فأبو حنيفة رحمه الله اعتبر الأصل، وذلك أن اللص إذا سرق قمحا أو تمرا أو شيئا إلا أنه أصل في نفسه مقصود بالمالية قطع، وإن سرق طعاما أو شرابا ليس بمقصود بالمالية مثل طعام مطبوخ أو شراب لم يقطع لأنه ليس بمقصود بالمالية في نفسه، وإنما المقصود منه دفع ضرر الجوع حتى أنه لو سرقه في إناء فضة أو ذهب لا قطع عليه لأن مقصوده دفع الضر وسد الجوع وذلك مباح بالمحرم فصار فيه شبهة والحدود عنده تدرأ بالشبهات لما روى عن الصحابة رضى الله عنهم أنهم كانوا يقولون. ادرءوا الحدود بالشبهات. والنبي صلى الله عليه وسلم تارة أمر بالقطع وتارة منع منه. وقد ذكرت فيما مضى مذهب أبى حنيفة في أنه لا يخالف بين الخبرين ما وجد وجه التوفيق. فلما بين النبي صلى الله عليه وسلم الكثير بقوله «جمعه الجرين» تبين أنه المقصود بنفسه للمالية. ولما أبهم كان لسد الجوعة.
وكذلك ما حدث عن ابن دوما إلى أبى عوانة. قال وقال الحلواني إلى حماد.
قال سمعت أبا حنيفة سئل عن محرم لم يجد إزارا فلبس سراويل، قال عليه فدية.
قلت: سبحان الله
سمعت عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «السراويل لمن لم يجد الإزار» .
هذا الخبر لم يعمل به أحد من الأئمة فيحتج بصحته، فإن من لم يجد الإزار يلبس السراويل، كذلك من لم يجد الرداء يلبس القميص ومحال أن يجد السراويل ولم يجد إزارا، فإن السراويل يصير منه إزار، فهذا ومثله لا يدفع قول الخصم، فإن
أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما تقول فيمن أحرم في جبته هذه بعد ما ضمخها بالطيب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أما الجبة فانزعها وأما الطيب فاغسله وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك»
وإجماع الناس ان المحرم يلزم المخيط فإن المخيط لا يراد به ما دخلته الإبرة مطلقا إنما المراد به ما يتلف على الإنسان مثل الثوب المخيط على البدن وعلى اليدين حتى يصير كهيئة الإنسان. فكذلك أيضا السراويل والخف. وحديثه عن بن دوما إلى حماد يدخل فيما ذكرت.
ثم قال: أخبرنا ابن دوما إلى سفيان بن عيينة قال قدمت الكوفة فحدثتهم عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد- يعني حديث ابن عباس- فقالوا: إن أبا حنيفة يذكر هذا عن جابر بن عبد الله. قال قلت لا إنما هو جابر بن زيد. فذكروا ذلك لأبى حنيفة فقال: لا تبالوا إن شئتم صيروه عن جابر بن عبد الله، وإن شئتم صيروه عن جابر بن زيد. إنما قال أبو حنيفة ذلك- إن صح عنه- لأن هذا الخبر لم يعمل به أحد من الفقهاء فتقديره صيروه عمن شئتم فإنه غير معمول به. فقد أجمع القوم على أنه من لبس المخيط كان عليه الفدية سواء كان سراويل أو غيره.
Shafi 60