وأما المقام الثاني (^١): فيقال: هب أنه سلك طريق أولئك، فتلك الطريق فيها باطلٌ كثير من وجوه:
أحدها (^٢): ظنُّ صاحبها أنه بمجرَّد الزهد والرياضة وتصفية النفس يحصل له ما يحصل لأولياء الله من الإيمان والتقوى، وهذا خطأ؛ فإنَّ ذلك لا يحصل إلا بمتابعة الرسول ﷺ، واتباع ما جاء به من القرآن والإيمان.
ولهذا كان السلف يقولون: الإيمان قولٌ وعملٌ وموافقةٌ للسنة (^٣).
ولفظ بعضهم: لا يُقبل قولٌ إلا بعمل، ولا قولٌ وعملٌ إلا بموافقة السنة (^٤).
وهذا موضعٌ اضطرب فيه كثير من متأخري أهل النظر والكلام، وأهل الإرادة والعمل:
فزعم الأوَّلون: أن طريقَ معرفة الله هو النظر والعلم فقط.
وزعم الآخرون: أن طريقَ معرفة الله هو الزهد والعبادة فقط.
ثم إن كثيرًا من هؤلاء وهؤلاء أعرضوا عن ملازمة الكتاب والسنة، فصار أولئك يسلكون طريقة البحث والنظر والتفكُّر في الكلام والفلسفة من غير اعتبارٍ لذلك بالكتاب والسنة. وصار هؤلاء يسلكون طريقة العبادة