وأنت ترى كيف قدم الحث على الصبر والمصابرة على المرابطة والاستعداد للقاء العدو، وذلك إشادة بفضل الصبر، ولما يعلم الحكيم العليم من أن كل استعداد للقتال مهما يعظم شأنه إذا لم يكن مقرنا ببناء النفس على الصبر وأخذها بشدة الاحتمال لا خير منه ولا غناء فيه.
وبعد، فلو قد مضى الكاتب في ترديد الآيات الكريمة التي تحض على أخذ النفس بالصبر، وخاصة في ساعات الروع، وجعل يضيف إليها الحكم والأسباب، ويردفها بالظروف والملابسات لاتسع كثيرا نطاق الكلام عن المساحة المقسومة لمثل هذا المقال، وفي القدر الذي قدمناه الكفاية إن شاء الله.
على أنه لا يفوتنا أن نزن مبلغ حاجتنا إلى الصبر في الأيام التي نخوضها الآن، وفيما عسى أن نلقى في مستقبل الأيام.
نحن نتوقع غارات تعترينا من جو السماء، وقد تلحق بنا من الأذى قليلا أو كثيرا.
ومن ظن ممن يلاقي الحرو
ب بألا يصاب فقد ظن عجزا
ولنقدر - لا أذن الله - أن يأخذنا الهلع والفزع، فماذا تكون الحال؟
لعمري، ليس شرا على نفسه وشرا على غيره من الهلوع الذي ضل رشده، وفقد صوابه، وكيف لمثل هذا بالنخاس أحسن السبل لاتقاء الأذى والنجاة منه، أو استنقاذ الغير أو إسعاف المنكوب بما يهون من بلائه ويعصم عليه الحياة؟
اللهم ليس لهذا السليب العقل المستطار اللب بشيء من ذاك يدان، بل إنه بهلعه واضطرابه وتخبطه هنا وهناك لحقيق بأن يوقع نفسه في خيلاء، وقد يكون بعيدا عنه ويزيد في ويل سواه، وقد يكون على شرف الخلاص منه، والأمثلة على هذا أكثر من أن يلحقها العد أو يحيط بها الإحصاء.
أما هذا الذي أخذ نفسه بالصبر فجمع في ساعة الروع رشده، وملك ناحية تفكيره وتدبيره، فهو الجدير أن يحكم التقية قبل نزول البلاء، ويلتمس المخرج وقت وقوعه، ويسرع إلى نجدة المكروبين ممن عسى أن يكونوا قد أحيط بهم، وإلى إسعاف من عسى أن يكون قد مسهم الضر بما يرد الآلام، ويعصم من العواقب الجسام!
Shafi da ba'a sani ba