Ubansu Juyin Juya Hali
رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة
Nau'ikan
1
فهل يمكن تطبيق ذلك على البحث في ديانة مصر القديمة؟ لا شك أن الكلام شيء، والفعل شيء آخر، خاصة إذا كان هذا البحث والتقصي والعرض المتكامل، يتناول ديانة تشتمل على مجموعة عقائد مختلفة متضاربة، تشابكت وتداخلت - مع تضاربها - إلى الحد الذي أدى بكبار الأثريين مثل برستد إلى القول: إن هذا التشابك والتداخل «قد ترك لنا مشكلة صعبة الحل إذا نحن حاولنا فصلها من ذلك الاندماج؛ لتمييز كل عقيدة عن الأخرى»،
2
أو مثل ولسن الذي انتهى من دراساته إلى موقف أوضحه بتأكيده: «أنه لا يمكن التوفيق بين هذه العقائد المتضاربة المتنافسة فيما بينها.»
3
ورغم ذلك كله، فقد ولجنا باب هذا المضمار الخضم، ولوجه الحق، إننا لم ندرك مدى المعاناة الكامنة وراء مثل هذه الأقوال، إلا عندما بدأنا محاولات البحث عن الخطوط الفاصلة بين هذه العقائد؛ لتمييزها من بعضها البعض، بهدف إيضاح عقيدة الخلود مستقلة بارزة، فكانت هذه المرحلة من الدراسة أعقد مراحلها.
وليس في قبيل المبالغة التقرير: أن الباحث - أي باحث - لا يجد مصدرا أو مرجعا واحدا - كما لمسنا - يراعي هذه الخطوط الفاصلة مراعاة واضحة دقيقة، أو كتابا واحدا، تناولته اليد، يقدم عرضا يراعي خطوط الزمان التطورية، أو حتى قوانين الفكر المنطقية، لسير هذه الديانة عبر تاريخها الطويل، وكل ما يمكن العثور عليه عبارة عن عروض لكافة المذاهب والعقائد والآلهة، مختلطة متشابكة متنافرة في آن واحد، دون تحديد واضح، مما يؤدي بمن يريد البحث إلى متاهة من الدروب، بحيث كادت كل محاولات فهم التحديد الزمني لظهور أو اختفاء عقيدة بعينها، أن تصبح مسألة غير مجدية، ينذر الفشل بالسريان فيها منذ بداية نسجها؛ حتى إن التحديد الزمني الدقيق لم يكن له أي وجود في أي من المصادر والمراجع التي طالعناها دونما قصور أو تقصير، وكلها كان يحاور ويداور، ويرصد نصوصا لا تعني شيئا على وجه الدقة بالمرة، وكلها استخدم تعبيرات زئبقية غامضة للتحديدات الزمنية، مثل قديم، أو حديث، أو قبل، أو بعد، حتى فيما يتعلق بأكبر الآلهة المصرية؛ مثل الإلهين «رع» أو «فتاح».
وقد قسمت هذا الباب إلى فصول ثلاثة، تناولت في أولها أهم وأكبر الآراء الفرعونية، حول الوجود، كونا وكائنات، من حيث طبيعة هذا الوجود ونشأته وتكويناته، مع محاولة تفصيل ذلك منفصلا عن عقيدة الخلود، وفق خطة زمنية منطقية، بهدف بيان طريقة العقل البشري الفكرية في تلك العصور، ولماذا نعتبر هذا الفكر فلسفة، مع مقارنته بالفكر الديني والفلسفي للأمم المجاورة مكانيا، واللاحقة تاريخيا؛ سعيا وراء تقييم الفكر المصري، ووضعه في مكانه الصحيح إزاء تضارب الآراء حوله.
أما الفصل الثاني فقد خصصته لعرض عقيدة الخلود المصرية القديمة، مستقلة عن علائقها - قدر ما يمكنا - لبحث بداياتها الأولى وأسبابها، والسير بها سيرا يوافق تطور الزمن، ومنطق العقل، مع التوقف مع كل نقطة تطورية؛ لنستكشف أسبابها الحقيقية، ونتائجها.
بينما وضعت الفصل الثالث بكامله لإله الموتى أوزير، بعد الخروج من معاناة الآراء المتنافرة بشأنه؛ للوقوف على دوره وأثره في تطور عقيدة الخلود، ولم يكن السير مع عقيدة الخلود تطوريا ممكنا - في رأينا - دون تحديد دور هذا الإله، وتوقيت ظهوره بدقة، وتحديد موعد ارتباطه بعقيدة الخلود بالشكل الأقرب إلى منطق الأحداث والعقل. خاصة إذا علمنا أنه الإله الذي استطاع أن يرافق عقيدة الخلود حتى نهاية العصور الفرعونية.
Shafi da ba'a sani ba