق:
اعلم أرشدك الله تعالى أنه قد قام البرهان والإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يعدل عما في الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها إلى ما أحدثه بعض الناس مما يتضمن خلاف ذلك، ويوقع الناس في تلك المهالك.
وليس لأحد أن يضع للناس عقيدة أو عبادة من عنده، بل عليه أن يتبع ولا يبتدع، ويقتدي ولا يبتدي، فإن الله سبحانه بعث رسوله محمدا ﷺ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وقال له: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف - ١٠٨] وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة - ٣]
والنبي ﷺ علم المسلمين جميع ما يحتاجون إليه في دينهم، فأخذ المسلمون جميع ما يحتاجون إليه في دينهم من العبادات والاعتقادات وغير ذلك من كتاب الله، ومن سنة رسوله، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها.
وليس في الكتاب والسنة والإجماع إلا الحق فإن الله تعالى قال: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
1 / 21
لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل - ٨٩] وقال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام - ٣٨] .
فالهدى والنجاة في رد ما اختلف فيه الناس في أبواب العلم إلى صريح الكتاب وصحيح السنة وحسنها، وسبيل سلف الأمة وأئمتها ومن اتبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم بالإسلام والإيمان، فمن اعتمد على هذا الأصل دفع به كل شبهة يوردها مبطل فيما يخالف أصل الدين – أي الإخلاص والمتابعة – فإن الأدلة المجمع عليها ثلاثة:
الكتاب، والسنة، وإجماع سلف الأمة، وفي القياس خلاف بين العلماء هل يكون صحيحه دليلا أم لا؟ وكل قياس يخالف كتابا أو سنة أو نصا أو ظاهرا أو إجماع سلف الأمة وأئمتها فهو فاسد الاعتبار، لا يعول عليه عند جميع العلماء من أهل السنة والجماعة.
فإذا قال أحد قولا يخالف ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع رد قوله وبطل.
أما إذا صح قياسه على مدلول كتاب أو سنة، ولم يكن هناك فارق، فأكثر العلماء يقول مثل١ هذا ويحتج به.
واعلم أن التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، خلق الخلق لأجله ثلاثة أقسام:
_________
١في نسخة نصيف: "بمثل".
1 / 22
القسم الأول:
توحيد الربوبية والملك وهو اعتقاد أن الله تعالى رب كل شيء ومليكه وخالق كل شيء ورازقه والمتصرف فيه وحده بمشيئته وعلمهوحكمته.
وهذا القسم قد أقر به مشركو العرب كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس - ٣١] . وقوله: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون -٨٤] الآيات وما في معناها.
وهذا التوحيد لا يكفي وحده، ولا يدخل في الإسلام وحده، بل لا بد أن يأتي العبد معه بلازمه وهو
القسم الثاني:
توحيد الطلب والقصد. وهو توحيد الإلهية المبني على إخلاص التأله لله تعالى، وإفراده بجميع العبادة.
وهذا التوحيد هو الذي افتتح به الرسل دعوتهم، كما قال أول١ الرسل نوح ﵇ لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف -٥٩] ﴿أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [هود -٢٦] .
_________
١سقطت: "أول" من نسخة نصيف.
1 / 23
وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم.
وقد أخبر الله تعالى أن المشركين يخلصون الدعاء لله في الشدائد كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾ [الأنعام – ٦٣ - ٦٤]
بين تعالى أنه لا ينفعهم إخلاصهم في حال دون حال، ولا ما أقروا به لله تعالى من القدرة على الاختراع كماتقدم في الآيتين، فوجب قتالهم لأنهم لم يخلصوا لله العبادة، ولم يكفروا بعبادة كل ما عبد من دونه. وهذا هو مدلول كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله".
ومعناها: نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى، وإفراده بالإلهية، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف - ١١٠] وقال عن خليله ﵇: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف - ٢٦] فتأمل كيف عبر عنها بمدلولها من النفي والإثبات.
وأخبر الله تعالى عن المشركين أنهم أبوا أن يقروا بمعناها الذي دلت عليه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات - ٣٥] .
1 / 24
فتبين أن المطلوب منهم بهذه الكلمة ترك عبادة الآلهة، وذلك الترك لا يدخل أحد في الإسلام إلا به، كما قال آزر لابنه إبراهيم ﵇: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ وهذا هو معنى الحنيف في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل - ١٢٠] وفسر "الحنيف" بأنه المقبل على الله، المعرض عما سواه. قاله ابن القيم.
وقال ابن كثير: الحنيف المنحرف عن الشرك قصدا إلى
التوحيد.
