وما أشد خيبة المسكين إذ يبسط المناديل كلها ظهرا وبطنا، ويحد النظر في خيوطها خيطا فخيطا، حتى يكاد من شدة التحديق ينقض نسجها نقضا، فلا يرى في أيها أثر الدم من نفثة صدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وما له ييأس؟ وما له يقنط؟ أفكتب على الناس ألا يموتوا إلا بذات الصدر؟ وإذا كان السل معجلا للآجال، فلا شك في أن السكر والزلال من حبائل عزرائيل.
وهنا تقوم مشكلة، فإن أخذ النماذج - العينات - من بول الرجل لتحليلها يقتضي ولا بد علمه ورضاه فليس للأبوال شأن المناديل، إذن لم يبق إلا اتخاذ الصراحة، ولا شك أن كل زواج لا تقوم وسائله على الصراحة لا خير فيه، بل قل أن يكفل له بقاء. وما كاد الرجل يسأل في هذا حتى ثار ثائره وجن جنونه، وهم بالبطش بالرسول لولا أن أسعفته ساقاه بالفرار، وأرسل البك في دعوة ابن أخيه غير المتعلم وعقد له على ابنته لساعته.
وبعد، فليس كل الناس بقادر على أن يرغم ابنته على الزواج من قريبه، واقعا شأنه في الحياة ومن هوى الفتاة حيث وقع، وليس كل الناس بقادر إذا طاب له على أن يعضل ابنته حتى تشيخ وتعنس، وليست الآجال بأيدي الخلق حتى يعجل الآباء الموسرون بآجالهم؛ ليتقدم لبناتهم الخاطبون من شباب هذا الزمان.
إذن لم يبق إلا حل واحد لهذه المشكلة الاجتماعية التي تعانيها مصر في هذه السنين، حل واحد يستدرج الشبان للزواج، ولا بأس به على البنات ولا على آباء البنات، بل إنه فوق هذا وهذا ليفسح في النظام الاقتصادي ويضيق من مساحة العطلة في البلاد.
وهذا الحل الفذ الذي لا حل قبله ولا بعده، هو أن تؤسس في مصر شركة أو شركات للتأمين على الموت تقوم بجانب شركات للتأمين على الحياة، وهذه شركات التأمين على الموت - وقاك الله البليات، وعصمك من خطبة الشباب للبنيات - تجري في معاملاتها على عكس ما تجري عليه شركات التأمين على الحياة، وإليك البيان.
يؤمن الشاب الخاطب على موت حميه الموسر أو حماته الموسرة بمبلغ معين، يؤديه هو للشركة إذا حم القضاء وحل إرث الأحماء، وذلك لقاء قسط شهري أو سنوي معين، تؤديه الشركات للشاب المؤمن، وهذا القسط يقل ويكثر طوعا لمبلغ التأمين من جهة، وصحة الحم العزيز أو الحماة المحبوبة من جهة أخرى، وبهذا النظام يكفل اليسر العاجل للشاب، والمغنم الآجل للشركة في حين لا يوتر المرحوم أو المرحومة في زيف ولا صحيح، اللهم وهو ملحود في الضريح، وإن من قد دس في التراب لفي شغل بحساب غير هذا الحساب!
ولعلك قد وفقت على هذا النظام المالي البديع في غير حاجة إلى من يزعم أن أحسن «زبائن» الشركة وأولاهم بالأغلاء في الأقساط وأجورهم بعدم المبالغة في مقدار التأمين، وهم الذين شاعت فيهم الأسقام وألحت عليهم العلل ومن خنقتهم الذبحة أو أبطلهم الشلل، فإذا كان في البول سكر أو زلال فقد تراءت المنى وتدانت الآمال، وإذا كان مع السكر أستون
acétone
فالحظ مكفول مضمون، وإذا كان في الزلال سلندر
Shafi da ba'a sani ba