وأراد الله أن يعوضنا أخا مكان الأخ، فجاء من لقي منا كل إعزاز وتدليل، وما يزال يلقى. ***
بهذا انتهت مذكرات الأحدب، أو ما استطعت أن أستخرجه من مذكراته؛ لأن بها أجزاء كثيرة ممزقة أو مطموسة تتعذر قراءتها، وهي مذكرات كتبها وهو في الخامسة والعشرين أو نحوها ومضت عليها خمسة وأربعون أخرى؛ لأنه اليوم في السبعين.
الفصل الرابع
فاوست في قبضة الشيطان
أحسست من الطريقة التي أعطاني بها الأحدب مذكراته القديمة الممزقة، أنه أراد أن يفض الأمر بينه وبيني، فإذا كنت أتعقبه لأكشف عن سره، فها هو ذا سره مكتوبا، ولم يعد بعد ذلك ما يدعو إلى تعقبه في وحدته؛ لكنه في الحقيقة قد أخطأ الظن؛ لأن قراءتي لمذكراته تلك لم تزدني إلا رغبة في معرفة ما بقي من قصة حياته؛ لأن تلك المذكرات إنما وقفت عند سن المراهقة أو بعدها بقليل، فماذا كان بعد ذلك حتى بلغ ما بلغه الآن من عمر؟
لقد ختمت مذكراته بذكر أخ أصغر أضيف إلى أسرته، وكأنما أضيف إليها تعويضا عمن كانت فقدته قبل ذلك بقليل، فماذا لو بدأت البحث بالسؤال عن بقية أفراد أسرته؟ إنني في الحقيقة لم أكن أسعى إلى تفصيلات حياته في حد ذاتها؛ لأنها لا تثير اهتمامي إلا بمقدار ما تكشف لي عن السر الدفين في أن تكونت له تلك العاهة النفسية التي برزت على ظهره قتبا يكبر حينا ويصغر حينا، وهي نفسها العاهة - أو لعلها أن تكون - التي مالت به إلى خشية الناس وإلى الانفراد بنفسه في مسكن منعزل أو في ركن من المدينة قصي بعيد .
ولم يطل عنائي في السؤال عن أفراد أسرته، والمصادفات في أمثال هذه الأمور تسعف الباقين أكثر جدا مما يتصور الناس، كأن لهذه المصادفات قوانينها التي تشبه قوانين العلوم، فيندر أن يتغيا الإنسان في حياته غاية يريد بلوغها، إلا وتولد له المصادفات مما يشبه العدم أو المحال، فتقدم له المعونة وتخلق له الظروف التي تحقق له غايته المنشودة.
جلست على مقهى في ميدان السيدة زينب بالقاهرة، ولم تكن تشغلني عندئذ مسألة الأحدب وأسرته، فما هو إلا أن لمحني في الطريق صديق قديم منذ عهد الدراسة، فضلا عن كونه منتميا إلى القرية نفسها التي أنتمي إليها، فجاء مسلما، ودعوته للجلوس، فنظر في ساعته ليرى إن كان الوقت يسمح له بجلسة قصيرة معي، ثم جلس، ثم لم تكد أطراف الحديث تتصل بيننا حتى ورد ذكر الأحدب ورودا سريعا في حديثه، فاستوقفته في لهفة نبهته إلى أهمية الأمر عندي، مما دهش له.
قلت: من هذا الأحدب الذي ذكرته الآن؟
قال: هو رجل عرفته منذ سنين، حين تزاملنا في إحدى مدارس الريف، وبيني وبينه قرابة بعيدة.
Shafi da ba'a sani ba