ومثله في كثيرٍ من الكتب مسطور، على ألسنة العلماء مذكور.
فإن قالوا: إنَّ هذه الصلوات ليست بتطوُّع، بل قضاء لما فاته.
قلنا: إنْ أرادُوا به أنه بنفسه قضاء لجميع ما فاته فهو غير صحيح؟ لعدم صدقِ تعريف القضاء عليه، وإن أرادوا به أنَّ الله تعالى يجعلُها بفضلِهِ قضاءً لما فاتَهُ، ويُعطي بها ثوابًا يُجزئ عمَّا فاتَهُ فهو على تقدير ثُبوتِهِ لا يُخرجه عن التطوعيَّة.
وبهذا يظهرُ سَخَافة قولِ مَنْ أفتى بعدمِ كراهةِ الجماعة فيه مُسْتَنِدًا بأنَّ فيه دَخَلًا للفوائت، فإنَّ هذا لا يسلُب عنه اسمَ التطوع، ولا يجعله خارجًا عن أفراد التطوع، كيف وقد وَرَدَ في بعض النصوص التي ذكروها أنَّ هذه الصَّلاة نَفْل، فَيُكره أداؤه بالجماعة بلا شُبهة.
وبالجملة، فهذه الصَّلاة التي اخترعوها مشتملةٌ على مفاسِدَ كثيرةٍ، وأداؤها مع ما زعموا أنه قضاءٌ لما فاتَ خلافُ المعقول والمنقول، ومضادٌّ للفروع والأصول.
والذي يدلُّ على أنَّ الصلاة المذكورة لا أصلَ لها خلو أكثر الكتب المعتمدَة عن ذكرها كـ "البزَّازية" (١)، و"الخُلاصة" (٢)، و"فتاوى قاضي
_________
(١) تقدم التعريف بالفتاوى البزازية، وبمؤلِّفها ص ٢٠.
(٢) للإِمام طاهر بن أحمد عبد الرشيد البخاري، شيخ الحنفية بما وراء النهر، من أعلام المجتهدين في المسائل، له عدة مؤلفات، وكتاب "خلاصة الفتاوى" كتاب مُعتَبَرٌ عند العلماء، معتَمدٌ عند الفقهاء، توفي سنة ٥٤٢ رحمه الله تعالى، كما في "الفوائد البهيَّة" ص ٨٤.
1 / 31