وكل سورة من القرآن ففيها ما يدل على هذا التوحيد، فتارة يأمر الله به عباده، وتارة ينهاهم عن الشرك المنافي له، كما سنذكر بعض ذلك إن شاء الله في هذا الجواب، وبالله التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
القسم١ الثالث:
توحيد الأسماء والصفات وهو العلم والاعتقاد بأن الله تعالى بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، منزه عن كل عيب ونقص، له المشيئة النافذة، والحكمة البالغة، سميع، بصير، رؤوف، رحيم، على العرش استوى، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، سبحان الله عما يشركون، له الأسماء الحسنى والصفات العلى.
_________
١سقطت: "القسم" من ط الثانية.
1 / 25
فما أثبت الله لنفسه، وأثبته له رسوله من صفات الكمال ونعوت الجلال وجب إثباته له على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته: إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل.
وهذا هو الذي عليه الصحابة، والتابعون والأئمة الأربعة، ومن في طبقتهم، ومن بعدهم من أهل الحديث، وأتباع الأئمة الأربعة من أهل الحديث، والفقهاء من أهل السنة والجماعة.
وأول ما حدث من الإلحاد في أسماء الله وصفاته بنفي ما دلت عليه الأسماء والصفات: مقالة الجعد بن درهم. فأنكر ذلك أهل العلم من التابعين، وضحى به الأمير خالد بن عبد الله القسري، وقصته مشهورة في التاريخ١. قال العلامة ابن القيم:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ ... ـقسري يوم ذبائح القربان
شكر الضحية كل صاحب سنة ... لله درك من أخي قربان
_________
١ أخرج القصة البخاري في خلق أفعال العباد ص ٢٩، والدارمي في الرد على الجهمية - مجموع عقائد السلف – ص ٢٥٨، والآجري في الشريعة ص ٩٧ – ٣٢٨، والبيهقي في الأسماء والصفات ص، وفي سننه – كتاب الشهادات – باب ما ترد به شهادة أهل الأهواء ١٠/٢٠٥.
جميعهم من طريق: عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب، فلما فرغ من خطبته –وذلك يوم النحر – قال:
ارجعوا فضحوا، تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله ﷿ لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه. =
1 / 26
...............................................................................................................................................
_________
= هذا لفظ الآجري.
وإسناد القصة: ضعيف، علته: عبد الرحمن بن محمد بن حبيب، قال عنه الحافظ في التقريب: "مقبول" وقال الذهبي في الميزان: "لا يعرف".
وأبوه محمد بن حبيب، قال فيه الحافظ ابن حجر: "مجهول" وكذا قال الذهبي في الميزان.
وأبوه حبيب بن أبي حبيب قال عنه الدارقطني: "شيخ بصري لا يعتبر به" وقال ابن عدي: "هو قليل الحديث أرجو أنه لا بأس به" وقال ابن حجر: "صدوق يخطئ".
وأما خالد بن عبد الله القسري فكان أميرا لمكة في ولاية الوليد بن عبد الملك، ثم عزله سليمان بن عبد الملك. وفي سنة (١٠٦) ولاه هشام على العراق، ثم عزله سنة (١٢٥)
وقتل سنة (١٢٦) قاله خليفة بن خياط.
قال الذهبي في الميزان في ترجمة "خالد بن عبد الله": صدوق لكنه ناصبي بغيض، ظلوم، قال ابن معين: رجل سوء يقع في علي. اهـ ونقل ابن حجر ﵀ – عن العقيلي أنه قال: لا يتابع على حديثه، وله أخبار شهيرة، وأقوال فظيعة، ذكرها ابن جرير وأبو الفرج الأصبهاني والمبرد وغيرهم اهـ.
وقد انتصر له ابن كثير في البداية والنهاية ١٠/٢٤. وقال بعد أن نقل عن الأصمعي أنه قال عن أبيه: إن خالدا حفر بئرا بمكة ادعى فضلها على زمزم، وأنه فضل الخليفة على الرسول:
والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه، فإنه كان قائما في إطفاء الضلال والبدع، كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الإلحاد، وقد نسب إليه صاحب (العقد) أشياء لا تصح، لأن صاحب العقد – الأصبهاني – كان فيه تشيع شنيع، ومغالات في أهل البيت، وربما لا يفهم أحد من كلامه ما فيه من التشيع، وقد اغتر به شيخنا الذهبي فمدحه بالحفظ وغيره اهـ
قال الذهبي في السير٥/٤٢٣ بعد أن ساق قصة قتله للجعد:
هذه من حسناته، هي وقتله: مغيرة الكذاب اهـ
قلت: اشتهار القصة، وجزم الحافظين الذهبي وابن كثير وغيرهما من الحفاظ بها يغني
عن إسنادها والعلم عند الله تعالى.
1 / 27