ذلك يستر القلب عن مطالعة الغيب؛ لأن الشك والظن والوهم ينافي العلمَ ويضادّه، فالضدان لا يجتمعان، فعلى هذا التقدير يكون سؤاله: أن لا يشكَّ في شيء، ولا يظن ظنًّا، ولا يتوهَّم وهمًا. ومعلومٌ أنَّ هذا لم يقع لأحدٍ من البشر، بل ما من بشر إلا وقد يشكّ في أشياءَ كثيرة، ويظنّ فيها ويتوهم.
وفي «الصحيحين» (^١) عن النبي ﷺ أنه قال: «إنَّكم تَختصمون إليَّ ولعلَّ بعضَكُم أن يكونَ ألحَنَ بحُجَّته مِن بعضٍ، وإنما أقضي بنَحوِ ما أسمعُ، فمن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذْهُ، فإنما أقطعُ له قطعةً من النَّار». وفي لفظ: «فأحْسَبه صادقًا» (^٢).
وقد قال تعالى في قصة داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ [الأنبياء: ٧٩]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾ [الجن: ٢٥] وهذا شكّ.
وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] فكل المخلوقين يشكون متى تقوم الساعة، وقد سأله جبريل عن الساعة لما أتى في صورة الأعرابي فقال: «ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل» (^٣).