مع أن ذلك القول قد يكون - اليوم - مما تجاوزه الزمن وعفى عليه؛ لأن سلطة العصبيات قد تضاءلت، وتغيرت معطيات الحياة السياسية والاجتماعية، فلم يعد لأي نوع من تلك المزاعم واقع في حياة الناس، فلا فائدة للبحث فيه، وقد يكون البحث في حقيقتها بالغ الأهمية؛ لأنها ظلت الصوت المسموع فترة طويلة، وقدمت للناس في أجواء موبوءة بالاستبداد السياسي والصراع الاجتماعي، فورث كإحدى المسلمات، وصار لها قدسية تحول دون نقدها وتقييمها، لأن أقل ما ينتظر الباحث في هذا المجال - إن خلص إلى غير المألوف - الشتيمة والتجهيل والرمي بالابتداع والخروج عن الثوابت.
وأيا كان فالمسألة لا تزال تلقي بظلالها في الحياة الفكرية، وتتسبب في كثير من أشكال الخصومة والنزاع، لاسيما وأن لها صلة بالزعامة والسيطرة التي يتصارع الناس لأجلها، ويبحث كل عن مؤهل للوصول إليها، كما أن لها علاقة بالعصبية التي من شأنها أن تظل كامنة لتنتفض في أي وقت تكون الفرصة فيه مواتية والأجواء مهيأة.
قد قررت أن أخوض غمار هذه اللجة المتلاطة بالتناقضات المليئة بالتعصبات، فأسأل الله التوفيق والسداد.
قريش.. من الزعامة التاريخية إلى الإسلام
ظلت القبائل العربية زمنا طويلا تعيش حالة من التشتت في أرجاء جزيرة العرب، وكان بنو إسماعيل بن إبراهيم أكثر القبائل تواجدا في مكة ونواحيها، وكانوا يتعرضون من وقت لآخر للحروب والتشرد كالقبائل الأخرى، إلى أن ظهر فيهم «قصي بن كلاب» وكان صاحب رأي سديد وبصيرة نافذة، فقام بتجميعهم في مكة بجوار البيت الحرام، وسموا حين ذاك قريشا، وأسس لهم مجلسا للشورى عرف حين ذاك ب(دار الندوة)، فكانوا لا يقدمون على شيء في سلم أو حرب إلا بعد أن يجتمع فيه زعماؤهم، ويقررون ما يتعين عليهم فعله، وقد أدى ذلك إلى شعورهم بالاستقرار لأول مرة في تاريخهم.
Shafi 7