ودخل حارثة بن بدر الغداني على زياد، وكان مدمنًا للشراب وبوجهه أثر، فقال له زياد: ما هذاالأثر بوجهك؟ فقال: أصلح الله الأمير، ركبت فرسًا أشقر فجمح بي حتى صدمني الحائط، فقال زياد: [لو] ركبت الأشهب لم يُصبك مكروه.
وسقى قوم أعرابيًا فقالوا له: ألا تمزج كأسك، فقال: حسبها ما شَرَبَت في كرمها.
دعا أعرابي فقال: اللهم أسألك ميتة كميتة أبي خارجة، قيل له: وما ميتته؟ قال: أكل لحم جمل وشرب نبيذ عسلٍ ونام في الشمس، فمات شبعان ريَّان دفآن.
وقال يحيى بن خالد: الأيام أربعة؛ ويوم الغيم للصيد، ويوم المطر للشرب، ويوم الشمس للحوائج.
وكان رجلٌ من الأزد يكنى أبا شملة قد تتابع في الخمر وغلبت عليه، فأُتي به رسول الله (ص) وهو سكران، فأخذ رسول الله (ص) قبضة من تراب فضربه بها وقال: اضربوا الخبيث، فضربه الناس بأيديهم وبالنِّعال وأطراف النخل، فلما وليَ أبو بكر ﵁، أُتي بسكران، فسأل: كم ضرب رسول الله (ص) أبا شملة؟ قالوا: ما ندري، قال: كم كنتم؟ قالوا: عشرين رجلًا، قال: فكم ضرب كل رجل؟ قالوا: الضربة والربتين والثلاث، قال: فلو رددنا قليل ذلك على كثيره فجعلنا لكل رجل ضربتين، فضربه أربعين.
فلما ولي عمر بن الخطاب ﵁، كتب إليه أبو عبيدة ابن الجراح (رض) من الشام: إن الناس قد تتايعوا في شرب الخمر، وقد ضربت فيها الأربعين فلم تغن شيئًا، فجمع عمر رجالًا من أصحاب رسول الله (ص) فشاورهم، فقال عليّ: إني لا أرى حدًا أشبه بحد الفرية منه، إن الرجل إذا سكر وإذا هذى افترى، فقال عمر للرسول: قد سمعت ما قال فمر أبا عبيدة أن يضربها، فضرب أبو عبيدة بالشام ثمانين، وضربها عمر بالمدينة.
وعرض عبد الملك بن مروان على الأخطل الإسلام، فقال: يا أمير المؤمنين إني مشغوف بالخمر، أفرأيت إن أسلمت تدعني وشربها؟ قال: لا يا أخطل، لا أُحل لك ما حرم الله عليك، وإن أسلمت ثم شربتها حددتك، قال: لا حاجة لي في الإسلام، ودين آبائي أحبُّ إليَّ، فقال عبد الملك: وما تبلغ الخمر منك؟ قال:
فلسن بصائمٍ رمضان طوعًا ... ولست بآكلِ لحمَ الأضاحي
ولست بقائمِ أبدًا أُنادي ... كمثل العير، حي على الفلاح
ولكنِّي سأشربها شمولًا ... وأسجدُ عند مُنبلجِ الصباح
ودخل الأخطل على عبد الملك وهو سكران، فقال: ما هذا يا أبا مالك فقال:
إذا شرب الفتى منها ثلاثًا ... بغير الماء حاول أن يطولا
مشى قرشيَّة لا عيب فيها ... وأرخى من بنائقه فضولا
قال أبو أُمية التميمي: دخلتُ على الأخطل وبين يديه شراب، فناولني منه كأسًا، وقال: أنعم حيَّاك الله، فقلت: إني حنيف، ولا تحلُّ لي الخمر، فكلح في وجهي ثم قال: ما أدخلك عليَّ؟ قلت: إني رجل أُحبُّ أحاديث العرب وأشعارها فأحببت الاجتماع بك، قال: فسُرِّيَ عنه، ثم قال: أما والله ما نعتها أحدٌ نعتي لها، يعني الخمر، فقلتُ: وما صلت يا أبا مالك، قال: قلت:
وإذا تعاورت الأكفُ زجاجتها ... نفحت فنال رياحَها المزكوم
وكأن شاربها أصاب لسانه ... من دار خيبر أو تهامة مُومُ
قال: قلت ولابن عمِّك الأعشى (مثلُها) قال: وكيف قال؟ قلت: قال:
من خمر عانة قد أتى لعصيرها ... حول تسلُّ غمامة المزكوم
قال: فضرب بكأسه الأرض وقال: أنا والله ما رأيت كاليوم قطّ، أني جعلته يجد ريحها، وأنه استلَّها استلالا.
وحكى ربعي الأنصاري: أن عجوزًا من الأعراب جلست في طريق مكة إلى فتيان يشربون نبيذًا لهم فَسَقَوْها قدحًا، فطابت نفسها، وتبسمت، ثم سقوها قدحًا آخر، فاحمرَّ وجهها وضحكت فسقوها قدحًا ثالثًا فقالت: خبِّروني عن نسائكم بالعراق أيشربن من هذا الشراب؟ قالوا: نعم، قالت: زَنَيْنَ وربِّ الكعبة، والله لئن صدقتم لما فيكم أحد يعرفُ من أبوه.
1 / 48