فهذا لم ينقله أحد من أصحاب أبى حنيفة واعلم أن أصحاب الإنسان أعرف به من الأجنبى، ثم اعلم أن مذهب أبى حنيفة له أصول وقواعد وشروط لا يخرج عنها، فأما أصول مذهبه رضى الله عنه فإنه يرى الأخذ بالقرآن والآثار ما وجد وقواعده أن لا يفرق بين الخبرين أو الآي والخبر مهما أمكن الجمع بينهما إلا إن ثبت ناسخا أو منسوخا وشروطه أن لا يعدل عنهما إلا أن لا يجد فيهما شيئا فيعدل إلى أقوال الصحابة الملائمة للقرآن والسنة وإن اختلفوا تخير ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة. فهذا عليه إجماع أصحاب أبى حنيفة وهو إذا عددت المدرسين منهم في عصر واحد وجدتهم أكثر من إسناد الخطيب منه إلى أبى حنيفة رحمه الله.
واعلم أن أخبار الآحاد المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم توجب العمل لأجل الاحتياط في الدين ولا توجب العلم. وأخبار التواتر توجب العلم والعمل معا فكيف بك عن أخبار الخطيب هذه التي لا تكاد تنفك عن قائل يقول فيها، فإذا نازلنا الأمر وساوينا قلنا أخباره أخبار آحاد وأخبار أصحاب أبى حنيفة متواترة والعمل بالمتواترة أولى؛ وقد ثبت مذهب أبى حنيفة وأصوله وقواعده فإذا ثبت أن هذه أصول أبى حنيفة فكيف يسوغ له أن يقول هذا مع علمه بقوله تعالى: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
فهذا لا يصح عن أبى حنيفة.
قال: أخبرنا أبو سعيد بإسناده إلى إسماعيل بن عيسى بن علي قال قال لي شريك:
كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب الله تعالى قال الله تعالى: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة
وقال تعالى: ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم
وزعم أبو حنيفة أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وزعم أن الصلاة ليست من دين الله. قد قلت فيما مضى: إن الإيمان هو المعرفة والمعرفة لا يدخلها جهل وإذا لم يدخلها جهل فمن أين تكون الزيادة والنقصان إنما الزيادة بأن يرتفع الجهل والنقص بأن تذهب المعرفة، وأما قوله عنه إن الصلاة ليست من دين الله تعالى فلم يرو هذا عن أبى حنيفة لكن نقول إذ لو روى هذا إن الصلاة لا يكون تاركها كافرا إنما الكافر جاحدها، فإذا لم يفرق القائل والناقل بين هذين كيف يعرف كلام أبى حنيفة ومن أين يأخذ عليه. إنما الصلاة دين إلى الله لا دين الله؟ وأصل الديانة الذلة والتعبد فإن قلنا إنها من عبدنا الله صح وإن قلنا إنها من ذلتنا إلى الله وطاعتنا له فهي دين لنا. قالوا دنته فدان وفي الحديث «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» .
Shafi 47