وليس قول من قال خلاف أبى حنيفة بحجة لأنه قد نقل عن بعض الناس أنه قال الكلام محمول على أنك تقول تتخذون منه سكرا وتتخذون رزقا حسنا. وليس هذا حجة لأن الصحابة رضى الله عنهم اتخذوا من السكر ومن التمر ومن الزبيب ومن العسل الأنبذة، والنبي صلى الله عليه وسلم شرب من السقاية بعد ما قال له العباس يا رسول الله إنه منذ أيام، وقد مرسته أيدى الناس، ألا تصبر حتى نأتيك بشراب من البيت؟ يقول ذلك له ثلاثا والنبي صلى الله عليه وسلم يرد قوله.
حتى أتاه بشيء منه فشربه وقطب وجهه ثم بماء من زمزم فصبه فيه وشربه. ثم قال:
«إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاكسروا متونها بالماء» وأضاف على عليه السلام قوما فأطعمهم وسقاهم، فسكر بعضهم فحده. فقال: تسقينا، ثم تحدنا؟ فقال: إنما أحدكم للسكر لا للشرب. وروى أن رجلا من المسلمين شرب من سطيحة عمر فسكر، فأراد أن يحده فقال إنما شربت من سطيحتك. فقال: إنى أحدك للسكر لا للشرب فمثل هذه الأحاديث قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه فلأن يحمل أحد وجهى الآية على ما يوافق هذه الآثار مع أن هذا الوجه في القرآن أو لا خير من أن يحمل على أبعد الوجهين مع مضاد هذه الآثار وأولى.
ثم قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون الترسى إلى أبى حمزة السكري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول لو أن ميتا مات فدفن ثم احتاج أهله إلى الكفن فلهم أن ينبشوه ويبيعوه. هذا لم ينقل عن أبى حنيفة ولو فعل ذلك أحد لما كان به بأس.
فإن حيا يحتاج إلى كفن الميت مع أنه لم يزل عن ملكه بدفنه إياه لأحق من ميت لا يحتاج إلى شيء من أمور الدنيا.
ثم قال أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز والبزاز بهمذان إلى سفيان بن عيينة يقول: ما رأيت أحدا أجرأ على الله من أبي حنيفة، ولقد أتاه يوما رجل من أهل خراسان فقال يا أبا حنيفة قد أتيتك بمائة ألف مسألة أريد أن أسألك عنها. فقال هاتها، فهل سمعتم أحدا أجرا على الله تعالى من هذا؟
وأخبرنا عطاء بن السائب عن ابن أبي ليلى.
قال: لقد أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار إن كان أحدهم ليسأل عن المسألة فيردها إلى غيره فيرد هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وإن كان أحدهم ليقول في شيء وإنه ليرتعد، وهذا يقول هات مائة ألف مسألة.
Shafi 62