قلنا: كلَّا، لا يُقْبل حديثٌ من غير إسْناد، ولو نَقَلَهُ مُعْتَمَدٌ، لا سيَّما إذا لم يكن الناقلُ من نقَّاد الأحاديث. وجَلاَلةُ قدْرِهِ لا يَسْتَوجِبُ قَبُولَ كلِّ ما نَقَل، ألا ترى إلى نقلِ صاحبِ "إحياء العلوم" مع جَلالةِ قدْرِهِ أورد في كتابه أحاديثَ لا أَصْلَ لها، فلم يُعتبر بها، كما يظهر من مطالعة "تخريج أحاديثه" للحافظ العراقيّ، وهذا صاحبُ "الهداية" مع كونه مِن أجِلَّة الحنفيَّة، أورَدَ فيها أخبارًا غريبةً وضعيفةً، فلم يُعتَمَد عليها، كما يظهر من مطالعة "تخريج أحاديثها" للزيلعي، وابن حجر العسقلاني.
وسابعها: أنَّ آثار الوضع على هذه الروايات ظاهرة، وقرائنُ الاخْتِلاق عليها قائمة.
قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح ألفيَّة الحديث": "قال ابن الصَّلاح: وإنما يُعرف كون الحديث موضوعًا بإقرار واضعه، أو ما ينزل منزلةَ إقْراره، قال: وقد يفهمون الوضع من قرينةِ حال الراوي أو المروي، فقد وُضِعَت أحاديث طويلةٌ تشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها" (١). انتهى.
وروِّينا عن الرَّبيع بن خُثَيم قال: إنَّ للحديثِ ضوءًا كضوءِ النَّهار تُعْرَف، وظلمةً كظلمة الليل تُنْكَر (٢).
وقال ابن الجوزي: اعلم أنَّ الحديث المنكر يقشعِرُّ له جِلْدُ الطالب للعلم، وَيَنْفِرُ عنه قلبُه في الغالب" (٣). انتهى.
_________
(١) علوم الحديث، لابن الصلاح، ص ٩٩.
(٢) أخرجه الفَسَويُّ في "المعرفة والتاريخ" ٢: ٥٦٤، ومن طريقه الخطيب في "الكفاية" ص ٤٣١.
(٣) "الموضوعات" لابن الجوزي ١: ١٠٣.
1 / 53