فألتفت لأجد جماعة من الحراس يتقدمون نحوي، وأجفل لرؤيتهم، وتطرف عيناي إذ تقع على ملابسهم المزركشة بالألوان الحمراء والزرقاء، ويقبض واحد منهم على ذراعي ليقول لي: إنا نبحث عنك منذ ساعات.
فأقول لهم: وأنا أيضا أبحث عن قيصر!
فيعتذر إلي حارس طويل القامة في أدب رقيق: لقد أخطأنا حين تركناك تدخل القصر، فأتعلق بثيابهم وأنا أستنجد، ألست رجلا من الشعب! - نعم ... ولكنه يريد رجلا آخر!
وأعود معهم أشق ردهات القصر، وأعبر دروبه، وأجوز قاعاته، وأتفرج على بدائعه وكنوزه.
ويلاحظ الحراس أن رجلي أصابهما الوهن، فأنا أعرج بهما، وأنني في حاجة إلى الراحة بعد جهد المسير، أنا ما زلت في موقفي على أفريز هذا الشارع، ها قد انقضت ساعات الظهيرة، ولا بد لي من أن أرى قيصر، سمعت أناسا يهتفون وتبح أصواتهم، بعضهم يقول: إنه قد رأى الموكب، وهو يعبر الحي القريب، ولكن عاقته الجماهير المتدافعة عن مسيره، والبعض الآخر يؤكد أنه قد سمع الأبواق على طول الطريق، وهي تؤذن بقدوم قيصر، وفريق ثالث يقسم الأيمان على أنه قد شاهد العربة الإمبراطورية وهي تخطر في الطريق كالعروس الجميلة في ليلة الزفاف، ثم يعتذر عن تقصيره في الوصف قائلا: إن أحكم حكمائنا، وأبلغ شعرائنا لن يستطيع أن يصف لكم روعة الموكب الإمبراطوري، ونتحرق نحن شوقا إلى رؤية هذا الموكب ، وقد يحلم بعضنا بالذهب يتناثر من يدي قيصر على جانبي الطريق، وقد يطعم الجياع في طعام هنيء يأمر به قيصر، والحفاة في أحذية جديدة يوصي بصنعها قيصر، والمظلومون في العدل الذي يأمر به قيصر، لكن الشمس تغرب، والشفق يصبغ بحمرته الدامية وجوهنا الشاحبة كشحوب أنواره، والأصوات التي كنا نتصور أنها تصم آذاننا أصبحت موجات من الصدى، تنغمها الريح في الفضاء، وفريق منا أضناهم التعب فانصرفوا إلى بيوتهم، وهم يعدون أنفسهم برؤيته في زمن قريب، أما أنا فأقلب بين يدي الورقة التي كتبت فيها شكواي، ودفعت عليها رسم الضريبة، وأقول في نفسي أفلا يصدق الحلم فأجثو أمام قيصر، وأقبل قدميه وأبكي!
يا ظل الله في الأرض!
لم لم يعبر بي موكبك؟
يا سيد البحار والأراضي!
أنا أنتظر موكبك!
ألن يأتي هذا اليوم في عمري أبدا؟
Shafi da ba'a sani ba