10- من كتابه في الرد على النصارى

Shafi 301

فصل من صدر كتابه في الرد على النصارى

| فصل من صدر كتابه في الرد على النصارى

الحمد لله الذي من علينا بتوحيده، وجعلنا ممن ينفي شبهة خلقه وسياسة عباده، وجعلنا لا نفرق بين أحد من رسله، ولا نجحد كتابا أوجب علينا الإقرار به، ولا نضيف إليه ما ليس منه، إنه حميد مجيد، فعال لما يريد.

أما بعد فقد قرأت كتابكم، وفهمت ما ذكرتم فيه من مسائل النصارى قبلكم، وما دخل على قلوب أحداثكم وضعفائكم من اللبس، والذي خفتموه على جواباتهم من العجز، وما سألتم من إقرارهم بالمسائل، ومن حسن معونتهم بالجواب.

Shafi 303

وذكرتم أنهم قالوا: إن الدليل على أن كتابنا باطل، وأمرنا فاسد، أننا ندعي عليهم ما لا يعرفونه فيما بينهم، ولا يعرفونه من أسلافهم، لأنا نزعم أن الله جل وعز قال في كتابه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "، وأنهم زعموا أنهم لم يدينوا قط بأن مريم إله في سرهم، ولا ادعوا ذلك قط في علانيتهم. وأنهم زعموا أنا ادعينا عليهم ما لا يعرفون، كما ادعينا على اليهود ما لا يعرفون، حين نطق كتابنا، وشهد نبينا: أن اليهود قالوا: إن عزيرا ابن الله، وإن يد الله مغلولة، وإن الله فقير وهم أغنياء. وهذا ما لا يتكلم به إنسان، ولا يعرف في شيء من الأديان.

ولو كانوا يقولون في عزير ما نحلتمون وادعيتموه، لما جحدوه من دينهم، ولما أنكروا أن يكون من قولهم، ولما كانوا بإنكار بنوة عزير أحق منا بإنكار بنوة المسيح، ولما كان علينا منكم بأس بعد عقد الذمة، وأخذ الجزية.

وذكرتم أنهم قالوا: ومما يدل على غلطكم في الأخبار، وأخذكم العلم عن غير الثقات، أن كتابكم ينطق: أن فرعون قال لهامان: " ابن لي صرحا ". وهامان لم يكن إلا في زمن الفرس، وبعد زمن فرعون بدهر طويل، وإن ذلك معروف عند أصحاب الكتب، مشهور عند أهل العلم. وإنما اتخذ صرحا ليكون إذا علاه أشرف على الله.

وفرعون لا يخلو من أن يكون جاحدا لله تعالى، أو مقرا به. فإن كان دينه عند نفسه وأهل مملكته نفي الله وجحده، فما وجه اتخاذ الصرح وطلب الإشراف، وليس هناك شيء ولا إله؟

Shafi 304

وإن كان مقرا بالله عارفا به، فلا يخلو من أن يكون مشبها أو نافيا للتشبيه. فإن كان ممن ينفي الطول والعرض والعمق والحدود والجهات، فما وجه طلبه له في مكان بعينه، وهو عنده بكل مكان؟ وإن كان مشبها فقد علم أنه ليس في طاقة بني آدم أن يبنوا بنيانا، أو يرفعوا صرحا يخرق سبع سموات بأعماقهن، والأجزاء التي بينهن، حتى يحاذي العرش ثم يعلوه.

وفرعون وإن كان كافرا فلم يكن مجنونا، ولا كان إلى نقص العقل من بين الملوك منسوبا. على أن الحكم قد يقوم بعقول الملوك بالفضيلة على عقول الرعية.

وذكرتم أنهم قالوا: تزعمون أن الله تعالى ذكر يحيى بن زكريا يخبر أنه " لم يجعل له من قبل سميا "، وأنهم يجدون في كتبهم وفيما لا يختلف فيه خاصتهم وعامتهم أنه كان من قبل يحيى بن زكريا غير واحد يقال له يحيى، منهم: يوحنا بن فرح.

Shafi 305

وزعمتم أنهم قالوا لكم: إنكم ذكرتم أن الله قال في كتابه لنبيكم: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "، وإنما عنى بقوله: " أهل الذكر ": أهل التوراة، وأصحاب الكتب يقولون: إن الله قد بعث من النساء نبيات، منهم مريم بنت عمران، وبعث منهم حنة، وسارى، ورفقى.

وذكرتم أنهم قالوا: زعمتم أن عيسى تكلم في المهد، ونحن على تقديمنا له، وتقريبنا لأمره، وإفراطنا بزعمكم فيه، على كثرة عددنا، وتفاوت بلادنا، واختلافنا فيما بيننا، لا نعرف ذلك ولا ندعيه، وكيف ندعيه ولم نسمعه عن سلف، ولا ادعاه منا مدع.

Shafi 306