وانصرفوا عن القتال وهم له كارهون، وانصرف الطرواديون فاعتصموا بأسوارهم، ورابطوا داخل صياصيهم، ومهرة النجارين وكبار المثالين دائبون على حصانهم الهولة حتى فرغوا منه.
وأقلع الأسطول.
وانكشفت الساحة من هذا الجراد المنتشر الذي لبث ينوء فوقها عشر سنين.
واختبأ أوليسيز داخل الحصان ومعه نخبة من شياطين الميرميدون، وعلى رأسهم بيروس النجيب ابن أخيل الخالد، وعصبة قوية من فرسان الإغريق البواسل.
ودق الطرواديون البشائر.
وجاءوا يهرعون إلى الساحة ويتكبكبون حول الحصان الهولة، ويكلمون سينون الذي تركه الهيلانيون عند الحصان ليخدع الطرواديين ولينصح لهم بنقله إلى المدينة ليكون آخر الدهر تذكارا لهذه الحرب التي شنها قومه على طروادة ظلما، فباءوا منها بالبوار. ... هؤلاء الهيلانيون اللؤماء، الذين انصبت عليهم أحقاد الآلهة، وثار بهم كبير الأولمب وسيده الأعظم، وسلطت عليهم الزوابع والأنواء حتى كادت تفنيهم لولا أن أمروا بتضحية قربان بشري ينجيهم من غضب السماء ... ولكن؟ ... من منهم أصاخ إلى الأمر المقدس؟ ومن منهم سمع إلى هتاف الأولمب؟ لقد جبنوا جميعا، ولم يشأ واحد منهم أن يضحي بنفسه لينقذ الجميع حتى أوليسيز نفسه! هذا الداهية المغفل! لقد جبن هو أيضا! وفي الوقت نفسه حاول أن يرغمني أنا! أنا سينون المسكين، على أن أقبل التضحية، وأن أهب دمي للآلهة لتهدأ ثورتها.
ولكني رفضت في شمم، وامتنعت في إباء، لا خوفا من الذبح؛ ولكن ضنا بدمي النقي الطاهر عن أن يهرق في سبيل هؤلاء الجبناء ... الذين تكأكئوا وفزعت نفوسهم من صيحة السماء!
وهربت يا مولاي! يا مولاي بريام العظيم ... ولذت بظلال طروادة الخالدة، طروادة المنيفة القوية، وجعلت أصلي لأربابي حتى استجابت لي، وأرسلت إليهم من أنذرهم بسوء المنقلب إذا هم لم يقلعوا هذا المساء! قاتلهم سيد الأولمب! وقاتلهم الآلهة جميعا!
والآن! ها هم أولاء قد تركوا هذا التمثال الرائع الذي أعدوه ليوم نصرهم، فجعلته الآلهة آية فشلهم! انقلوه يا مولاي إلى المدينة واجعلوه تذكار هذه النوبة الجنونية التي شنوها عليكم، فحاق بهم سوء ما كانوا يمكرون، ألا فليكن قربة لمينرفا!
ولقد سمعت هاتفا في صلاتي يقول: «الويل لمن يصيب هذا التمثال بشر! تنقض عليه رجوم السماء، وتنخسف من تحته الأرض، وتميد من فوقه الجبال! وطوبى لمن احتفظ إلى الأبد به! إذن يحميه شر حدثان الزمان وعوادي الأيام ...»
Shafi da ba'a sani ba