Ubansu Juyin Juya Hali
رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة
Nau'ikan
فإذا كان المعتقد الحالي، يرى أن الروح تترك الجسد بمجرد الموت، حيث تصعد إلى السماء ولا تعود إلا بالبعث، فإن متون الأهرام كانت تؤكد أن «روح الفرعون كان يسبقه إلى السماء»،
56
أي إن باه كانت تسبقه إلى الملكوت السماوي، وهنا بداية التفسير لما وصف بالتضارب والاضطراب؛ فذلك يفسر تصوير النصوص للملك الميت جالسا فوق مقدمة سفينة الشمس، ويكون الجالس هنا هو با الملك أو روحه، وليس الملك بأناه الجسدية. ويصبح تأكيد النصوص على أن روح الملك تستقر في السماء بين النجوم؛ هو تأكيدا وإصرارا على إبراز الاعتقاد بصعودها إلى السماء، بوضعها بين أوضح مظاهرها المحسوسة، وهي النجوم، وعليه فلم تكن النصوص تقصد الملك بأناه، وإنما بروحه أو باه.
وإذا كان المعتقد الحالي يرى أن القرينة أو الأخت تظل على الأرض، تتردد بين القبر وبين الأماكن التي كان يغشاها الميت في حياته، فإن النصوص القديمة صورت الميت في قبره يأكل ويشرب، أو يهيم في حقول البردي طالبا القوت أو يعتلي عرشه، وكان هذا ما حدا بالباحثين إلى رؤية التضارب والتنافر فيها، لكن الأمور تستقيم بربط القديم بالحالي، فتصبح هذه الأفعال ليست أفعاله، وإنما هي أفعال قرينته أو أخته، أو ما أسماه القدماء الكا، التي تشبهه تماما؛ وبذلك لا يكون الملك بأناه هو من يفعل هذه الأفعال بعد موته، إنما هي كاه، ويكون طبيعيا جدا أن ترسم على الجدران وهي تقوم بهذه الأعمال في هيئة الملك وصورته وشكله، بل إن هذا ما تراه العقيدة الإسلامية فعلا، فترى أن «الروح بعد مفارقتها للجسد يكون الموت، وتبقى هي مدركة تسمع من يزورها وتعرفه، وترد عليها السلام.»
57
وبذلك يكون الموضوع قد أصبح أكثر معقولية وانضباطا، فيصبح الميت في قبره، بينما تصعد باه إلى السماء، وتظل كاه تحوم بين القبر والأرض.
وهنا ينبه ولسن إلى خطأ شاع حينا، مفاده أن المصريين كانوا يؤمنون بتناسخ الأرواح البشرية بعد الموت، في كائنات أخرى كالحيوانات، وقد كان مصدر هذا الخطأ - في رأيه - هو اليونان والرومان، في المراحل المتأخرة من تطور العقيدة، ويقول: إنه «نتيجة لسوء فهم العقائد الخاصة بالموت، بشأن مجال المتوفى وما لديه من قوى، يصبح المصري بعد موته آخ - أي شخصية ذات أثر فعال - وكانت مقدرته على اتخاذ أية هيئة يريدها ليصبح حرا في الحركة، أو ليزور الأرض، أو من أجل سروره لا غير، جزءا من قدرته بعد الموت، فكان يتخذ شكل زهرة اللوتس، أو شكل الصقر، أو هيئة أي كائن حي؛ فلهذا حوى كتاب الموتى رقى سحرية تمكن الإنسان من اتخاذ تلك الأشكال، ولكن ذلك كان أمرا موضوعيا ومؤقتا، ويتوقف على مشيئة المتوفى، ولم يكن ذلك أبدا تناسخا للأرواح، ولم تخرج روح الميت مباشرة لتحل في حيوان من الحيوانات، وتظل فيه حتى ينتهي أجل ذلك الحيوان، فالاعتقاد المصري اختياري، ولأجل غرض مؤقت، وكان غريبا على الإغريق غرابة تامة، فلا عجب إذا رأيناهم يسيئون فهمه.»
58
المهم أنه حتى بداية الأسرة الخامسة، كان الخلود قاصرا على الملوك فقط؛ تأسيسا على منطق كونهم كانوا آلهة يملكون الطبيعة الخالدة، وجمع هذا الخلود بين عالمين، عالم القبر وما حوله، وعالم السماء بصحبة الإله الأعظم للمجمع المقدس، رع الأوني؛ بناء على تقسيم المكونات الإنسانية اللامادية إلى كا، با. ولكن الغريب في بابه، أن عقيدة الخلود قد أخذت في هذا العهد خطوات تطورية سريعة وخطيرة، ظهر خلالها الإله أوزير ظهورا قويا، انتهى به إلى خلع رع الأوني عن عرش الآخرة نهائيا، وليحل محله كحاكم للموتى، في الوقت الذي بدأت فيه جماهير الشعب بغزو عالم الملوك الآخر؛ «لتتوافق هذه التطورات المتلاحقة والخطيرة للعقيدة الأخروية زمنيا؛ مع توقيت بداية الثورة الشعبية الأولى التي أدت إلى انهيار الدولة القديمة، مما يدفعنا إلى افتراض وجود رباط يربط ما بين الثورة الشعبية، وبين دخول الجماهير إلى عالم الخلود، وبين ظهور أوزير كإله للعالم الآخر، وبين تطور مفهوم هذا العالم تطورا ارتقائيا وسريعا». وسعيا وراء الكشف المأمول عن الرباط بين هذه العناصر الأربعة؛ نظن أن هذا الرباط المتفرع من الجهات الأربع، تتمركز عقدته الجامعة لأطرافه في الإله أوزير ذاته؛ ذلك الإله الذي أصبح منذ هذا العهد، وحتى نهاية العصور الفرعونية، صاحب العالم الآخر وإلهه الأعظم بلا منازع، الأمر الذي يدفعنا دفعا إلى الوقوف مع هذا الإله؛ لنبحث ماهيته وتوقيت ظهوره، وأثره أو تأثره بأحداث عصره، ودوره في تطور عقيدة الخلود في مصر القديمة.
الفصل الثالث
Shafi da ba'a sani ba