Na ga a cikin abin da barcin mutum ke gani
رأيت فيما يرى النائم
Nau'ikan
فصاحت به: طردت العافية من بدنك!
ونادت مخلوف زينهم، فلما حضر الكهل سألته عن الشاب، فقال: إنه بلا ذاكرة!
فقالت بضيق: لم أسمع عن هذا المرض من قبل، هل يطول غيابه؟
فقال الكهل بعطف: لا أحد يدري، من ناحيتي فإني أسعى لدى الطيبين للتبرع بما يكفي لنشر صورة له في الجرائد كي يهتدي أهله إليه.
فقالت المرأة بغلظة: كف عن ذلك، ودع الأمر لي!
فرمقها الكهل بيأس، ثم قال: لك الجزاء الحسن عند الله.
ومضى نحو العيادة.
وأفسحت المرأة للشاب مجالا للعمل في الوكالة، معلنة بذلك اهتمامها به، فأقلع الجميع عن التفكير فيه إيثارا للسلامة، وراح يؤدي ما يطلب منه نظير طعامه وكسائه. وتجاهله عبدون فرج الله طاويا حقده في قلبه خوفا من المعلمة، ولكن الحقد عليه تفشى في قلوب كثيرة، في مقدمتها قلبا رياض الدبش وحلومة الجحش. توقع كلاهما دهرا أن عبدون فرج الله هو المرشح للنعيم، حتى زحف الفتى المجهول من القبو كالقدر، وتجلى رونق وجهه بعد الحلاقة، وشعر رأسه الممشط بعد إزالة الضمادة، كما ارتسمت رشاقة قامته في البنطلون القصير الكاكي والقميص الرمادي نصف الكم والحذاء الأسود الموكاسان. أما هويته المفقودة فلم تسترد، ومضت هوية جديدة بدائية تستكشف الوجود من حوله بدهشة ثابتة، مستهترة بالتقاليد والحياء والنفاق، لائذة بغرائزها المتحفزة. وتمنى له الحاقدون الشفاء لعله يختفي فجأة كما ظهر فجأة. أما نعمة الله الفنجري، المرأة الرائعة المخيفة، فكانت تحلم بمسيرة أخرى. سرتها نظراته النهمة البهيمية، ولغته الصامتة المكشوفة معا، وحومانه الحار الجنوني حولها بلا حياء، حتى قالت لنفسها: «لا بد من تهذيبه». قوتها الراسخة نفسها اهتزت حيال هوج انفعالاته الجامحة، فخافت أن يصيبها سوء مجهول بين يديه المندفعتين بعنف البراءة العمياء، وقالت لنفسها أيضا: «إني أخيف الرجال، ولكن لا أدري كيف أتعامل مع الزوابع.» بدا غريزة مجسدة تهيم في غابة من نفايات الحديد. وسمعت عبدون فرج الله يدعوه بالمجنون، فنهرته قائلة بنبرة آمرة: إنه يدعى «عبد الله»!
فتساءل عبدون: ألا ترين أنه لا يعرف دينا ولا ربا؟!
فشكمته بضربة في صدره أوشكت أن تطرحه أرضا، وسرعان ما عرف بعبد الله، ولكنها قلقت من حريته المطلقة المنذرة دائما بعواقب مجهولة. إنه لا يتورع عن مد يده إلى أي موضع خصب من جسمها، فترجعه جادة حذرة، رغم ظهورها بمظهر الرجال في الوكالة طيلة النهار، فكيف لو لمحها في منظرها الأنثوي الطاغي في مسكنها الناعم الخيالي فوق الوكالة؟! وخطر لها خاطر حكيم ادخرته لزيارة الشيخ «جابر عبد المعين»، إمام الزاوية الذي يتلقى منها المعونة له وللزاوية في أيام محددة. إنها تغطي طغيانها المخيف بنفحات كرم تسكت بها ذوي الألسنة القادرة، وتمارس في الدين طقوسا وثنية، فلا تأبى - رغم جبروتها - أن تؤنس وحدتها الداخلية بالأحجبة والتعاويذ. جالست الشيخ على أريكة قائمة في الجانب الأيمن من الوكالة بين تلين من قطع الحديد، وتراءى عبد الله وهو يعاون عبدون فرج الله في شحن عربة بالإطارات الملساء، ولمحت المرأة الشيخ وهو ينظر نحوه، فقالت: أعطيته عملا ورزقا.
Shafi da ba'a sani ba