11- من كتابه في الرد على المشبهة

فصل من صدر كتابه في الرد على المشبهة

| فصل من صدر كتابه في الرد على المشبهة

أما بعد، فقد اختلف أهل الصلاة في معنى التوحيد، وإن كانوا قد أجمعوا على انتحال اسمه. فليس يكون كل من انتحل اسم التوحيد موحدا إذا جعل الواحد ذا أجزاء، وشبهه بشيء ذي أجزاء.

ولو أن زاعما زعم أن أحدا لا يكون مشبها وإن زعم أن الله يرى بالعيون، ويوجد ببعض الحواس، حتى يزعم أنه يرى كما يرى الإنسان، ويدرك كما تدرك الألوان كان كمن قال: لا يكون العبد لله مكذبا، وإن زعم أنه يقول ما لا يفعل، حتى يزعم أنه يكذب. ولا يكون العبد لله مجورا، وإن زعم أنه يعذب من لم يعطه السبب الذي به ينال طاعته، حتى يزعم أنه يجور.

Shafi 5

ولو أن رجلا قال لفلان: عندي جذر مائة، كان عندنا كقوله: لفلان عشرة. وكذلك إذا قال: فلان قد ناقض في كلامه، فهو عندنا كقوله: فلان قد أحال في كلامه.

ولو قال: ناقض ولم يحل، له عندي جذر مائة وليس له عندي عشرة؛ كان كالذي يقول: ركبت عيرا ولم أركب حمارا، وشربت المدامة ولم أشرب خمرا.

وللمعاني دلالات وأسماء، فمن دل على المعنى بواحدة منها، وباسم من أسمائها، لم نسأله أن يوفينا الجميع؛ وأن يأتي على الكل، ولم يلتفت إلى منع ما منع، إذا كان الذي منع مثل الذي أعطى.

Shafi 6

وقد أنبأ الله عن نفسه، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال " ليس كمثله شيء " فأقر القوم بظاهر هذا الكلام؛ ثم جعلوه في المعنى يشبه كل شيء، إذ جعلوه جسما، فقد جعلوه محدثا ومخلوقا؛ لأن دلالة الحدوث، والشهادة على التدبير، ثابتان في الأجسام، وإنما لزمها ذلك لأنهما أجسام لا لغير ذلك؛ لأن الجسم إذا تحرك وسكن، وعجز وقوي، وبقي وفني، وزاد ونقص، ومازج الأجسام وتخلص لأنه جسم؛ ولولا أنه جسم لاستحال ذلك منه، ولما جاز عليه هذه الأمور التي أوجبتها الجسمية، وهي الدالة على حدوث الأجسام. فواجب أن يكون كل جسم كذلك، إذا كانت الأجسام مستوية في الجسمية، وإذا كان كل جسم منها أيضا لزمه ذلك.

وقد اختلف أصحاب التشبيه في مذاهب التشبيه.

فقال بعضهم: نقول: إنه جسم، وكل جسم طويل.

وقال آخرون: نقول: إنه جسم، ولا نقول إنه طويل، لأنا إنما جعلناه جسما لنخرجه من باب العدم؛ إذ كنا متى أخبرنا عن شيء، فقد جعلناه معقولا متوهما، ولا معقول ولا متوهم إلا الجسم. وليست بنا حاجة إلى أن نجعله طويلا، وليس في كونه جسما إيجاب لأن يكون طويلا. لأن الجسم يكون طويلا وغير طويل، كالمدور، والمثلث، والمربع، وغير ذلك، ولا يكون الشيء إلا معقولا، ولا المعقول إلا جسما. فلذلك جعلناه جسما، ولم نجعله طويلا.

فينبغي - يرحمك الله - لصاحب هذه المقالة، إن لم يجعله طويلا أن يجعله عريضا، وإن لم يجعله عريضا أن يجعله مدورا، وإن لم يجعله مدورا أن يجعله مثلثا، وإن لم يجعله مثلثا أن يجعله مربعا. وإن أقر بهيئة من الهيئات فقد دخل فيما كره.

ولا أعلم المدور، والمثلث، والمربع، والمخمس، والمصلب، والمزوى، وغير ذلك من الهيئات، إلا أشنع في اللفظ، وأحقر في الوهم.

Shafi 7

فصل منه

| فصل منه

وقال أصحاب الرؤية: اعتللتم علينا بقول الله تعالى: " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار "، وقلتم: هذه الآية مبهمة، وخرجت مخرج العموم، والعام غير الخاص.

وقد صدقتم، كذلك العام إلى أن يخصه الله بآية أخرى؛ وذلك أن الله تعالى لو كان قال: " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " ثم لم يقل: " وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة " لعلمنا أنه قد استثنى أخرة من جميع الأبصار.

قالوا: وإنما ذلك مثل قوله: " قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " ومثل قوله: " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " وهذه الأخبار مبهمة عامة، فلما قال: " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا " ولما قال، أيضا: " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " علمنا أن القول الثاني قد خص القول الأول. وكذلك أيضا قوله: " لا تدركه الأبصار ".

Shafi 8

قلنا للقوم : إن الله تعالى لما قال: " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ". بعد أن قال: " وما كان الله ليطلعكم على الغيب ". علمنا أن ذلك استثناء لبعض ما قال إني لا أطلعكم على الغيب. وهذا الاستثناء لا اختلاف في لفظه ولا في معناه، ولا يحتمل ظاهر لفظه غير معناه عندنا.

وعند خصومنا فيه أشد الاختلاف. وظاهر لفظه يحتمل وجها آخر غير ما ذهبوا إليه. والفقهاء وأصحاب التفسير يختلفون في تأويله وهم لا يختلفون في تأويل قوله: " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك "

قال: ذكر ابن مهدي عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: " وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة " أنه قال: تنتظر ثواب ربها.

Shafi 9