روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال «البيعان بالخيار ما لم يفترقا»
قال هذا رجز. أترى الناقل عن أبى حنيفة مثل هذا ما استحيا أن ينقل ما لا يسمع، فإن أراد به الرجز الذي هو الشعر فليس كذلك ومثل أبى حنيفة يعرف هذا المقدار، ولو أنه عرض على أدنى عامي لعرف هذا فكيف ينقل عن أبى حنيفة رحمه الله ما لو قيل لعامى لعرف أنه خلاف ذلك ويدعى أنه الثبت؟ وأما أبو حنيفة فإنه لا يأخذ بهذا الحديث على هذا الوجه الذي ذهب إليه غيره أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلف لفظا الواجب أن يوفق بينهما معنى. وهذا مذهب أبى حنيفة والبيع عقد من عقود الشرع، وجميع عقود الشرع بعد صحتها لا تحتمل النقض، مثل أن تقول بعت ويقول اشتريت، ومثل أن تقول أنكحتك على صداق مبلغه كذا وكذا، فيقول قبلت. فكما أنه ليس خيار في النكاح فكذلك ليس له خيار في البيع. وكذلك إلا جارة وغيرها من عقود الشرع، وإنما كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل القرآن والقرآن جاء على العرب، تقول بئست الرمية الأرنب وإن كانت لم ترم إلا أنها من شأنها أن ترمى فسميت رمية بذلك. كما قال تعالى أعصر خمرا
والمائع لا ينعصر وإنما كان يعصر عنبا ليجعله خمرا. فلما كان من شأنه أن يكون خمرا نطلق اسم الخمر على العنب، لأنه اسم ما يؤول إليه.
وقد روى أنه عليه السلام. قال لأبى سفيان يوم الفتح: «كل الصيد في جوف الفرا»
سماه صيدا وان لم يصد. فكذلك سماهما بيعين وإن يبيعا بعد، وتقديره البيعان بالخيار إذا شاءا تبايعا، وإن شاءا لا.
كما قال صلى الله عليه وسلم: «المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر» فلما عرض عليه الحكم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر عند رجل من الأنصار وكان معه رجل صائم فقال: «أجب أخاك وأفطر واقض يوما مكانه»
فلما أثبت الوجوب أوجب العوض، فهذا ومثله كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال قلت: روى قتادة عن أنس أن يهوديا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه. قال. هذيان. فأبو حنيفة رحمه الله لا يقول عن كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا، ولو كان كما قال عنه الخطيب لما ترك، فضلا عن أن يتبعه الناس ويقتادون إليه وقد تقدم أن رواية جماعة خير من رواية آحاد الناس. ثم هذا الخبر مجمع على ترك العمل به بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية. قال: «اغزوا بسم الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تمثلوا» . ألا تراه صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة. ونهى في الخبر عن قتل النساء والصبيان فهذا ناسخ لما تقدم.
Shafi 56