وهذا الخطيب شرع يرد قول النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الرد على أبى حنيفة كما فعلت الفلاسفة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد للعشرة بالجنة فلما أرادت الفلاسفة رد قول النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا إلى العشرة يطعنون فيهم فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا إلى ان جرى ما جرى بين المسلمين من قتل عثمان ونوبة الجمل وصفين ثم قتل الحسين، وقامت التوابون وكثرت شيعة على واختلف الناس وذلك في زمن فترة معاوية بن يزيد بن معاوية لما خلع نفسه، فقالت الفلاسفة: إن عليا رضى الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحق بالخلافة من غيره، وأبو بكر اغتصبه حقه وأعانه عمر ثم ولى عثمان أمرا لم يكن له بحق وذلك لأن عبد الرحمن بن عوف تغرض عليا فأزاله عن مستحقه، وأما طلحة والزبير فإنهما قاتلا عليا في نوبة الجمل وهما له ظالمان. فهؤلاء غيروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبقوا على ما كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا صار أمرهم على هذا فقد فسقوا فلم يبقوا من أهل الجنة. ثم أرادوا الطعن في على فقالوا: إن عليا ترك حقه لأبى بكر وعمرو عثمان وكان أحق بذلك منهم وكان يلزمه القيام بالخلافة لأنه كان أعلم منهم وأحق بالخلافة، ومن تعين للإمامة ثم تركها لغير ذى حق فقد فسق ومن فسق استحق النار. فهؤلاء كلهم غيروا فلم تبق شهادة النبي صلى الله عليه وسلم نافعة لهم وأشاروا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما شهد لهم لما رآه منهم ولم ينزل عليه في ذلك وحى، وما قصدوا بذلك إلا أنه لم يكن ينزل عليه الوحى، لأن النبوات عندهم باطلة لأنهم يقولون إما أن تكون الحاجة بالرسالة أو للناس، فيقال لهم للناس لأن الله غير محتاج إلى شيء، فيقولون هل يمكن أن يؤمن من لا يريد الله إيمانه؟ فنقول لا فيقولون: فإذا لا حاجة إلى النبي فإن الله يهدى من يريد، وهذا هو الكفر بعينه. وإنما أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين واختصهم برسالته فإن الله تعالى اجتبى الأنبياء صلوات الله عليهم ليميزهم على الناس، وأرسلهم ليعلموا الناس الحلال والحرام، وجعل العلماء ورثتهم ليهدوا الناس بهداية النبي صلى الله عليه وسلم فمن طعن في العلماء فإنما طعن في الأنبياء
لقوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» .
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد للسبطين الشهيدين بالجنة فما قدروا أن يطعنوا إلا في الحسن رضى الله عنه. فقالوا: ترك حقه وبايع للرغبة في الدنيا فجعلوا ذلك ذريعة إلى الرد على النبي عليه السلام. وهكذا الخطيب جعل الرأى الذي قرنه النبي عليه السلام بالكتاب والسنة وحمد الله كيف وفق معاذا رسوله وكيف هداه الله اليه خطأ واعلم أنه إذا خطأ أحد الثلاثة المجتمعة فقد خطأ الآخرين ضرورة، وإذ خطأ الثلاثة فإنما التخطئة لقابلهم فكان ظاهر قوله الرد على أبى حنيفة والمقصود من قال بالرأى.
فانظر أيدك الله إلى رجل جعل أبا حنيفة ذريعة إلى الرد على الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر أئمة الأمصار موافقون لأبى حنيفة في الرأى فكان الرد على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أئمة أمته جميعا.
Shafi 64