أما بعد فإنه ليس كل صامت عن حجته مبطلا في اعتقاده، ولا كل ناطق بها لا برهان له محقا في انتحاله. والحاكم العادل من لم يعجل بفصل القضاء دون استقصاء حجج الخصماء، ودون أن يحول القول فيمن حضر من الخصماء والاستماع منه، وأن تبلغ الحجة مداها من البيان، ويشرك القاضي الخصمين في فهم ما اختصما فيه، حتى لا يكون بظاهر ما يقع عليه من حكمه أعلم منه بباطنه، ولا بعلانية ما يفلج الخصام منه أطب منه بسره. ولذلك ما استعمل أهل الحزم والروية من القضاة طول الصمت، وإنعام التفهم والتمهل، ليكون الاختيار بعد الاختيار، والحكم بعد التبين.
وقد كنا ممسكين عن القول بحجتنا فيما تضمنه كتابنا هذا اقتصارا على أن الحق مكتف بظهوره، مبين عن نفسه، مستغن عن أن يستدل عليه بغيره؛ إذ كان إنما يستدل بظاهر على باطن، وعلى الجوهر بالعرض، ولا يحتاج أن يستدل بباطن على ظاهر.
Shafi 144