وشرب أحمد بن أبي طاهر وأبو هفان حتى فني ما معهما وكانا بجوار المعلى بن أيوب، فقال ابن أبي طاهر لأبي هفان: تماوت حتى أسأل المعلى في كفنك، فسجَّاه بثوبٍ وخرج إلى المعلى فقال: أصلحك الله، نزلنا في جوارك، فوجب حقنا عليك، وقد مات أبو هفّان، وليس له كفنٌ، فقال لوكيله: امضِ معه لتشاهده وادفع إليه كفنًا، فأتاه فوجده مسجىً، فنقر أنفه فضرط، فقال: ما هذا؟ قال: أصلحك الله، عُجلت له ضرطة القبر لأنه مات وعليه دين، فضحك وأمر لهما بدنانير.
ودعا ابن المعتز جماعة من المغنين فخلع عليهم، ولم يكن جحظة حاضرًا، فبعث إليه خلعةً إلى منزله وزاده عليهم فرسًا، فغاظهم ذلك، فنالوا منه، وبلغه قولهم، فكتب إلى ابن المعتز:
أطال لك العمر ربُّ السماءِ ... وزادك في الخير من خيره
أتاني الكُميت بلونٍ غريبٍ ... يباري الجنائب في سيرهِ
فأقعدتني منه في ظهرهِ وأُم الحسودِ على أيرهِ وقال أبو العنبس: دخلت على محمد بن إبراهيم بن مُصعب وهو على الرَّيّ فقال: يا أبا العنبس، إني سائِلُك عن ستة أشياء فأَعِّدَّ لهن جوابًا، [فإني سائِلُكَ] عن أطيب الطعام وألذالشراب وأذكى الرائحة وأمتع الغناء، وأشهى النساء، وأفره الخيل، قلت: أيها الأمير، ومتى عوَّدتك إعداد الجواب؟ سلْ عما أحببت بديهةً، فقال: ما أطيب الطعام؟ قال: طعامٌ وافق الجوع بلونٍ زافق الشهوة. قال: صدقت، فما ألذُّ الشراب؟ قال: كأس راحٍ يعاطيكها خليل، أو شربة ماءٍ باردٍ يُنقع بها غليلك، قال: صدقت، فما أذكى الرائحة؟ قال: رائحة بدنٍ تحبه أو ولدٍ تربه قال: صدقت، فما أشهى النساء؟ قال: التي تخرج من عندها كارهًا وتعود إليها والهًا، قال: صدقت، فما أفره الخيل؟ قال: الأسوق الأعنق الذي إذا طلب لم يُسبق، وإذا طُلب لم يُلحق، وإذا صهل أطربك، وإذا نظرت إليه أعجبك. قال: صدقت وأجدت، يا غلام أعطه مائة دينار، قال: قلت، أصلح الله الأمير، ومايتا دينار تكفيني، قال: وقد زدت نفسك مائة، يا غلامُ أعطه مائتي دينارٍ.
وقالوا: ثلاث يضيِّقن الصدر: رسولٌ بطيء، وسراجٌ لا يضيء، ومائدةٌ ينتظرُ لها من يجيء.
وقال أبو الرقعمَق: كان لي أخوانٌ أربعةٌ وكنتُ أُنادمهم في أيام الأُستاذ كافور، فجاءَني رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوةٌ تحصنني من البرد، فقال الرسول: إخوانك يقرؤون عليك السلام ويقولون: ذبحنا اليوم إرخة سمينة فاختر ما يعمل لك منها مما تشتهيه، فكتب إليهم:
إخواننا عزموا الصبوح بسُحْرةٍ ... فأتى رسولُهُم إليَّ خصوصا
قالوا اقترح لونًا يجاد طبيخُهُ ... قلتُ اطبخوا لي جبةً وقميصا
فذهب الرسول بالرقعة فما شعرتُ حتى عاد ومعه أربع خلع وأربع صررٍ في كل صرةٍ عشرة دنانير، فلبست إحدى الخِلع وعدتُ إليهم.
وقيل لأبي الطمحان الشاعر: أخبرنا عن أدنى ذنوبك، اقال: ليلةُ الدير، قيل: وما ليلةُ الدير؟ قال: نزلتُ على نصرانية فأطعمتني طَفَيْشلًا بلحم خنزير، وسقتني خمرًا، وزنيتُ بها، وسرقتُ كُساها.
قال قتيبة بن مُسلم لقاضي مَرو: بلغني أنك تشرب النبيذ، فقال: نعم أصلحك الله أَشرب منه ما يبل العقل ويُطيب النفس ويغني عن الماء ويهضم الطعام، قال: فما أبقيت منه، قال: أبقيت أخبثه وأرداه؛ الاتكاء على الشمال، ومنادمة الأوغاد والاختلاف إلى المَبال.
ومات ابنٌ للعُتبي فجاء بعض معاشريه يعزيه فقال: رحم الله ابنك، فوالله ما حَبَسَ دورًا ولا ردّ تحية ولاتبرم من رطلٍ ولا فرَّ من دعوة، ولا سبق إلى خدر غلامٍ، ولا عربد على جليس، فقال العتبي: والله لقد سليتني عنه.
وقال يعقووب بن بشر: كنت مع إسحق بن إبراهيم الموصلي في نزهةٍ فمرَّ بنا أعرابي، فأرسل إليه غلامه زيادًا الذي يقول فيه:
وقولا لساقينا زيادٍ يُرِقُّها ... فقد هدَّ بعض القوم سَقْيُ زيادِ
فأتى الأعرابي فلما شرب وسمع حنين الدواليب قال:
حنَّت وليس تحنُّ من وجد ... وأحِنُّ من طربٍ إلى نجد
فدموعها تحيا الرياضُ بها ... ودموعُ عيني أقرحت خدي
وبساكني نجدٍ كلفت وما ... يغني بهم كلفي ولا وجدي
لو قيس وجد العاشقين على ... وجدي لزاد عليه ما عندي
1 / 50