وقد ذكرتُ ما يتعلَّق بهذا المبحث في رسالتي "النَّافع الكبير لمن يُطالع الجامع الصغير" (١)، وبَسَطْتُ الكلامَ فيها فيما يحلُّ الإِفتاء منه وما لا يحلُّ الإِفتاء منه، فَلْتُطالَع.
وخامسها: أن الاستناد بها موقوفٌ على تحقيقِ حالِ مؤلِّفيها من أنَّهم من أيِّ طبقةٍ من طبقات الفقهاء، وإذْ ليس فليس، وكونهم من أصحاب الأوراد والوظائف، أو من أرباب تصفيةِ اللطائف لا يُجوزُ الإِفتاء، فلكل فنٍّ رجالٌ، ولكلِّ مقامٍ مقالٌ.
قال عليٌّ القاري المكي في رسالته "شمّ العوارض في ذمِّ الروافض": ثمَّ اعلم أنَّه لا بدَّ للمُفتي المقلِّد أن يعلمَ حال من يُفتي بقوله، ومعرفة مرتبته في الرواية، ودرجته في الديانة، ليكون على بصيرةٍ وافيةٍ في التمييز بين القائلَيْن المتخالفَيْن، وقدرةٍ كافيةِ في الترجيح بين القولَيْن المتعارضَيْن، فقد قال ابنُ كمال باشا (٢): إن للفقهاء سبعَ طبقات (٣):
_________
(١) ص ٢٦ - ٣١.
(٢) هو شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا الرومي، من أعيان القرن العاشر الهجري، عاش في عصر السلطان سليم خان، وكان جدُّه من أمراء الدولة العثمانية، غَلَبَ عليه حبُّ العلم، فاشتغل به، وتولى الإفتاء بالقسطنطينية، وتوفي سنة ٩٤٠، وهو مُفْتٍ لها، رحمه الله تعالى. وصنَّف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامضة، وعدد رسائله يقارب من المائة رسالة، وله من التصانيف، تفسير لطيف حسن قريب من التمام، وقد اخترمته المنية ولم يكمله، وله حواش على الكشاف. انظر: "الشقائق النعمانية" لطاشكبري زاده ص ٢٢٦، ٢٢٧. والنص الذي سينقله المؤلف عن ابن كمال صرَّح في "التعليقات السنية" ص ٩٥ أنه ذكره في رسالة وقف البنات.
(٣) ذكرَ "طبقات الفقهاء" لابن كمال باشا العلامة ابن عابدين في آخر مقدمة حاشيته =
1 / 45